تمر الأيام ولا نفي قاطع من الفريق يؤكد تصريحه القديم بأنه "لن يسمح للتاريخ بأن يقول أن الجيش تحرك في 30 يونية لخدمة مصالح شخصية"، في إشارة واضحة لتصوير حركة الجيش بالانقلاب العسكري، مما قد يسئ إلي سمعة مصر الثورة والدولة معا، ويفقد الثورة المصرية مصداقيتها، والكثير من مكتسباتها علي الصعيدين الدولي والداخلي. وأيضا لا تأكيد قاطع لترشحه فعليا، ليعني دخول بالجيش إلي صدارة المشهد -والمعترك- السياسي المباشر، ويجعل من الجيش مرشحا بين المرشحين، إذ بات الجيش هو الفريق، والفريق هو الجيش في العقل الجمعي المصري، بعد الموجة الأخيرة من الثورة. وهذا هو ملخص الرسالتين الأولي والثانية للفريق اللتين نشرتا في أكتوبر الماضي 2013 ثم يناير الجاري 2014م. واليوم بات من المؤكد -بعد تصوير الإعلام لكل من الاستفتاء واحتفالات الثورة بأنهما احتشاد جماهيري لتأييد ترشح الفريق- أن هناك حدث جلل، إما إعلان الفريق ترشحه نزولا علي رغبة الجماهير بحسب تصوير الإعلام، أو إعلان الفريق عدم الترشح، وهنا المتوقع أن تخرج الجماهير تناشده الترشح صراحة وليس ضمنا هذه المرة، خصوصا من جانب رجال دولة مبارك. إذ أن جانب كبير من هذه الطبقة التي تكونت في ظل حكم المخلوع، والمسماة رجال الأعمال -كبيرهم وصغيرهم ومن والاهم- سيخرجون إلي الشوارع -بأنفسهم- ومن يمتلكون دعوتهم ولو بالحشد مدفوع الأجر؛ ذلك أن منهجهم دائما -وبحسب تكوينهم- حماية مصالحهم بالانضمام للفريق الأقوي. وكذلك سائر الفلول ممن دخلوا الجحور بعد موقعة الجمل، وسربوا الأموال من جحورهم لحملة شفيق-بمنطق الأمل في العودة -ثم خرجوا بأنفسهم من الجحور- بعد أن توهموا اقتراب أيديهم من ثمرة السلطة مرة أخري- لدعم شفيق في انتخابات الإعادة، وما أن تبدد أملهم بسقوطه من ناحية، واستقبال الجماهير لخروجهم من الجحور باستنكار من ناحية اخري؛ حتي عاد لهم الأمل -الذي يرونه الأخير- بموجة 30 يونية. أما الجانب الغالب من المثقفين وشباب الثورة وقواها فإنهم سيصفقوا للفريق ويؤدون له التحية، احتراما لانحياز الرجل إلي دولة ديمقراطية فعليه. لكن ما هي الأوزان النسبيه لهؤلاء أو أولئك أمام هذه الجموع الغفيرة من الشعب التي لطالما نعتت قبل الموجة الأخيرة من الثورة بوصف حزب الكنبة، حتي ضاق عليها الخناق بالمنع من الطاقة (بنزين وجاز وغاز) لمدة عام في ظل حكم الجماعة، فخرجت بعفوية شديدة في 30 يونية لتلتقي لأول مرة -منذ رحيل الزعيم جمال عبد الناصر- بالبطل المخلص، الذي باتت الليالي الطوال تحلم به وتنتظره، وهو ما يبرر رفع صورة الرجل إلي جوار صورة الزعيم دون قصد أو تخطيط، ولم تشأ الأقدار أن تلتقي هذه الجموع أبطال آخرين من شباب الثورة وقادتها، إذ ذابوا -بتلقائية وإخلاص- كملح الأرض بين جماهير الشعب القائد والمعلم. الأمر الذي يزيد من تأكيد معني أن مجرد ترشح الفريق يعني نجاحه، وبمجرد تقديم أوراق ترشحه فقد تحول من الفريق إلي الرئيس دون انتظار إجراء الانتخابات أو إعلان النتائج، فهو كمرشح يمتلك كلا من رصيد الجيش لدي الشعب، وإمكانات دولة مبارك في الدعاية والحشد، فضلا عن آله إعلامية أقل ما توصف به أنها "ملكية أكثر من الملك" ومن قبل تتويجه. وباتت رئاسة الفريق لمصر لا تعني فقط مجرد عودة الفلول للمشهد، وإنما تختذل المنافسة علي السلطة -المفترض أن تكون ديمقراطية- بين قطبين أساسيين هما: أولا: الجيش (المؤسسة الوطنية الأقوي) والمرتمين في أحضانه وتحت أقدامه والمتعلقين في أطراف بياداته، وثانيا: تيار الإسلام السياسي (المستند إلي قوي أجنبيه بالتمويل أو الدعم) بكل أطيافه ومذاهبه وحركاته، أي بين مطرقة الحكم العسكري (الوطني) وسندان الحكم الديني (العميل)؛ وبالتالي تجريف القوي المدنية، المنتمية في غالبيتها للطبقة الوسطي، التي لا تمتلك في مسيرة نضالها سوي كلماتها ومواقفها وأرواحها، وتفتقر إلي الأدوات والإمكانات التي تمكنها من بناء هذا الجسر المفقود بينها وبين القطاع الأكبر -والأفقر- من جماهير الشعب صاحب المصلحة في التغيير، برغم كونها الأقدر علي التعبير عن مصالحه؛ مما يعني القضاء علي مستقبل الحياة الديمقراطية -السليمة والمأموله- إلي غير رجعة. هذه الخريطة الجديدة -سياسيا واجتماعيا- تتضح ملامحها يقينا بعد انتخابات البرلمان، وليس قبل أو أثناء أو بعد انتخابات الرئاسة، إذ سيتجلي بوضوح تخلي الجيش (شريك الثورة) -بترشح الفريق- عن شركائه الحقيقيين منذ 25 يناير 2011م؛ لأن تأييد الفلول للفريق -دون شباب الثورة وقواها- سيزيد من تمكينهم -أي الفلول- سياسيا، من خلال تعاظم دورهم الجماهيري، ونفوذهم الاجتماعي؛ فيتمكنوا من غالبية -إن لم يكن أغلبية- مقاعد البرلمان، وستتحول المنافسة علي مقاعد البرلمان إلي معارك (مالية) بين الفلول والإسلاميين، ولن يكون نصيب القوي المدنية (الثورية الحقيقية) فيها نصيبا مؤثرا، لضعف إمكاناتهم المادية، وحداثة نشأتهم بعد ثورة يناير، ولما تعرضت له بعض هذه القوي من تضييق منذ فكرة تعدد الأحزاب ذاتها. لا سيما أن المرحلة الانتقالية من بعد 30 يونية لم تشهد مشاركه حقيقية من قوي الثورة وشبابها، ولا يغني تمثيل رموز حركة تمرد بلجنة الخمسين، إذ أنهم الأكثر نجومية والأقل فعلا وتأثيرا، قبل وأثناء وبعد 30 يونيه، فلم تكن تمرد (الحركة) إلا دعوة، أما الحركة الجماهيرية الحقيقية والفاعلة في 30 يونية -ومن قبلها- فكانت نتيجة تفاعل النشطاء من النخبة والعديد من الائتلافات والأحزاب والقوي، مع قوة الجماهير صاحبة المصلحة في التغيير التي طفح بها الكيل من استبداد وفشل إدارة الجماعة، علاوة علي مشاركة من كافة مؤسسات الدولة وأركانها. من أجل ذلك يا سيادة الفريق -ولأن هذه القوي قد تغيب عن انتخابات الرئاسة ترشحا ومشاركة في حال ترشحك وبدافع وطني هو ألا تشق صف الثورة- بات لزاما عليك -إذا أردت أن "تكمل جميلك"حقيقة وليس شعارا- أن تستكمل مسيرة الثورة ويدك بيد شبابها وقواها، إن ترشحت فلتعبر عن مطالبها وأهدافها، وإن توليت فلتمكنها، وإن لم تترشح فقد منحتها الفرصة المتكافئة، و -بإذن الله- ستنتصر.