تمثل الانتفاضة الفلسطينية الأولى مرحلة تحول في تاريخ النضال الفلسطيني للحصول على حقه من المغتصب الصهيوني .. يسمونها "انتفاضة الحجارة" فهي تعد الحدث الأهم في الوطن العربي بعد حرب أكتوبر 1973، ففيها استطاعت يد الحق التي لا تملك سوى الحجارة التغلب على عدو يملك كل الأسلحة الحديثة في العالم. ففي الثامن من ديسمبر سنة 1987 تفجّرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، في جباليا، في قطاع غزة المحتل، ثم انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين المحتلّة. يعود سبب الشرارة الأولى للانتفاضة قيام سائق شاحنة صهيوني بتعمّد دهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز "إريز"، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية أرض فلسطينالمحتلة منذ سنة 1948. استشهد وأصيب في هذا الحادث عدد من العمّال الفلسطينيين، ولم يمضِ وقتا طويلا على الجريمة البشعة حتى كانت الثورة الشعبية العارمة تعمّ الضفة والقطاع، وردوا على رصاص الجيش الإسرائيلي بقبضاتهم وبإلقاء الحجارة، ليصبح بإمكان العالم أجمع مشاهدة العصيان الشعبي الفلسطيني السلمي على شاشات التلفزيون، وفي الوقت نفسه مشاهدة الإرهاب الصهيوني بحقّ المنتفضين من الكبار والصغار والنساء والأطفال والشباب. كانت المسيرات والتظاهرات والاعتصامات والإضرابات تعمّ كل المناطق الفلسطينية بالرغم من القمع والبطش والهمجية الصهيونية. مع مرور الأيام والأسابيع والأشهر تطوّرت الانتفاضة وابتدعت أساليبا جديدة ونهجاً مقاوماً جديداً امتاز بشموخ أطفال الحجارة وانتصارهم على الجندي والدبابة وسياسة الجنرال رابين لتكسير العظام. بقيت الانتفاضة مستمرّة، وازدادت اشتعالاً يوماً بعد يوم، ولم تتأثّر باعتقال الاحتلال للآلاف من الشبّان. وكذلك استشهاد حوالي 1300 فلسطيني وجرح الآلاف من أبناء الشعب المنتفض والثائر على الاحتلال، كما قتل فيها أكثر من 160 صهيونيا. يقول الدكتور "أيمن الرقب" مفوض العلاقات الخارجية بحركة فتح –إقليم القاهرة سابقا : "الانتفاضة الفلسطينية الأولى استطاعت إعادة القضية الفلسطينية إلى طاولة الاهتمام العربي، بعد أن غابت لأول مرة في مؤتمر جامعة الدول العربية في عام 1985، ثم لتعيد القضية إلى كافة المحافل الدولية والعربية". وتابع بأنها أعادت الروح إلى الثورة بالداخل الفلسطيني والحرب المباشرة مع العدو الإسرائيلي في الداخل بعد أن استمرت المواجهة بين الطرفين لعدة سنوات في الخارج. يضيف الرقب : "في هذه الذكرى كلنا نعرف أن دور المقاومة قد تراجع في فلسطين حاليا وتوجهت القيادة إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، لكن الانتفاضة تؤكد دائما على أهمية دور المشركة الشعبية وذلك للتأكد من أن المتغير الدولي لن يسمح بإقامة الدولة الفلسطينية ولم ينجح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المفاوضات الخارجية". ويوضح الرقب : "الانتفاضة أعادت بقوة الحديث على أهمية الحراك الشعبي الواسع والمتواصل الذي نستطيع من خلاله إعادة اللحمة إلى الفلسطينيين". من جهته يقول "أيمن سمير" المحلل السياسي ورئيس تحرير السياسة المصرية :"في ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الأولى لابد من التأكيد على أن هناك انتفاضة فلسطينية ثالثة قادمة لا محالة، في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل في ممارسة قمعها في القدس والأقصى ومحاولتها بناء مدينة سياحية تحت المسجد الأقصى، وهو ما يقلل من فرص قيام دولة فلسطينية". كما أن إسرائيل حولت الضفة إلى مجموعة من الكبائن وبالتالي هناك غضبا شعبيا ضد الممارسات الإسرائيلية كذلك ضد المفاوضات التي تجرى بين الحكومة الفلسطينية وإسرائيل، كذلك فشل "كيري" وزير الخارجية الأمريكي في الضغط على إسرائيل لقبول فكرة إقامة الدولتين، في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بالتهويد، وهو ما جعل وزير الخارجية الأمريكي في تصريحات سابقة يحذر من إندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. ويؤكد سمير :"الانتفاضة الفلسطينية الأولى عملا تاريخيا تعبر عن الاحتجاج الشعبي العارم، لكنها للأسف لم تستمر هذه الانتفاضة في تحقيق مكاسب سياسية للشعب الفلسطيني بسبب التكالب الدولي لصالح إسرائيل والانقسام الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح". ويقول الدكتور "محمد أبو غدير" رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية بجامعة الأزهر سابقا، إن الانتفاضة الفلسطينية الأولى كانت أهم حدث في الوطن العربي بعد حرب 1973، لأنها هزت إسرائيل من الداخل فقد استطاعت الحجارة والطوب الفلسطيني أن يتغلب على دولة تمتلك كافة الأسلحة الحديثة. يضيف أبو غدير: "لأننا في الوطن العربي نتعامل بعاطفتنا مع الأمور في حين أن إسرائيل تمتلك مراكز بحثية تتوصل إلى حلول تترجم إلى قرارات للقادة الإسرائيليين وهو ما تعاملت به مع ثورة 25 يناير، بعكس أننا لم نستطيع الاستفادة من الانتفاضة الفلسطينية الأولى والعرب ولم يستفيدوا منها بأي خطوة إلى الأمام". ويؤكد أبو غدير: "الانتفاضة الأولى كانت سببا في اندلاع مظاهرات داخل فلسطين وصل عددها إلى 350 ألف متظاهر وهي أول مرة تحدث في تاريخ إسرائيل، وذلك تخوفا من استمرار قتل أبناءهم خلال الانتفاضة".