بين قلب دام وعيون دامعة وأنفاس لاهثة، لا تكاد العين تكف عن رؤية النيران وما يتبعها من دخان وسعير لمن يتابع فتنة "الحوارتة" و"عبيد"، والتى تبحث فى أمل وشغف عن مساع للصلح، الذى يقطع طريق الصمت وحالة الهدوء المشوب بالحذر الذي يخيم على قريتين بمحافظة المنيا، بعد الدماء التى نزفتها لعنة الطائفية؛ لتكسر صمت السلام وتودع 4 أشخاص وتلقي بإصابة 16 آخرين في قريتي "نزلة عبيد" و"الحوارتة" بسبب بناء سور. "البديل" التقت بعدد من أهالي القريتين ليقصوا لنا ما يحدث من سيناريو الصراع الدامى الذى لا يزال نارًا تحت الرماد: فقد أكد قاطنو "نزلة عبيد" تغيب الموظفين والعمال عن عملهم، وامتناع أولياء الأمور عن إيفاد أبنائهم للمدارس؛ خشية أن تنال منهم لعنة الثأر والطائفية، خاصة بعد تجدد الاشتباكات ومصرع قبطي آخر؛ ليتساوى عدد الضحايا في كل قرية، ومفاجآت بين السطور يكشفها الأهالي. المشاجرة نشبت بين كل من ماري صادق وإسحق يعقوب، مقيمين بقرية نزلة عبيد، والتي تبعد عن مدينة المنيا مسافة ستة كيلومترات من جهة، ومملوك محمد علام من قرية "الحوارتة" المتاخمة لها من جهة أخرى؛ بسبب قيام الطرف الأول باتخاذ الإجراءات الأولية لبناء منزل على قطعة أرض يمتلكها وتقع بجوار الطرف الآخر، والذي اعترض على البناء في محضر شرطة حرره الأسبوع الماضي, واحتشد الطرفان بعدها، وعقب تدخل الطرف الثاني تبادل الطرفان إطلاق النار، وهو ما أكده أهالي القريتين. وأكد جرجس ميخائيل قطع كابلات الإنترنت عن القرية بعد نشر صور وفيديو عن الأحداث الأولى، والتي أظهرت تغيب الجهات الأمنية, وتباطئها في الفصل ورأب الصدع بين الجانبين؛ مما دفع الأهالي لتنظيم مسيرة للمطالبة بتكثيف التواجد الأمني وحماية أقباط القرية. وأوضح كرولس ماري أحد شباب قرية "نزلة عبيد" وطرف في الخصومة وجود خلافات قديمة بين القريتين منذ أحداث عزل مرسي، حيث أقدم أهالي قرية بني عبيد ذات الأغلبية القبطية بإطلاق النيران في الهواء ابتهاجًا بعزل مرسي؛ مما أثار غضب أهالي قرية "الحوارتة"، وأنه عقب قيام أهالي "نزلة عبيد" ببناء قطعة الأرض بجوار قرية "الحوارتة" اعترض أهالي الحوارتة وبدأت المصادمات. ومن داخل قرية "الحوارتة" أكد عبد الغفار بدر أنه ورغم وجود خلافات سابقة بين القريتين على قطعة الأرض المملوكة للدولة وطلب قيادات الأمن من أهالي "نزلة عبيد" عدم البناء، فوجئنا بحضور أحدهم وعدد من أهليته وعمال البناء، وبدءوا في إجراءات البناء، وقبل الانتهاء من بناء السور تدخل أهالي الحوارتة، وبدأت المشاجرة بالطوب والحجارة والشوم. وتابع "فوجئنا بوفود تستقل سيارات أجرة ويحمل معظمهم السلاح الناري؛ مما دفع أهالي الحوارتة لحمل السلاح الناري؛ لتبدأ المشاجرة وسط غياب أمني ملحوظ، مشيرًا إلى أن السلاح في "نزلة عبيد" يكاد لا يخلو منزل من وجود أكثر من سلاح ناري". وقال صابر شحاتة (61 سنة فلاح) والد القتيل محمد الذي لقي مصرعه على خلفية الأحداث أن ابنه لم يكن له علاقة بتلك المشاجرة الدامية، وأنه لقي مصرعه أثناء مروره بالمشاجرة عقب عودته من عمله بمحجر البلوك الجيري بقرية "طهنا الجبل" المجاورة في تمام الخامسة مساء الخميس المنصرم، وأضاف أن العلاقة بين مسلمي ومسيحيي القريتين المتجاورتين تحكمها روابط وأواصر الحب والمودة والتبادل التجاري وشباب القريتين من الحرفيين والعمال تجدهم يوميًّا هنا وهناك. ومن داخل منزل سعاد حجازي (36 سنة أرملة بدون عمل) الضحية الثانية التي لقيت مصرعها دون أن يكون لها علاقة بالمشاجرة. يقول نجلها الأكبر طه محمود "أمي خرجت في طريقها للبحث عن أختي الصغرى خشية أن ينالها رصاص العنف، وعندما مكثت ساعة كاملة في البحث عنها دون فائدة، قررت العودة للمنزل؛ لعلها تجد أختي بداخله، ولكن رصاص الغدر قتلها قبل عودتها لأحضان أبنائها الأربع". وكشف العميد هشام أبو النصر مدير البحث الجنائي بالمنيا في تصريح خاص ل "البديل" وجود مساعي بين مسلمي قرية "الحوارتة" وأقباط "نزلة عبيد" بمركز المنيا، بعد مقتل شخصين بكل قرية ولإنهاء حالة النزاع وما تسببه من قلق دائم وترقب حذر بين أهالي القريتين، وذلك بالتنسيق بين كبار العائلات ورجال الدين، مؤكدًا التقاء اللواء أسامة متولي مدير الأمن واللواء صلاح زيادة محافظ المنيا وفودًا من القريتين بينهم مشايخ وقساوسة. وكان اللواء أسامة متولي مدير أمن المنيا قد تلقى إخطارًا بوقوع مشاجرة بين الأقباط بقرية نزلة عبيد والمسلمين بقرية الحوارتة المجاورة؛ بسبب قيام أحد الأقباط ببناء سور على قطعة أرض بقرية "الحوارتة" – مملوكة للدولة – ونتج عن المشاجرة وقوع 4 قتلى، هم "سعاد حجاز – محمد شحاتة" (من أهالى الحوارتة) و"جرجس كامل حبيب عبد المسيح – عياد فانوس" (من أهالى نزلة عبيد)، بينما أصيب 16 آخرون.