عندما أضرب عمال السكة الحديد عام 1986 ,قامت قوات الامن بفض الاضراب بالقوة والقت القبض علي عدد كبير من العمال والسائقين وتمت احالة سبعة وثلاثون منهم الي محكمة أمن الدولة العليا طواريء بتهم الإضراب وتعطيل العمل واستعمال القوة والعنف مع السلطات,والاضرار بالمال العام ..الخ واستمرت المحاكمة من ديسمبر 86 وحتي الحكم في 16 ابريل 1987 ..حيث أصدرت المحكمة حكمها ببراءة العمال من كافة التهم المسندة إليهم وأسست المحكمة حكمها العظيم برئاسة المستشار الجليل أمين الرافعي علي عدد من المباديء الهامة لعل أهمها هو التأكيد علي أن مشروعية الاحتجاج والاضراب مستمدة من حيث الواقع من الشعور بالمعاناة والتفرقة وانعدام المساواة وهي أسباب لو توافرت لدفعت العمال دفعا الي الاحتجاج , وكان ذلك واضحا عندما قالت في حكمها :- ( والمحكمة وقد استقر فى وجدانها أن ذلك الإضراب ما كان يحدث من تلك الفئة من العمال – وقد كانت مثالا للالتزام والتضحية – إلا عندما أحست بالتفرقة فى المعاملة والمعاناة وأنه من اللازم رفع تلك المعاناة عن كاهل فئات الشعب حتى لا يستفحل الداء ويعز الدواء.) ومن الناحية القانونية سطرت المحكمة يقينا بأن حق الإضراب عن العمل هو من الحقوق المشروعة وفي المقابل فإن المصادرة لذلك الحق هو الفعل غير المشروع , فإن حق مستندة في ذلك إلي الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقد نصت تلك الاتفاقية فى مادتها الثامنة بأن “تتعهد الدول الأطراف فى الاتفاقية الحالية بأن تكفل. “.....د. الحق فى الإضراب على أن يمارس طبقا لقوانين القطر المختص”. ولما كان الإضراب لغة وقانوناً هو الامتناع الجماعى المتفق عليه بين مجموعة من العاملين عن العمل لفترة مؤقتة لممارسة الضغط للاستجابة لمطالبهم فإن الواضح من هذين النصين وجود تعارض بين التشريع الداخلي والاتفاقية المذكورة مما يتعين بحث أيهما الأجدر بالتطبيق.” الحكم ة” وانتهت المحكمة بوضوح لا لبث فيه أن تلك الاتفاقية هي الأجدر بالتطبيق , وأن بالتصديق عليها صارت هي الأعلي شأنا من القانون الداخلي الذي يتعارض مع أحكامها , ولايجوز للمشرع أن يتحايل عليها وان يسن قانون تتضمن أحكامه ما يخالف أحكامها . وذلك استنادا إلي قرار رئيس الجمهورية رقم 537 لسنه 1981 بشأن الموافقة على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمنشور فى العدد 14 من الجريدة الرسمية المؤرخ 8 من إبريل سنة 1982. وتري المحكمة وفقا لهذا السياق أن حق الإضراب هو حق مشروع علي إطلاقه وأن الاتفاقية الدولية هي بمثابة تشريع داخلي فور التصديق الذي تم عليها , وبالتالي فإن المشرع هنا قد أباح تلقائيا ممارسة هذا الحق عقب نشر الاتفاقية مصدقا عليها .. وتعتبر المحكمة أن تجريم حق الإضراب” هو أمر يتفق مع المنطق وفلسفة القانون فإذا أباح المشرع فعلا من الأفعال فمن غير المقبول أن يحاسب بعد ذلك على ما قد يحدث نتيجة لهذا الفعل وحيث أنه متى كان ذلك وكان حق الإضراب مباحا بمقتضى الاتفاقية الدولية السابق الإشارة إليها وكان الثابت من الأوراق والتحقيقات أن أى من المتهمين لم يقم بإتلاف أو تخريب القطارات أو المعدات مما يقطع بحسن نيتهم فإن ما حدث نتيجة لذلك الإضراب لا يمكن أن يقع تحت طائلة قانون العقوبات” ” الحكم ” وبناء علي ما سبق , فإن القضاء المصري قد أقر القاعدة القانونية التي تعد بمثابة حائط صد منيع في مواجهة الالتفاف علي حق العمال في الاضراب والاحتجاج كونه من الحقوق المشروعة ..لذلك فإن المرسوم بقانون المزمع صدوره والذي وافق عليه مجلس الوزراء يعد اعتداءا سافرا علي الاتفاقية الدولية وانكار لاحكامها فضلا عن ذلك فهو يهدر أحكام القضاء المصري التي هي عنوان الحقيقة كما تعلمنا . سيد فتحي [email protected]