لطالما كان منتخب البرازيل هو السيد لكرة القدم في العالم دون منازع، وكل الأرقام تؤكد أن تلك السيادة لم يكتسبها من فراغ ولكن بالعمل وبتوالي الأجيال والأسماء والأساطير التي سطرت بحروف من نور تاريخا ناصعا لراقصي السامبا، ولكن هذه السطوة للكرة البرازيلية على العالم بدأت في التراجع وقبضتها على البطولات العالمية بدأت في الارتخاء بخروج مارد أحمر قادما من جنوب غرب القارة الأوروبية ليأكل في السنوات الخمس الأخيرة جميع المنافسين ويستحوذ على كافة الألقاب ويؤكد استعداده لكي يتسلم عرش كرة القدم العالمية لعدة عقود قادمة وهو المنتخب الإسباني والليلة جاءت لحظة الحقيقة لكليهما. وإذا بدأنا بالبرازيل فعلى الجميع بداية من منافسيها وصولا إلى مشجعيها فإن الجميع سيعترف بأنها القوة العظمى الأولى في تاريخ كرة القدم، فهي الدولة التي توجت بأهم ألقاب الدنيا "كأس العالم" 5 مرات بالإضافة إلى 8 بطولات قارية و3 بطولات لكأس القارات، وهي التي أنجبت عشرات بل مئات الأساطير الكروية من بينها بيليه ورونالدينيو وريفالدو وروبيرتو كارلوس وسوكرات وزيكو وروماريو وكافو وغيرهم إلى أن وصلوا إلى تياجو سيلفا وألفيش ولويز ونيمار، فهذه الأرض لا تتوقف أبدا عن إفراز المتعة الكروية الحقيقية عبر كل زمان. ولكن البرازيل مرت خلال الأعوام الثلاثة الماضية أو يزيد بقليل بفترة انعدام وزن أفقدتها مكانها المعتاد على القمة أو على الأقل بين الكبار وخفت نجم الكرة البرازيلية وسط صعود صاروخي للقوى الأوروبية وعلى رأسها إسبانيا وألمانيا، ووصل المنتخب البرازيلي خلال تلك الفترة إلى أسوأ تصنيف له في تاريخه حيث تحل في التصنيف الثاني والعشرون على مستوى العالم في سابقة كارثية للسيليساو. هذا الأمر أدى إلى تغيير الجهاز الفني للفريق بقيادة مينيزيس وإعادة المسئولية لصاحب آخر لقب مونديالي عام 2002 مع الفريق "سكولاري" الذي أعاد الروح وبدأ في طمأنة الجماهير قبل عام على استضافة أراضيهم لكأس العالم 2014. فالبرازيل قدمت أداء مميزا في بطولة كأس القارات التي ستلعب في منتصف الليلة بتوقيت القاهرة اليوم مباراتها النهائية وفازت على اليابان بثلاثية نظيفة أعقبها الفوز بثنائية على عقدتها المكسيكية واختتمت الدور الأول بفوز مثير على إيطاليا 4-2، وفي نصف النهائي عبر أوروجواي بصعوبة 2-1 ليتأهل الفريق إلى النهائي ويضمن قفزة نوعية في التصنيف المقبل، إلى جانب استعادة الثقة بشكل كبير لدى اللاعبين. ليست النتائج فقط ما أسعدت الجماهير ولكن إلى جانب ذلك فالروح التي ظهر عليها الفريق وبزوغ نجم أكثر من لاعب في الفريق مثل نيمار وباولينيو إلى جانب اللاعبين أصحاب الخبرة الأوروبية الواسعة، ما يشير إلى أن الفريق يسير في الطريق الصحيح. ولكن المشكلة الكبيرة التي يأمل البرازيليون في حلها هي مواجهة الليلة أمام أفضل فريق في العالم من دون منافس أو منازع وهو المنتخب الإسباني، لأن الجميع في البرازيل يدرك أن هذا اللقاء هو لقاء الحقيقة ولقاء الإثبات في قدرة السيليساو على مواجهة هذا المارد أم لا. وإذا تركنا البرازيل ونظرنا صوب الفريق القادم من نصف العالم الآخر وهو الفريق الملقب ب"لافوريا روخا" أو الغضب الأحمر فقد كان دائما في حالة معاناة، فطالما قدم كرة قدم جميلة وأنجب لاعبين اعترف العالم بهم إلا أنه لم يكن قادرا على مجابهة الكبار وكان دائما يتوقف عن محطة ربع النهائي في المواعيد الكبرى، حتى بدأت الانتفاضة في 2008 بتتويج ثان بلقب الأمم الأوروبية أعقبه تتويج بالمونديال في 2010 للمرة الأولى أكد بعدها سطوته بالاحتفاظ في العام الماضي باللقب الأوروبي ليطلقها هادرة "هل من مبارز". الأمر الأكثر ميزة في الكرة الإسبانية والذي يؤكد أن تلك الطفرة لم تأت مصادفة وأنها ليست "فلتة" وسيعود الأحمر الغاضب أدراجه مرة أخرى، هو جودة الإنتاج بشكل ملفت تماما، فإذا نظرنا إلى معظم بطولات الأعمار السنية المختلفة فسنجد الإسبان إما منافسا عليها أو فائزا بها، والتي كان آخرها لقب الأمم الأوروبية المنتهي قبل أيام بتتويج إسباني جديد. أما على مستوى المنتخب الأول فالفريق يمتلك واحدا من أقل معدلات الأعمار في القارة العجوز، ليس هذا فحسب ولكنه يمتلك اثنين أو ثلاثة لاعبين في كل مركز من المراكز من أفضل لاعبي العالم في هذا المركز، ويكفي بأن نقول أن لاعبين مثل توريس وفيا وماتا ونافاس وسيلفا ومونريال وإيسكو وميتشو ودي خيا ورينا وفالديس ومارتينيز ومونيايين ونيجريدو وغيرهم الكثيرين ممن يحلم بهم أي منتخب في العالم لا يجدون لهم مركزا أساسيا في كتيبة دل بوسكي. فهذا المنتخب المتكامل وبرغم تحقيقه لكل شيء تقريبا طوال السنوات الماضية وما سيحققه في الأعوام التالية لا ينقصه سوى شيء واحد وهو الفوز الرسمي على البرازيل، وما أحلى أن يكون هذا الانتصار في أعظم ملاعب الأرض "ماراكانا" وبين ما يقارب ال200 ألف من عاشقي الأصفر اللاتيني، وينتهي بتتويج باللقب الوحيد الذي ينقص الخزائن الإسبانية، وقتها فإن إسبانيا ستزيد من تأكيد الجميع بأنها قوة لا يوجد من يقف أمامها في العالم في تلك الأيام. وبين طموحات البرازيل وإصرار الإسبان سيلعب اليوم نهائي كأس القارات, وسط احترام واضح من كلا الطرفين للآخر، ولكنه احترام مغلف أيضا بالثقة بقدرة كل منهما على عبور الآخر، ولكن في النهاية هناك 90 دقيقة قد تصل إلى 120 سيشهدها الماراكانا في ريو دي جانيرو سيكشف بعدها الكثير من الأمور التي لا يستطيع أحد الجزم بها الآن.