ذكر موقع "السودان اليوم" أنه طيلة الفترة التي شهدت الاجتماعات المارثونية لوزراء الري والمياه لدول حوض النيل، خلال السنوات الماضية؛ لمناقشة مسودة قانون اتفاق التعاون الإطاري لمبادرة دول حوض النيل وما أعقبها من تداعيات دراماتيكية متصاعدة برفض السودان ومصر التوقيع على الاتفاقية، التي باتت تعرف باسم "عنتيبي"، ومضت الدول الأعضاء قدماً للتوقيع عليها بمعزل عن البلدين، كان واضحاً أن الخرطوموالقاهرة تتحركان بتنسيق تام ومشترك بينهما في ما يتصل بإدارة هذا الملف. وأضاف الموقع أنه منذ بداية أزمة سد النهضة بإثيوبيا، فإن أطرافاً مصرية بدأت تحذر من إمكانية حدوث انتكاسة وتصدع في جدار التحالف المائي، الذي يربط بلادهم بجارهم الجنوبي، وما عزز تلك المواقف هو التعامل السوداني الرسمي والشعبي الهادئ مع قضية سد النهضة على عكس ما شهده الجار الشمالي من إطلاق للوعيد والتهديد وانتقادات تجاوزت دولة السد لتطال حتى حليفهم "المائي". وأوضح الموقع أن أبرز التطورات التي تُثير وتُعمِّق المخاوف المصرية، هي جزئية وردت في البيان الختامي للاجتماع الوزاري لوزراء الري والمياه بدول حوض النيل فى العاصمة الجنوبية السودانية "جوبا"، والذي رحب بتفكيك السودان؛ لتجميدها في المبادرة، ودعوة مصر للقيام بذات الخطوة، وهو ما يجعل حاسة القلق تتصاعد وسط النخبة المصرية، وطرحهم لأسئلة على شاكلة: "هل تتخلى عنا السودان وتتركنا مكشوفين ومعزولين في قضية المياه التي تعتبر أهم قضايانا؟". وتابع الموقع السوداني: "عملياً ما يجمع البلدين "السودان ومصر" فيما يتصل بموقفهما من اتفاق التعاون بين دول حوض النيل، والذي بات يعرف باتفاقية "عنتيبي"، يبدو مفصلياً لكلا الدولتين لرفضهما له؛ لعدم إقراره بالحقوق التاريخية المترتبة على الاتفاقيات الخاصة بمياه النيل، وتعتبر جزئية عدم الاعتراف بتلك الاتفاقيات، هي النقطة الجوهرية التي تنادي بها الدول الموقعة على "عنتيبي"؛ لأنها تعتبرها تمت خلال فترة الاستعمار، ولم تراعِ مصالحها واحتياجات شعوبها. أما الأمر الثاني الذي يتمسك به البلدان؛ فهو الإخطار المسبق بأي مشاريع تنشأ على حوض النهر، ودراسة تلك المشاريع والتأكد من عدم تضرر أي من الدول منها، وذات الأمر رُفض من دول المنبع الموقعة على اتفاقية "عنتيبي" باعتباره تدخلاً في حقوقها السيادية وحقها في الاستفادة من المياه. وذكر الموقع أن الصورة النمطية التاريخية أظهرت الخرطوم كأنها تابعة للقاهرة في ما يتصل بإدارة أزمة دول حوض النيل، لا سيما مع حالة التوتر في التعامل مع هذا الأمر، لكن الوقائع على الأرض، خاصة منذ تصاعد قضية بناء سد النهضة الإثيوبي، أشارت لغير ذلك، فالموقف الرسمي المصري والشعبي تجاه قضية سد الألفية، كاد أن يدفع بالمنطقة صوب صراع عنيف، خاصة بعد تعرض الرئيس المصري د.محمد مرسي لابتزاز سياسي شديد من قبل خصومه ومعارضيه، الذين مارس بعضهم أقصى درجات المزايدة، بشكل دفع "مرسي" للتصريح بأن خيارات بلاده تجاه سد النهضة "مفتوحة" وتفكيك العبارة الواردة بين القوسين لا يعني سوى اللجوء للخيار العسكري لمنع إنشاء السد. أما على الضفة الأخرى؛ فإن الإثيوبيين تلقوا تلك الانتقادات وامتصُّوها وشرعوا في شن حملة مضادة بتمسكهم بإنشاء السد وعدم تراجعهم عنه واستعدادهم للدفاع عنه، وردِّ "الصاع صاعين" لمصر إذا تعرضت للسد، وأيضاً لم يكن تفسير ما بين القوسين هنا أيضاً إلا التلميح ضمناً بقولهم: "جيد حاولوا وهاجموا سد الألفية وانتظروا بعدها لتشاهدوا ماذا سيحدث للسد العالي". وأشار الموقع أنه بالنسبة للسودان، الذي كان يحتاج أي من الطرفين لموقفه المنحاز لترجيح كفته وتأمين جبهته قبل خوضه للحرب المحتملة، سلك مساراً مختلفاً بإعلانه تفهمه للدوافع الإثيوبية لتشييد السد، مع إبدائه لعدد من التحفظات التي تتصل بالحقوق التاريخية له ولمصر، والتداعيات والتأثيرات المترتبة على إنشاء السد، وهو موقف وسطي حتَّم على القاهرة وأديس أبابا التراجع عن الخطاب المتشدد والتفكير في حل دبلوماسي وفني لهذه القضية، وهو ما تمَّ التوصل إليه بعد زيارة وزير الخارجية المصري، محمد كمال عمرو لأديس أبابا الأسبوع الماضي، واتفاق الجانبين على بحث مسألة السد سياسياً على مستوى وزراء الخارجية للدول الثلاث "السودان ومصر وإثيوبيا"، وفنياً بين وزراء المياه والري للدول الثلاث، وهو جوهر الموقف السوداني تجاه التعامل مع قضية سد النهضة. وأضاف الموقع أن ارتباط الخرطوم بمصالح إستراتيجية بين القاهرة وأديس أبابا جعلها تتبنى هذا الموقف الوسطي، المتناسق مع إستراتجيتها للتعامل مع ملف دول حوض النيل، الذي تم التنسيق فيه مع القاهرة، وفي ذات الوقت من المهم ملاحظة أن الهدف الأساسي لإثيوبيا بما في ذلك مشاريعها المائية، هو تحقيق تنمية اقتصادية، ولم يكن تحقيق هذا الأمر في ظل عدم استقرار سياسي وحدوث اضطرابات أمنية ذات طابع محلي أو إقليمي وهو ما جعلها تبحث عن أرضية اتفاق مع الخرطوموالقاهرة لمعالجة أي تخوفات لهما من مشاريعها المائية. واختتم الموقع أن خلاصة تلك المعطيات تشير لعدم حدوث أي تحولات في التحالف "المائي" السوداني المصري، وبالتالي فإن اتفاقهما تجاه كيفية التعاطي مع 85% من مصادر النيل حتى اللحظة توضح أن التوجه العام وبعد معالجة تداعيات التراشقات الأخيرة بين القاهرة وأديس أبابا، يوضح أن الأشياء تمضي كما كان مرسوم لها حتى الآن.