أخذنا الهم من الهم.. وأنستنا الفاجعة المصيبة، فإذ ونحن مشغولون بقضية مياه النيل، وكارثة الحوار الفضائي الفضائحي، ننسى أن الإرهاب مايزال يسرح في سيناء. إنه عصر النهضة الإخوانية، وخيبة الأمل الثقيلة، ويا قلبي احزن وانزف دمًا على حال مصر. عاد الجنود، لكن الدمل يمتلئ قيحًا وصديدًا تحت لحم سيناء.. والمرض لم يُشفَ. نار سيناء تحت الرماد، لكن أولي المآرب، "يكفون على الخبر ماجور"، فإذا كتاب الصحف الرسمية، وصحف المتأسلمين، ومعهم الذين «ليسوا إخوانًا لكنهم يحترمون الإخوان»، يتجاهلون أن اختطاف جنودنا في سيناء، يؤكد أن العشيرة تحكم مصر، كأعمى يقود هيلوكوبتر، وسط سلاسل جبلية. دهاقنة مكتب الإرشاد، انبروا للدفاع عن سياسات الفشل الممتاز، فملأوا أشداقهم كلامًا كله هرطقة، وأخذوا «يتغرغرون» بمفردات عن التركة الملعونة، التي تسلمها العيّاط. هذا ليس مستغربًا، فهم يدافعون عن رئيس ذي مقربة، ينصروه "أخاهم ظالمًا أو مظلومًا، يبررون ما استطاعوا إلى التبرير سبيلاً، فمرسي «عزيز عيونهم»، ورجل المرحلة، و«شجيع السيما أبو شنب بريما»! الأمر ليس مفاجئًا، فللنفوس أهواء، وإذا تولى الهوى نفسًا، يصمها بالخطل، أو الصمم، كما يقول البوصيري، في قصيدته الأشهر، البردة. التبرير مفهوم وغير مقبول، لكن ما ليس مقبولاً وليس مفهومًا وليس مستساغًا، أن يخرج علينا من يعتبر هؤلاء أن تحرير الجنود، دون القبض على خاطفيهم، إنجازًا للرئيس، وضربة تقصم ظهر المعارضة، التي أرادت جنازة تشبع فيها لطمًا، فهذا تدليس. أباطيل لزجة، يعمد إليها الذين يلبسون الحق بالباطل، وهم يعلمون. كل الذين يرقصون في الزفة، ويقرعون الطبول، ويتحدثون عن حكمة الرئيس، الذي حقن الدماء، يتجاهلون أن عدم القبض على المجرمين، لا يستأصل السرطان، ولا يطهر الجروح، ويتعامون عن أن بكتيريا الإرهاب تتناسل، في سيناء، برعاية وربما بتواطؤ جماعة الرئيس. إن الارتباط بين جماعة الإخوان، وبين جماعات العنف، كارتباط الجنين بالحبل السُّري، وليس خافيًا، أن هذه الجماعات تمثل بالنسبة للإخوان «مخلب قط» يهددون به وقتما يحتاجون، وهناك تقارير ترجح أن عناصر من السلفية الجهادية، يدربون شبابًا من الإخوان، تدريبات قتالية، في سيناء، التي يراد لها أن تتحول في عصر النهضة، إلى «تورا بورا» مصرية. معلومات ليست تفتقر إلى المنطق، فالجماعة التي خرجت بعد عقود طويلة، من الاختباء تحت الأرض كفئران المجاري، لا تأمن جانب الجيش، وتدرك أنه العقبة الوحيدة أمام شهواتها، لالتهام الوطن، كل الوطن، وأنه سينحاز بالضرورة إلى الإرادة الشعبية، إن جد الجد، ولهم في مشهد عصيان بورسعيد، عبرة وعظة. الحل هو الميليشيات.. هكذا تقرر وثيقة فتح مصر، أو قضية تنظيم الأزهر، التي سُجن المهندس خيرت الشاطر بعد فضحها. إنه كرسي الحكم يا عزيزي.. فلا تحسبن الجماعة بعد أن بلغت منتهى الإرب، ستتخلى عنه، ولا تتوهمن بأن الكلام عن ضرورة الانتظار، حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة، له سند من العقل، فالعمل على قدم وساق، لكسر استقلالية القضاء، والسيطرة على المجالس المحلية، واستئناس الشرطة، بحيث تقول الصناديق نعم، إن لم يكن برشاوي الزيت والسكر، فبالتزوير.. هذا ناهيك عن المتاجرة بالدين. الرئيس جهر بأنه يخشى على حياة الخاطفين.. هذه ليست نكتة، وليست زلة لسان عارضة، لكنها حقيقة دامغة، فهؤلاء سنده وعدته وعتاده و«عزوته»، يوم يكشر الجيش عن أنيابه، في وجه جماعته. هكذا يُفهم سر سلوك مرسي الغريب، إذ تعمد أن يغل يدي الجيش، وأن يسعى لكسب الوقت، فراوغ وتطنع وتلّكأ، في استصدار قرار بدء العمليات، عبر استدعاء المعارضة لجلسة حوار، عبثية ومخاطية، ثم عبر استفتاء الأزهر، فيما ينبغي عمله «شرعيًا» إزاء مفسدين في الأرض! لكن.. ألم يكن الرئيس يبتغي أن يحرر الجنود؟ الأرجح أن الإرهابيين من عشيرة الرئيس في سيناء، قد تسرعوا، فورطوه فيما لم يكن مستعدًا له، وأغلب الظن أن الرئيس أراد إنهاء الأزمة بأسرع وقت، لتخفيف الاحتقان الشعبي، وكذلك لمنع دخول الجيش حلبة سيناء، على الأقل في الوقت الراهن. دخول الجيش معناه أن بوابات الجحيم ستشرع على مصاريعها.. صحيح أن في الأمر مخاطر، وقد يتكبد الجيش خسائر، لكن الراجح أيضًا، أن العملية لن تنتهي إلا باجتثاث الإرهاب من الجذور، وعندئذ سيخسر مرسي وجماعته «الفتوة» الذي قد يتمترسون خلفه، ذات يوم، أو بالأحرى ذات ثورة.. تبدو وشيكة. مرسي في المصيدة، خيبته ثقيلة، يداه مرتعشتان، لا يعرف ماذا يفعل؟ يمشي فوق حقل ألغام، قد ينفجر فجأة، والأرجح أن لصبر الجيش حدودا، وأن الواقعة ستقع، إن لم يكن اليوم ففي غد قريب.. وعندئذ ستكون النار شاملة، وستلفح ألسنتها وجه مرسي وجماعته، بدرجة أو بأخرى. [email protected]