بعد قرار نقل المدابغ من "مصر القديمة"...أصحاب المدابغ: لا نرفض التطوير.. ولكن توفير الخدمات أولا عمال وعربجية: اليومية 50 جنيه وبتعيشنا بالعافية.. ومش هنسيب مكانا لحساب "البهوات" إلا على جثثنا قصاصات من الجلود ..آثاردماء على الأرض خلفتها السيارات التي تورد الجلود لمنطقة المدابغ القابعة بحي مصر القديمة منذ أكثر من خمسين عاما ..وجوه سمراء لعمال يتحركون كخلية من النحل تحت شمس حارقة يحملون الجلود فوق أكتافهم لا يتأففون من رائحتها القذرة، تلونن أيديهم بألون أصباغها...عشرات من عربات "الكارو"تتجول بين المدابغ لإحضار "الطلبيات"..مدابغ عريقة تضم بين جوانبها براميل شاهقة تعالج بها الجلود المختلفة مصنوعة من الأخشاب ذات الفتحات الشاهقة لتبدو للناظر كتحفة أثرية تجذب ناظرها لالتقاط صورا بجوارها. وفى كل هذه الأجواء التي تبدو صعبة لأي غريب يتجول بالمدبغة، يعيش العمال وسط حالة من الرضا الاضطراري، ولا يعترضون سوى على نقلهم من المنطقة التي قضوا كل حياتهم بها إلى منطقة الروبيكي، ليتجدد نضالهم الذي بدأوه عام 2004 حينما حاولت الحكومة نقلهم إلى مدينة بدر. خسائر لأصحاب المدابغ وسوء تخطيط يقول احمد صبحي - صاحب مدبغة: أعمل في الدباغة بالوراثة عن أبي وجدي الكبير، لأنها بالنسبة لي ليست مجرد مهنة أحصل منها على المال ، بقدر ماهي جزء من تاريخي وتاريخ هذا البلد، ولكن الحكومة تفكر فقط في البعد الاقتصادي والمكاسب المادية دون الاهتمام بالبعد الاجتماعي ورغبات العمال وأصحاب المدابغ البسيطة. وأضاف أن النقل بالنسبة له بمثابة نفى وليس تطوير أو خدمة للعمال، لأنه يقضى على المهنة والصناعة ، مشيرا إلى أن منطقة الروبيكي عبارة عن صحراء جرداء وضعت عليها هناجر فارغة، موضحا أن فك آلات وبراميل المدابغ يعنى هلاكها وتلفها وبالتالي خرابا اقتصاديا سيحل على أصحاب المدابغ والعمال، بقيمة 200 ألف جنيه على الأقل لكل ورشة، لافتا إلى أن تكلفة البرميل الواحد 60 أألف جنيه. وتابع إذا كانت الحجة التي تروج لها الحكومة أن منطقة المدابغ تساهم في التلوث البيئي، فلماذا لا تنشأ محطة فصل لمعالجة الصرف الصحى ب"الروبيكي" التي ترغب في نقل الورش إليها، ومن ثم فالهدف من النقل غير واضح ، ويؤكد أن الحكومة تريد الاستفادة من أكثر من 15 فدان تقع عليها المدابغ لمنحها لرجال الأعمال، نظرا لتميز موقعها وارتفاع ثمن أرضها. خالد أنور – صاحب مدبغة يقول: ليس من المنطقي أن تقرر الحكومة في يوم وتريد التنفيذ على الفور وتنقل معها أكثر من ثلاثة آلاف مدبغة دون أي دراسة أو تخطيط ، فالهناجر التي أقامتها الحكومة ب"الروبيكي" لا تصلح مع صناعة الجلود والمدابغ لأن ارتفاع درجة حرارتها في الصيف يفسد الجلود ما يتسبب في خسارة لأصحاب المدابغ ، بالإضافة إلى غياب كافة الخدمات بهذه المنطقة البعيدة ،فأبسط الأمثلة أنه لا يوجد بها مركز طبي، مع العلم أن هذه المهنة مخاطرها الصحية عديدة وغالبا ما يصاب عمالها بجروح أثناء العمل لاتحتمل التأخير في معالجتها ،على عكس المنطقة التي نقيم فيها الآن والقريبة من مستشفى قصر العيني. وطالب الدولة بالاستفادة من تجارب دول أخرى مثل فتركيا وايطاليا الموجود مدابغ على أرضيهما ونقلتها من أماكنها القديمة ولكن بأسلوب علمي مدروس، رافضا فكرة تعويض أصحاب المدابغ ماديا، مؤكدا أن ذلك نوع من الخيال الذي لم يسبق وأن نفذته الحكومة، ، مستنكرا حصول كل صاحب مدبغة على قرض بقيمة نصف مليون جنيه لان كيف يحصل صاحب مدبغة صغيرة عل قرض بنصف مليون جنيه لشراء معدات حديثة، كون المبلغ غير كاف بالإضافة إلى عدم وجود ضمان يشجع البنك على منح القرض من الأساس. الغرفة التجارية " ابحث عن المستفيد" الشيخ مصطفى على – مالك احد المصانع الصغيرة يقول: النقل العشوائي الذي تريده الدولة يشرد أكثر من 30 ألف عامل بأسرهم، على أساس أن بالمنطقة 3 آلاف مدبغة، يعمل في كل واحدة منها 10 عمال في المتوسط، فكيف يذهبون إلى هذه المنطقة البعيدة التي تبعد أكثر من 30 كيلو متر عن القاهرة على الطريق المؤدي إلى السويس، ما يجعل تكلفة انتقالهم إليها مكلفا، حيث لا يتقاضى العامل سوى على 50 جنيه يوميا. وحمل مسئولية ما وصفه العصف بأصحاب المدابغ على أعضاء الغرفة التجارية الذين يمتلكون المدابغ الكبيرة، ولا يتجاوز عددهم 10 أفراد، مشيرا إلى أنهم يرغبون في تدمير أصحاب الورش الصغيرة لاحتكار المهنة لحسابهم، مستغلين قربهم من حاتم صالح، وزير الصناعة الذي يستمع إليهم ، مشيرا إلى أنهم يملكون الأموال التي تمكنهم من شراء آلات جديدة ومتقدمة تجعلهم قادرين على احتكار السوق المصري والتصدير للخارج. وقال مصطفى إنه لا يرفضالنقل والتطوير كما يتم الترويج عن أصحاب المدابغ ولكن النقل لابد أن يتم وفق خطة مدروسة واضحة بمقتضاها يتم بناء مدينة متكاملة الخدمات والمرافق وتوفير وسائل مواصلات لنقل العمال وبناء إلى إعداد وسائل معيشة من مساكن ومطاعم ومتاجر ومستشفيات ومدارس ونقاط أمن شرطية. تشريد آلاف العمال والعربجية أثناء تجول "البديل" في المنطقة آلمنا وجود أكثر من 4آلاف عربة "كارو" و"عربجى"، اعتادو أن ينقلوا الجلود و مواد الصناعة واسطوانات البوتاجاز بين المدابغ ، من المؤكد أن "الروبيكي" لن تكون هي المكان الذي يستطيعون العمل بها...التقينا ب"عم عرفة" الذي قال: "الحكومة ما فكرتش فينا لما حبت تنقل المدابغ ولا فكرت في الشيالين والأرزقية، تقدري تقوليلي حضرتك " مخاطبا البديل" أنا شغلتي أن والآلاف د يهتكون إيه بعد المدابغ تمشي من هنا، واحنا من صغرنا ما اشتغلناش شغلانة تانية غير دي ولا نعرف نشتغل غيرها، دلوقتي عندي 4 عيال وأمهم هصرف عليهم منين" أثناء حديثنا مع "عم عبده" شاهدنا أشرف شحاتة – عامل تشطيب فأقبل علينا غاضبا موقنا أننا سنوصل صوته للمسئولين وقال: "باخد 50 جنيه يومية وباصرف منها على ولادي ومراتي بالعافية وساكن جنب المدابغ هنا في دار السلام عايزاني لما أروح الروبيكي أضيع اللي باخده على المواصلات، وبعدين اصحاب المدابغ لو راحوا هناك مش هيرفعوا يوميتنا لإنها كدا تيجي عليهم بخسارة، يعني في الحالة دي هما يقفلوا على شان مش هيلاقوا حد يشتغل واحنا نروح ندور على شغلانة تانية بره الصانعة اللي شربناها من صغرنا واتربينا عليها". وبغضب شديد صرخ زميله حسن فتحي: لو الحكومة عايزة تنقل المدابغ لحساب "البهوات" هيكون على جثثنا، كفاية اننا بنشتغل فى ظروف صعبة وبناخد يومية ضعيفة ما تعيش بني آدم، وفى الآخر الحكومة عايزة تقطع عيشنا وتخرب بيوتنا ،عشان خاطر البهوات الكبار بتوع الغرفة التجارية اللي عايزين يستولوا على السوق ويفضوا بقه للتصدير براحتهم".