تبدو عائلة "آل سعود" المسيطرة على أغلب أراضي شبه الجزيرة العربية وتطلق عليها اسمها، مستقرة وسط الاضطرابات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، ولكن التوترات الداخلية والاحتجاجات لا تزال تنضج تحت السطح، حيث يتحرك الشباب من أجل التغيير نتيجة لعدم الاستقرار الاقتصادي، ولذلك فلابد أن تتأثر السعودية بالعواصف التي حولها. وفي دراسة أجراها "فريدريك ويهيري" من معهد "كارنيجي" للسلام، ناقش فيها الديناميكيات المتغيرة لهذا البلد، وارتفاع التوترات الطائفية، بعد زيارة قام بها في وقت سابق من هذا العام، يقول إن استخدام العائلة المالكة للإستراتجيات القمعية في تشبثها بالسلطة لن يكون كافيا للحد من مطالب الشعب السعودي بالتغيير. وأضاف أن التغيير سيأتى من جهة الشباب الذين ينظمون التظاهرات وينسقون فيما بينهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، ويتضح ذلك بشكل خاص في المنطقة الشرقية، حيث يحتج الشباب مع الناشطين والمثقفين الأكبر سنا الذين قادوا العديد من التظاهرات أثناء فترة التسعينيات، لافتا إلى أن ثلث الشعب السعودي تحت سن الثلاثين، 80% منهم عاطلون عن العمل، والمسجلين لدى وزارة العمل تتراوح أعمارهم بين عشرين وأربعة وثلاثون، وبينما يزداد الوعي السياسي وترتفع التوقعات المادية لدى الشباب، تقل قدرة الدولة على تلبية احتياجات سكانها. وحول نظام التعليم، يقول "فريدريك" إن دينامكية التعليم أثرت بشكل كبير على السعوديين، خاصة بعد زيادة فرص التعليم العالي والدراسة في الخارج، فخلال التسعينيات وبداية الألفية الثانية تم إرسال دفعات كبيرة من الشباب الى الخارج في منح دراسية، وعادوا إلى بلادهم يحملون الأفكار الجديدة، ولكن الدولة لم تتمكن من استيعابهم، فالدرجات العلمية التي تمنحها الدولة لا تسمح لهم بالمنافسة في القطاع الخاص أو الاقتصاد العالمي. ويتسائل: متى ستدرك السعودية أن الشباب يشكلون تحديا كبيرا للنظام، يقول النشطاء الشباب أن ذلك قد يستغرق من خمس الى عشر سنوات، حتى تصل تحركاتهم لمرحلة النضوج. من غير الواضح ما هي التغييرات التي تريدها الحركات الشبابية، حيث كان من المفاجئ هذا العام أن 77% من السعوديين الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر وأربعة وعشرين، يعتقدون أن المملكة العربية السعودية في الاتجاه الصحيح، مقارنة ب56% في عام 2012. ويرى الكاتب أن النظام السعودي يستخدم إيران كبطاقة لعب ذكية في صالحه، فيدعي أن التظاهرات التي تؤجج المنطقة الشرقية مدعومة من طهران، وهي علامة على التدخل الأجنبي، ولكن هذه ليست الحقيقة، لأن الشباب المحتج يحمل نفس القواسم المشتركة مع الشباب الذي قام بالثورات في مصر وتونس، فقد تجاوزوا الأيديولوجية الدينية للبحث عن الخبز والعدالة الاجتماعية. وأرجع "فريدريك" التوترات الطائفية إلى سياسات النظام والأحداث الإقليمية، مشيرا إلى أن الصورة الإقليمية تختلط داخل المملكة العربية السعودية، ويعمل النظام على الحد من الهجمات الطائفية من خلال وسائل الإعلام الرسمية، ونادرا ما يذكر لفظ" الطائفية" من قبل رجال الدين، وقد سهل الإنترنت التواصل بين الإصلاحيين الشيعة والسنة، ولكن في نفس الوقت ارتفعت نسبة الطائفية نتيجة للحرب الأهلية القائمة في سوريا، والأحداث في العراق، والأهم من ذلك التميز الهيكلي الذي يتم بناؤه داخل الدولة السعودية. يدين النظام السعودي نفسه من خلال علاقته التكافلية مع المذهب الوهابي، ويشعر الشيعة بأنهم مهمشين، حيث يشكون استبعادهم من الوزارات والمناصب الرئيسية وبعض المؤسسات الدينية للدولة، وينادون بأن تكون السعودية دولة لجميع الناس، وليست دولة تعتمد على المصطلحات الدينية الضيقة. هناك العديد من القضايا المشتركة بين سكان المملكة، من الليبراليين إلى الشيعة الذين يسجنون لمجرد اعتراضهم على القرارات التي يصدرها الملك "عبد الله"، وتعد هذه القضية مصدر قلق للنظام كونها تعمل على توحيد الصفوف بين الإصلاحيين الشيعة والسنة في أنحاء البلاد، فأهل السنة يدركون أن لديهم أهداف إصلاحية متعلقة بالسياسة مماثلة للشيعة. ومنذ بداية الربيع العربي عملت الحكومة السعودية على استرضاء شعبها عن طريق الإعانات المالية، ولكن المملكة لا تضع في الحسبان أن اقتصادها لن يظل مزدهرا في المستقبل، فهناك زيادات في مصروفات القطاع العام على مدى العاميين الماضيين، والقطاع الخاص راكد، 6.5% من السعوديين يعملون في القطاع الخاص، وتسود العمالة الأجنبية البلاد، رغم الجهود الأخيرة الي تبذلها الحكومة لترحيلها. وأوضح"فريدريك" أن المملكة تستهلك ربع نفطها ويمكن أن تصبح دولة مستوردة له بحلول عام 2030، ولكن الحكومة تعتمد على ارتفاع أسعار النفط لتمويل ميزانيتها. تحدثت الحكومة السعودية عن تنويع لمصادر الطاقة، فهي تعمل على إنتاج الطاقة النووية مع خطة طموحة للحصول على اثنى عشر مفاعل بحلول عام 2030، ولكن بكل المقاييس لا تمتلك السعودية التكنولوجيا الكافية لإنجاز مثل هذه المشاريع. وحول وضع حقوق الإنسان في المملكة يقول الكاتب إنه لا يزال حرج، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بدى الوضع أكثر شفافية، وخاصة للسجناء السياسيين، مشيرا إلى أن السعوديين وبشكل متزايد ينتقدون سلوك حكومتهم وانتهاكاتها، و يتساءلون ما إذا كانت المؤسسة الدينية يجب أن تحكم قبضتها على السلطة القضائية والعملية القانونية في البلاد، وذلك للعديد من الحوادث البارزة التي تثير الجدل، فالحكم القاسي الذي صدر بحق اثنين من النشطاء السياسيين في مارس الماضي، جعل الداعية الديني "سلمان العودة" يقود دعوات للإصلاح موجهة بشكل مباشر للعائلة المالكة. تضامن الشيخ "العودة" مع النشطاء السياسيين يثير قلق النظام السعودي، لأن سياسته تعمل على توحيد المعارضة المنقسمة. هناك بعض التفاؤل الحذر فيما خص حقوق المرأة ، فقد تم تعيين النساء في مجلس الشورى للمرة الأولى، ولكنها خطوة رمزية، وقام بها الملك "عبد الله" لمواجهة المعارضة المحافظة. تعاني النساء من ارتفاع معدلات البطالة، ولا يمتلكن حق قيادة السيارات، جنبا الى جنب سلسلة التداعيات الاقتصادية الشديدة. وتساءل الكاتب حول إمكانية سقوط النظام السعودي، وأجاب بأن النظام سيسقط ولكن ليس الآن، طالما يستخدم "آل سعود" أساليبهم القمعية، والسؤال الى متى سيدوم ذلك النظام، فالوقت لشراء المعارضة بدأ ينفذ. يستغل النظام بمهارة ما يجري في المنطقة لترسيخ سيطرته، وقد استخدم حرب العراق وتداعياتها كطريق للتحرك نحو الديمقراطية، كما يفعل الآن في سوريا، وعلى حسب قول ناشط سعودي فإن الحرب السورية عملت على صحوة النظام ومضيه في طريق الإصلاح خشية الفوضى الداخلية. تنظر المملكة العربية السعودية الى الانتفاضات العربية من خلال عدسة علاقتها مع الولاياتالمتحدة، فالنظام يراقب تفاعلات وسياسات واشنطن بعناية فائقة. وتعمل السعودية على منع وصول الربيع العربي لشبه الجزيرة العربية وخاصة في البحرين، ولكنها تنظر للحرب السورية على أنها فرصة لإعادة حسابات موازين القوى، وتنظر إليها على أنها لعبة محصلتها صفر، ولكنها تخشى من تزايد النفوذ الإيراني من خلال دعم الرئيس السوري"بشار الأسد"، بالإضافة الى مشاركة قطر في الحرب من خلال دعم المعارضة. وبعيدا عن سوريا، فإن النظام السعودي قلق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهو أكثر قلقا حول إمكانية التقارب مع الولاياتالمتحدة، في حين أن هذا احتمال بعيد في أفضل الأحوال، فإن السعودية لا تريد أن تحل طهران محلها كشريك لواشنطن في منطقة الخليج. هناك خطر أكبر يهدد السعودية، وهو جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فالسعودية ومصر حليفين على مدار التاريخ، ولكن الحكومة المصرية التي يسيطر عليه الإخوان تعرض نظام بديل يختلف جذريا عن النموذج السعودي. وتعتقد السعودية لفترة طويلة أن المذهب الشيعي يشكل خاطرا بالغا على أمنها، ولكنها الآن يبدو أن التهديد الرئيسي يأتي من قبل جماعة الإخوان في مصر.