أزمة العشوائيات ليست حديثة العهد في مصر، بل لها جذور ضاربة في عمق هذا البلد، والواقع يقول إن غياب الحلول العملية للمشكلة يؤدي إلى تفاقمها واستمراها، وهو ما حدث في الدراسة التي توصلت لتلك النسبة الخطيرة من أن عدد ساكني الغرفة الواحدة 16 مليون مصري، وهذا يطرح العديد من التساؤلات: ما هي السياسات الإسكانية التي تنتهجها الدولة فى معالجة أزمة العشوائيات؟ وما هي التشريعات التي تنظم ذلك، وما هي الحلول التي تراها تلك المنظمات العاملة في مجال الإسكان وتنمية العشوائيات للخروج من الازمة؟ وما هو دور الدولة في الفترة فى المقبلة؟ يقول محمد عبد العال المستشار القانوني للمركز المصري للحق في السكن: إنه على الرغم من أن ذلك الرقم الذي انتجته الدراسة يكون ضئيلًا بالنسبة للواقع الحالي، إلَّا أنه لم يحدث أي تغيير في النظام الحالي بالنسبة للسياسيات الإسكانية والتشريعية التي أخطأ فيه النظام السابق، بل يسير على نفس الطريق واذداد الأمر سوءًا. وتابع عبد العال: إن مصر تعاني من فوضى تشريعية في السياسات الإسكانية؛ تسببت في الوصول إلى الرقم من وجود 16 مليون مصري يعيشون فى غرفة واحدة، وهذه الفوضى بدأت منذ عام 1996 بقانون الإيجار الجديد الذي وضعه المهندس صلاح حسب الله وزير الإسكان آنذاك، وكان يمثل تعبيرًا واضحًا تشريعيًّا عن رؤية الدولة في تخليها عن الفئات الفقيرة والضعيفة والمهمشة ومحدودي الدخل، واتجاهها نحو الانحياز للسياسات السكانية التي تعتمد على منطق المزايدة والاستثمار، مشيرًا إلى أننا تابعنا كم كانت تطرح الأراضي بمساحات كبيرة عن طريق المزايدات التى ادت الى المغالاة في أسعار الاراضي ثم أسعار العقارات والوحدات السكانية فيما بعد . وأضاف عبد العال أن من اشكال هذه الفوضى المستمرة حتى الان هى أن 70% من سوق العقارات في مصر ينحصر في اسلوب التمليك ، والذي يفوق طاقة محدودى الدخل والطبقات الفقيرة ، وأدت هذه السياسات التي تعبر عن انحياز واضح ضد الطبقة الفقيرة ومع وجود الاحتياج البشرى لهذه الفئات في أن تحصل على مأوى وسكن ملائم لجأت الى الاجراءات الموزاية لتلبية احتياجاتهم، مما ادى الى زيادة انماط السكن العشوائي والشعبي والهامشي لنصل إلى أن يعيش السبعة أفراد في غرفة واحدة، وأصبح النوع من الإسكان منتشر على مستوى محافظات الجمهورية. وأشار إلى أن الإسكان الهامشي الشعبي يتسم بأنه غير مخطط، وبلا مرافق، وأنه خارج عن أي سياسات وتنظيم، ويعتمد على القدرات الذاتية الضعيفة للمقيمون به، وهذا النمط الإسكاني غير المخطط يضم أيضًا ساكني القبور والعشش. واستطرد عبد العال انه عندما كانت الدولة تتبنى خطط حكومية من أجل تنمية المناطق العشوائية سواء فى النظام السابق اوتلك التى يسير على خطاها النظام الحالى ، لم يكن القصد منها وضع خطط تنموية للفئات المحدودة ، وكان المحرك الرئيسي خلفه فكرة الاستثمار والانحياز الى رجال الاعمال والدليل على ذلك أن معظم الخطط قصيرة أو طويلة المدى التى كانت تستهدف تنمية العشوائيات، كان الهدف الحقيقى من خلفها السيطرة على المناطق العشوائية ذات التميزالاقتصادى والاسكاني مثل مثلث ماسبيرو ومطار امبابة وجزيرة القرصاية وغيرها من الاماكن . وأضاف أنه بعد الثورة والتي كانت أولى أهدافها تحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل، كان يجب أن يحدث تغيير جذري في السياسات الإسكانية، ولم يلاحظ حتى الآن أن هناك ثمة تغيير، حيث ما زالت السياسات لوزارة الاسكان باعتبارها الجهة الرئيسة بالدولة تنتهج نفس سياسات مبارك، وبالتالي سيؤدي ذلك الى مزيد من الانماط الإسكانية غير المخططة ومن أهمها السكن في غرفة واحدة الذى ستتضاعف أعداده في الفترة القادمة، وسكان العشش والمقابر. وحذر من خطورة الاستمرار فى هذا العبث من الانحياز الفاجر للسياسات الإسكانية التي تتجاهل محدودي الدخل والفئات المهمشة والفقيرة؛ لأنه سيسفر عن ثورة الفوضى أو الفوضى الشاملة ولن ينتظر الفقراء البائسون وقتها أن يناشدوا ويتسولوا للحصول على حقوقهم بل سينتزعونها بيدهم، حدث بالفعل بعد الثورة ،عندما اقتحم سكان العشوائيات المساكن المملوكة لدولة على مستوى محافظات مصر من القاهرة لأسوان، فلم يكن مجرد سلوك فردي يمكن الصاق تهمة البلطجة بأصحابه بل ما حدث يعبر عن مطلب واحتياج حقيقي للمواطنين في رغبتهم في الاستقرار والحصول على وحدة سكنية. وأضاف أن المركز رفع دعوى لتقنين اوضاع هؤلاء المهمشين المقهورين الذين احتلوا هذه الشقق، وتسوية أوضاع المستحق ،واتخاذ الاجراءات القانونية مع البلطجية خاصة أن هذه المساكن خاوية رغم أن لها مستحقين من ساكنى العشوائيات ، ولكن وجود الرشوة والمحسوبية فى ايدي حفنة من الموظفين والمستفيدين منعوا وصول هذه الوحدات السكنية الى مستحقيها . وأكد أن أزمة المواطن الذي يعيش بالعشوائيات سواء كان يعيش في حجرة فوق سطح مع سبعة آخرين أو يعيش في عشة بالمقابر أو أماكن تتسم بالخطورة الشديدة ومهدد أن يقع عليها صخرة جديدة كالدويقة لن تحل إلَّا إذا كانت هناك إرادة سياسية لديها رؤية واضحة المعالم تضع مطلب العدالة الاجتماعية الذي أصبح مطلبًا وطنيًّا على أولوية أجندتها. من ناحيتها تقول منى حلمي عضو اللجنة الإعلامية لحملة "أحياء بالاسم فقط": إن أزمة العشوائيات في مصر بشكل عام وخصوصًا وجود هذا النوع من الإسكان الهامشي الذى يقطن فيه أكثر من ستة أفراد في غرفة واحدة يعود إلى انحياز الدولة في سياساتها الإسكانية بشكل واضح إلى الرأسمالية ورجال الأعمال ولا تبالي بالفقراء ومحدودي الدخل فليموتوا دون ضجيج فلم نرى أي تعديلات قانون تدعم حقوقهم في الحصول على وحدة سكنية بأسعار مناسبة، بل آخرها قانون الإيجار الجديد، الذي يعد أحد أسباب حدوث هذه الظاهرة ، فبعد أن يتزوج الفرد وتزداد أعباء الحياة عليه لا يستطيع دفع نفقات الإيجار الذي يتحكم فيه المالك ويجدد قيمته بعد فترة معينة، مما يضطر المواطن للعودة والعيش مع أسرته ويتكدس الجميع في غرفة أو غرفتين على أقل تقدير. وترى حلمي أن الرقم الذي أعلنت عنه الدراسة لا يقترب للواقع، مؤكدة أن الفساد المستشرى في مفاصل الدولة ومنها المحافظة والمحليات ساهم بشكل كبير فى تفاقم أزمة العشوائيات، حيث لا يصل الدعم ولا الوحدات السكنية لمستحقيها من ساكني العشوائيات، حيث تضيع حقوق البسطاء في دهاليز البيروقراطية الحكومية، وبين أصحاب المصالح والنفوذ في المؤسسات. كما استنكرت حلمي غياب دور صندوق تطويرالعشوائيات الذي تم إنشاؤه منذ 2008 وإنه لم يكن له ثمار على أرض الواقع، ولم ينتج عنه سوى مشروعات محدودة جدًّا، مضيفة أنه من خلال عملنا في عدة مناطق عشوائية نرى تعنت الدولة في تحقيق حقوق المهمشين ودعمها حتى لو كانت طلباتهم لا تتطلب ميزانية مجرد إمضاءات على طلبات، مؤكدة أن الفقراء ليس لهم حساب في البلاد، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن الرقم الذي أعلنت عنه الدراسة بوجود 20% من الاسر المصرية تعيش فى غرفة واحدة لا يمثل الواقع المصري بدقة، حيث إن المشكلة أكثر خطورة من ذلك؛ إلَّا أنها تمثل قنابل موقوتة في وجه المجتمع المصري وسوف يجني الجميع ثمار سنيين التهميش والإقصاء خاصة أنه يوجد بجوار كل منطقة راقية فخمة في أوضاع سكانها فهي محاطة بإحدى المناطق العشوائية التي يعيش أهلها أسوء الظروف النفسية والاجتماعية ومن ثم سيكون رد فعلهم عنيف على المجتمع بأكمله إذا لم تنتبه الدولة لحل مشكلاتهم. ترى حلمى أن الدولة تمتلك آلاف من الوحدات السكنية غير المستغلة سواء تابعة للمحافظة أو الأحياء، فيتم إعادة تملكيها لقاطني العشوائيات وخاصة الذين يعيشون في مثل هذه الظروف المتردية والأكثر احتياجًا، بالإضافة إلىى تعديل قانون الإيجارات الجديد الذي لا يضع أي سقف لزيادة القيمة الإيجارية، ومن ثم يضطر المستأجر لترك الشقة نظرًا لسوء أوضاع الاقتصادية. أما المهندس خليل شعث، مستشار محافظ القاهرة والمدير التنفيذي لوحدة تطوير العشوائيات بالقاهرة يرى أن الدولة تتبع استراتيجيات محددة للتعامل مع المناطق العشوائية تتضمن أربعة محاور، بناء على المعلومات الدقيقة والمحددة التي تم التوصل لها والتى تضم أرقامًا واقعية عن حال العشوائيات في مصر، على سبيل المثال أن حوالي أكثر من 50% من سكان القاهرة يقطنون في مناطق عشوائية غير مخططة، حيث يوجد 24% منطقة غير آمنة ومهددة للحياة، و28 منطقة تندرج تحت نوعية السكن غير الملائم، و49 منطقة غير مخططة، ومن ثم فإجمالي عدد المناطق العشوائية بالقاهرة هم 112 منطقة. ويضيف أن المحور الأول يتفاعل مع المناطق الأكثر خطورة ويدرس من خلال لجان علمية متخصصة كيفية الإسراع من نقل السكان من المناطق الخطيرة، أما المحور الثاني يعتمد على تحسين الخدمات في الأماكن غير المخططة من خلال منهج التنمية بالمشاركة الذي يعني مشاركة الأهالي المناطق في صنع القرار واقتراح بدائل للتنمية والتغيير نابعة من احتكاكهم المباشر بالمشكلات حتى لا نفرض عليهم حلول فوقية لا تناسبهم، مثل استغلال حرفة أو مهنة يتميز بها سكان منطقة معينة، كما حدث مع عزبة خير الله حيث يثوم الأهالي بأنفسهم في تطوير واجهات المباني المقابلة للطريق الدائري. ويتابع أن الاستراتيجية الرابعة تقوم على محور التدريب المهني والحرفي لأهالي المناطق العشوائية مما يسهم في خلق فرص عمل لأهالى المناطق غير المخططة، أما الاستراتيجية الأخيرة تشجيع الاستثمارات خارج إقليمالقاهرة الكبرى، حيث إن معظم مشكلات القاهرة وتكدس وارتفاع العشوائيات بها تعود إلى تصدير مشكلات الأقاليم الأخرى وغياب الخدمات بها والبطالة والفقر وتحويلها إلى مناطق طاردة للسكان التي تأتي وتتمركز في القاهرة. الحق في السكن: الانحياز الفاجر لسياسات إسكانية ضد محدودى الدخل يؤدي إلى ثورة الفوضى أحياء بالاسم فقط: الدولة تدعم الرأسماليين ورجال الأعمال محافظة القاهرة: الدولة تتبع استراتيجيات محددة لمواجهة أزمة العشوائيات.