تتخذ الأزمة السياسية في لبنان طابعًا مفصليًّا ومصيريًّا اعتبارًا من أمس الاثنين وحتى التاسع عشر من مايو، وهي المهلة التي يفترض أن يُحسم خلالها مصير الحكومة الجديدة وقانون الانتخاب. وفى ضوء الأحداث استقبل رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في منزله بجدة مساء أول أمس رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط ويرافقه نجله تيمور ووزير الشئون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال وائل أبو فاعور، كما التقى رئيس جهاز المخابرات السعودي الأمير بندر بن سلطان. وفى نفس السياق ذكرت صحيفة "السفير" اللبنانية أن عقارب الساعات الماضية كانت تدور على إيقاع سيناريوهات عدة، تراوحت بين التأليف لحكومة الأمر الواقع وانسداد أفق الانتخابات النيابية كلية، وبالتالي الدخول في مواجهة مفتوحة تنهي زمن الاستقرار الهش، وبين اعتماد الواقعية في تشكيل الحكومة وتحقيق التوافق على قانون الانتخاب في اللحظة الأخيرة. وأشارت الصحيفة إلى أنه تحت سقف هذين الحدين، بدا وكأن الأطراف الداخلية تخوض ما يشبه "الحرب النفسية"؛ سعيًا إلى تحسين شروط المواجهة أو التسوية. ولفتت "السفير" إلى أن فريق "8 آذار" شن خلال اليومين الماضيين هجومًا استباقيًّا لإجهاض حكومة الأمر الواقع، ووجه رسائل مباشرة إلى الرئيس المكلف تمام سلام، محذرًا عبر أقطابه من تداعيات "العزف المنفرد" سواء على البلد أو على المستقبل السياسي للرئيس المكلف نفسه، فيما كان النائب وليد جنبلاط يزور السعودية ويعود منها متأبطًا "كلمة السر"، بعد لقائه الأمير بندر بن سلطان، إضافة إلى الرئيس سعد الحريري الذي زاره لاحقًا نادر الحريري وغطاس خوري. ونبهت الصحيفة إلى أنه حتى قبل عودة "جنبلاط" من السعودية، كانت المعطيات المتوافرة لدى مراجع سياسية عليا ترجح أن يمتنع سلام عن الإعلان عن حكومة الأمر الواقع الثلاثاء، وأن يؤجل هذا الخيار، أقله إلى ما بعد جلسات مجلس النواب التي تنطلق غدًا. هذا المناخ عززه كلام الرئيس المكلف سلام أمام زواره أول أمس، حيث أكد استمراره في الانفتاح على الجميع، مشددًا على أنه لا يريد أن يشكل حكومة مواجهة مع أحد، وأنه لا يتجاهل مواقف حزب الله والعماد ميشال عون؛ "لأنني بطبعي حواري ووفاقي ولست صداميًّا". وأكدت أوساط سياسية مطلعة ل "السفير" أن حكومة الأمر الواقع أصبحت جاهزة، وأن ولادتها هي مسألة توقيت قد يختاره سلام قبل انعقاد الهيئة العامة أو بعده. ومن جانبها حذرت مصادر بارزة في فريق "8 آذار" أن الإعلان عن حكومة من هذا النوع سيكون بمثابة "جنون سياسي"، منبهة إلى أن التداعيات على الوضع الداخلي أكبر مما يتصوره بعض المتحمسين لهذه الخطوة والمحرضين عليها، وتساءلت المصادر عما إذا كانت للرياض مصلحة في الدفع نحو هذا الاتجاه الذي سيجعل السعودية تفقد فرصة ثمينة لعودة متوازنة إلى الساحة اللبنانية، دون أن تربح الحكومة التي لن تستطيع أن تحكم إذا قامت على خلل في التوازن والتمثيل. ومع عودة "جنبلاط" من السعودية، صدر بيان "حمّال أوجه" عن وزير الشئون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال وائل أبو فاعور، أبرز ما فيه الفقرة الختامية التي جاء فيها أن "جنبلاط" سيتابع اتصالاته للوصول إلى القبول بالصيغة الحكومية المقترحة من الرئيس سلام، "والتي نأمل القبول بها من كل الأطراف لتوازنها ودقتها". وأشارت السفير إلى أنه قبل صدور البيان حول زيارة "جنبلاط" إلى السعودية، كان الرئيس نبيه بري قد قال للصحيفة إنه يأمل في أن تساهم هذه الزيارة في تغليب الواقعية على الأمر الواقع. وحذر بري من أن الإعلان عن حكومة أمر واقع قبل جلسة الأربعاء، سينعكس سلبًا على تلك الجلسة، وسيضرب مسبقًا كل إمكانية للتفاهم خلالها على قانون الانتخاب؛ "لأنه لن يكون بمقدوري حينها الكلام مع أحد من قوى "8 آذار"، ولن يكون متاحًا أي تسوية أو مشروع توافقي"، لافتًا الانتباه إلى أن خطوة استفزازية من قبيل تشكيل حكومة أمر واقع، ستجلب رد فعل من الوزن ذاته.