"صِغارٌ فى نضير العُمْر تبْكى" كلمات قلائل تلخص مأساة أطفالنا، بعدما أصبح مأواهم ومُعلمهم هو الشارع، فمن يلوم هؤلاء الصغار على أفعالهم !!، لعلك إذا إقتربت منهم تسمع صوت زئير في بطونهم، بعدما أرقها الجوع والخوف والحرمان، وترى بعيناك قسوة الأيام التي حُفرت على جباههم، وحُلمًا بكسرة خبز وسقفًا يحنو عليهم، ولكن هؤلاء ربما أتوا إلى الدنيا في زمن بخيل، وأهملهم حاكم تلو آخر في غفلة عن تلك الأجساد النحيلة، والملامح التي إرتسمت عليها كل ألوان البؤس والشقاء، فمتى نفيق نحن ويستيقظ حكامنا !، ليعطف أصحاب المعالي على هؤلاء المستضعفين، فمهما اختلفت أماكن تواجدهم يبقى ظلمهم هو الذي يجمعهم . أطفال يعيشون بقايا حياة .. عند مسجد الاستقامة بالجيزة، كان لقائنا ببعض الأطفال ، فيروي محمد مراد عبد الحميد "16 عامًا" قصته التى بدأت بإجبار أهله له على ترك التعليم فى الصف الرابع الإبتدائى؛ وذلك لآن قدراتهم المادية لا تحتمل، وعندما ترك التعليم عمل مع أبوه "كحداد مسلح "، ولكنه مل وتعب من المعاملة القاسية التى كان يتبعها أبوه ، فهرب مع صاحبه من مدينه قليوب وجاءوا فى البداية إلى ميدان التحرير "بالقاهرة". واستطرد قائلًا أنه كان يعمل مع صديقه على "فرشة شاى ليلًا" لمدة شهر ثم حدث خلاف مع صاحبه على الأموال ، فتركه وذهب ليعمل بائع مناديل أمام جامعة القاهرة وحده . وعن حياته اليومية قال "إنه كل يوم يشتغل عند الجامعة 12 ساعة من الساعة6 الصبح حتى 6 مساء ، وبعد انتهاء عمله يذهب إلى " القهوة " ؛ للجلوس مع أصدقائه أو مشاهدة التليفزيون. وبحلول الواحدة ليلًا يكون انتهى اليوم ، وجاء موعد النوم في مسجد الاستقامة ، حيث يتواجد "أهل الخير" ؛ فيعطفوا عليهم بالطعام وبعض الملابس ، لافتًا إلى أنه يغير مكان نومه كل شهر خوفًا من " الحكومة " . أما مكسبه فيقول أن عمله فى المناديل يوفر له الكثير، ولكنه قرر أن لا يكمل في هذه المهنة ، فهو يعمل ويدخر أمواله فى أمكان سرية حتى لا يسرقها أصحابه ، قائلًا " أكيد مش هفضل طول عمرى متشرد كدة ، لازم يبقى معايا فلوس وبعدها هفتح فرشة شاى أو حاجة محترمة تأكل عيش " . أما كريم سعيد "14 عامًا" فقد غادر بيته منذ 5 سنوات بعد انفصال والديه وزواج كل منهما ؛ فلم يحتمل الأب وجوده ، وزوج أمه كان يعامله بكل قسوة، قائلًا "كل واحد من أهلى بقى له حياته، فكان لازم أمشى أشوف حالى ولما مشيت محدش فيهم سأل عليه ولاقيت الشارع أحسن بكتير ". ويعمل كريم في مسح السيارات بمحيط منطقة الجيزة، حيث أوضح إن حياته تتخلص فى العمل فى مسح السيارات فى أى وقت من اليوم ، ثم يذهب إلى أى "قهوة "، حتى ينام على الكرسى أو فى الشارع، لكن فى الشتاء ينام فى الجوامع ، موضحًا إنه عندما جاء إلى الميدان، قام البائعين بضربه وحاوله طرده ؛ لأنه جديد فى "الكار"، على حد تعبيره . ولكن اختلف الوضع الآن ، فقد أصبح هو الكبير، وعندما يأتي أي طفل شكله غير معروف وينام على الرصيف ، يعطف عليه" كريم" ويساعده للعمل معه ؛ حتى لا يهينه أو يضربه أحد . ومأساة أخرى يجسدها إسلام محمد "15 عامًا" ، يحكي قصته بعيون بائسة ، قائلًا أنه لا يعلم متى ترك المنزل ، ولكنه هرب فى البداية مع والدته للتخلص من بطش أبيه ، ولكن لم تمضي سوى فترة قليلة ، و أُلقي القبض على والدته فى قضية مخدرات ، وبعدها اضطر هو للعمل وحده في سن العاشرة، فمرة يعمل فى بيع المناديل ، وأخرى يسرح أمام الجامعة "للشحاتة " ، وأخرى يعمل فى قهوة. واستطرد "أنا بشتغل لما أكون عاوز أشترى حاجة بس، ومش بحوش معايا فلوس كتير لأن الناس الكبيرة بتاخد الفلوس مننا" ، وأضاف أن الشرطة أصبحت تحبس كل من تقابله منهم، حتى لو لم يكن متورطًا في أي شغب وهو مش بيكون عامل حاجة غلط،؛ متمنيًا أن ينتهي ظلمهم من الشرطة والناس. ويختتم إسلام حديثه قائلًا "حاسس أننا مكروهين من الناس، وبكره نفسى لما يبصو عليا باحتقار، وهما بيعتبرونا كلاب شوارع مش ناس زيهم، ونفسى ربنا يهدينى وأبعد عن المشاكل دي كلها، وألاقي حل كويس يريحني وصحابي من القرف ده كله". قرية " أطفال الشوارع" هي الحل. قالت الدكتورة عزة كريم مستشار المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية- إلى أن الأطفال عندما يخرجون للشارع لا يرغبون في العودة إلى أسرهم مرة أخرى، كما يرفضون الإيواء داخل إحدى دور الرعاية لأنهم وجدوا الحياة الوردية في الشارع، من حيث الدخل المرتفع والذي لا يقل عن 40 جنيه يوميًا، الأمر الذي يشبع كافة احتياجاتهم المختلفة، كما أن الحرية التي يجدوها في حياة الشارع لا يجدوا مثيلتها داخل الأسرة أو مراكز الإيواء، رغم كل الصعوبات التي قد يواجهوها مثل البلطجة والملاحقة الأمنية. وتعدد المشاكل التى يواجهها هؤلاء الأطفال حسب الدكتورة عزة، فكل الأطفال بلاهوية، أي بدون شهادات ميلاد أو بطاقات تحقيق الشخصية، وخطورة ذلك الأمر تكمن فى انضمام هؤلاء الأطفال للعصابات المسلحة، وفى بعض الأحيان يسرق منهم بعض أعضاؤهم، ولن يجدوا مدافعًا عنهم، كما أنهم يعيشون بغرائزهم، حيث تكون ممارسة العلاقات الجنسية والشذوذ هواية بالنسبة لهم، في حين تتربح البنات من ذلك، وفي أحيان كثيرة تنجب هؤلاء البنات وتبيع أطفالهم ونسبة ذلك مرتفعة للغاية، كما أن المخدرات أمر أصبح طبيعيًا، وهم إما يتعاطونها أو يبيعونها أو الاثنين معًا. وعن أعداد هؤلاء الأطفال، تؤكد الدكتورة عزة أنه لا يستطيع أحد حصر العدد الحقيقي لأنهم غير مسجلين سوى القليل منهم لدى مراكز الشرطة، ولكن عددهم يقدر بحوالي مليون طفل، وهم فى ازدياد متطارد لأن ظروف نشأة طفل الشوارع لا تزال كما هي. وتطرح الدكتورة حل للقضاء على الظاهرة من خلال إقامة قرية باسم "أطفال الشوارع"، ونجعلهم يذهبوا إليها ويفعلوا ما يريدوه، في مقابل تعليمهم وتربيتهم وممارستهم لمهنة، ونجعل لهم أمنيات ووعود ونساعدهم فى تحقيقها، فالتجارب فى الدول الأوروبية تختلف تمامًا عن مصر، فلايوجد مجال للمقارنة، فالدول تستوعب هؤلاء الأطفال وتحل مشاكلهم على أقصى سرعة ولذلك فالأعداد قليلة للغاية. تسعيرة الطفل من " متسول " ل" مشاغب ". كان اللواء مدحت جمال الدين مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة لشرطة رعاية الأحداث، قد كشف في وقت سابق عن أن أسعار التظاهر تتراوح ما بين 50 جنيهًا للفرد، ومن يرفع لافتة فيرتفع أجره إلى 100 جنيه ومن يستطيع تصنيع وقذف المولوتوف فأجره نحو 150 جنيهًا يوميًا و200 جنيهًا لكل من يحمل سلاح ناري خرطوش، وكل حسب قدرته وسنه في الاشتباكات سواء أثناء التظاهر السياسي، أو المشاجرات في المناطق الشعبية، وأضاف أن الأعداد تزايدت من 150 ألف إلى ربع مليون طفل. إحصائيات "مكافحة الإتجار بالبشر". كشفت وحدة مكافحة الإتجار بالبشر بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، أنها أشرفت بالتعاون مع فريق مأوي دار السلام، لإعادة تأهيل الأطفال الضحايا بإحدي المدن، عن دراسة استطلاعية أجريت في فبراير الماضي علي مائة طفل، وطفلة من المشاركين بأعمال العنف، وانتهت الدراسة بأن هناك 33% من الأطفال في مواقع الأحداث انتقامًا من الشرطة، و20% يذهبون للبيع. كما قال 26طفلًا أنهم يذهبوا لمواقع الأحداث لعدة أسباب منها، التسول، ومسح السيارات، أو بيع الأعمال، وآخرين لحرق المنشآت والتخريب. وأكدت الدراسة أن 95% لم يحصلوا علي أية أموال مقابل ذهابهم لأماكن الأحداث, و صرح خمسة بأنهم حصلوا علي مبالغ مالية من آخرين مقابل ذهابهم, وأن هذه المبالغ تتراوح ما بين100 إلي400 جنيه أو وجبة طعام ساخن. أطفال تسمع صوت زئير بطونهم ..لأرقها الجوع والخوف والحرمان مليون طفل بلا هوية.. عرضه أما لسرقة أعضائهم أو لبيعهم مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية: إقامة قرية باسم "أطفال الشوارع" لتأهيلهم يشارك 30% من أطفال بإعمال العنف في مواقع الأحداث انتقامًا من الشرطة .. و20% يذهبون للبيع