أرسلت الولاياتالمتحدة موفدا خاصًا إلى كل من السعودية وقطر، وذلك بهدف التخفيف من حدة التوتر بين الدولتين، لاسيما بعد استقراء الإدارة الأمريكية تفاقم هذا التوتر خلال جلسات القمة العربية التي عقدت نهاية الشهر الماضي في الدوحة. وقد أوضحت مصادر مطلعة لجريدة "القدس" الفلسطينية، أن إدارة الرئيس أوباما أوفدت مختصا قبل يومين إلى كل من الرياضوالدوحة، "للتوسط بين حليفي الولاياتالمتحدة المهمين، ولتنفيس التوتر بينهما، من أجل المصلحة الإستراتيجية المشتركة في مواجهة التحديات الكبيرة في المنطقة". ورغم التحالف الظاهري الصلب لأعضاء مجلس التعاون الخليجي، فهناك ثمة توتر وخلاف بين أعضائه بسبب العديد من القضايا، خاصة بين السعودية وقطر، اللتين تتنافسان على قيادة المجلس وعلى لعب دور أكبر في المنطقة. ورغم أن الدولتين تعملان جنبا إلى جنب في تقديم الدعم الميداني والمالي للمعارضة السورية، من خلال توفير الأسلحة والمقاتلين للجيش السوري الحر، فإن "تحالف آل سعود وآل ثاني - الوهابيين - يعاني من شرخ اصطفافي، واستقطابي عمودي واضح، بسبب الخلاف حول مجموعة من الأولويات والقضايا الساخنة التي تشغل العائلتين المالكتين، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع إيران، والتمرد السوري، وملف اليمن، ودور المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي"، بحسب قول ديفيد أوتاوي - من معهد ويلسون للدراسات في واشنطن. ويعتقد خبراء واشنطن "المختصين بالشأن الخليجي" أن الخلاف ازداد عمقاً في أعقاب القمة العربية التي استضافتها الدوحة في الأسبوع الأخير من شهر آذار المنصرم، "بسبب امتعاض المملكة العربية السعودية من تصرفات قطر، واستئثار الأخيرة بقيادة الجامعة العربية، واتخاذها المبادرة التي تشاء وفرضها على أعضاء الجامعة العربية" بحسب أحد الدبلوماسيين الغربيين الذي حضروا جلسة الافتتاح. ويضيف المصدر، الذي عمل في المنطقة ممثلاً لبلاده لفترة طويلة: "ليس فقط بين السعودية وقطر، لكن هناك انقسام بين بقية أعضاء مجلس التعاون، خاصة الإمارات العربية، والكويت، والبحرين، الذين يجدون أنفسهم مضطرين لمؤازرة خط الرياض أو خط الدوحة". وتخشى السعودية من أن تحظى قطر بدور كبير يجاوز أضعاف حجمها الجغرافي والبشري، وأضاف الدبلوماسي الغربي: "تتآمر قطر مع تركيا من أجل تمكين جماعة الإخوان المسلمين وتوصيلهم لسدة الحكم كما فعلوا في غزة ومصر وتونس، والآن في سوريا". بدوره يعتقد سايمون هندرسون - خبير الشئون السعودية ودول مجلس التعاون الخليجى في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أنه في الوقت الذي لا يشكل فيه مد الإخوان المسلمين في المنطقة خطرا على العائلة الحاكمة في قطر، بسبب قلة عدد سكانها ورضائهم الكامل عن آل ثاني، "يشكل الإخوان خطرا جاثما وحقيقيا على السعودية المثقلة بالسكان والتناقضات وعدم الرضاء، ووجود قطاعات بشرية واسعة دون خط الفقر، وأقلية كبيرة وقوية شيعية في المنطقة الشرقية؛ وترى أثر التمرد العربي في الدول المحيطة، وقطاع شاب كبير جدا سئم من تصرفات العائلة المالكة". وبينما تشعر واشنطن بالحرج إزاء تحالفها مع الرياض، "فهناك حماس قوي على المستويين، الرسمي والفكري، في واشنطن للتحالف مع قطر، وهناك أيضا دعم وضغط أمريكي مستمر لصالح قطر كي تضطلع بدور أكبر من حجمها بكثير"، بحسب قول مدير معهد بروكينجز في الدوحة سلمان شيخ. ويضيف شيخ قطر: "اكتشفت سر السيطرة، من خلال أن تكون كل شيء لكل الناس، وإدارة هذا المثل - الشعار - وتحويله إلى سياسة فعالة". ويقول هندرسون: إن أمريكا "تواجه صداعا كبيرا في تعاملها مع العائلة المالكة في السعودية "، ويضيف: "كالعادة، تتوخى واشنطن الحذر بشأن تقديم نصائح سياسية إلى السعودية، خصوصا فيما يتعلق بالمشاكل الداخلية، فكما ذكر السفير الأمريكي جيمس سميث مؤخرا، إن "الركائز الثلاث" للعلاقة الثنائية هي "أمن النفط، والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، أما الضغوط المتعلقة بحقوق الإنسان، والتغيير السياسي، فتبقى أمورا ثانوية، وهو ما يشكل حالة من الحرج لواشنطن". ويضيف هندرسون: " السعودية تلعب دورا حاسما أيضا في قضيتين إقليميتين عاجلتين: فصادراتها المتزايدة من النفط، تعوِّض النقص الناتج عن العقوبات المفروضة على إنتاج إيران، كما أنها تعمل مع قطر، والأردن، وتركيا، لدعم المعارضين في سوريا، وهو جهد تدعمه واشنطن، ومن المؤكد أن يطلب المسئولون الأمريكيون من السعوديين أن يلعبوا دورا رئيسيا في أية خطوة لإحياء عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية في الأسابيع القليلة المقبلة"، في إشارة إلى سعي واشنطن لتعديل مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبد الله، عندما كان وليا للعهد عام 2002. ولكن يظل تقدم السن، واستشراء الوهن، بين القادة السعوديين، أحد المشكلات الأكثر بروزا، فخلال انعقاد فعاليات القمة العربية في قطر هذا الأسبوع، كان الملك عبد الله (البالغ من العمر 90 عاما) غائبا، ومثّله ولي العهد الأمير سلمان، الذي يعتقد على نطاق واسع بأنه مصاب بعته ذهني، وهو ما يزيد من تعقيد العلاقة الأمريكية السعودية، بحسب هندرسون. وينصح هندرسون: "سعيا إلى الحد من تطور تلك التحديات الداخلية إلى عاصفة كاملة تجتاح بيت آل سعود، على واشنطن أن تضغط على الرياض، لكي تتحمل قدرا أكبر من المشاركة السياسية، وتعمل على تسريع عملية التحول إلى قيادة جديدة داخل العائلة المالكة. ونظرا لدور المملكة البارز في مجال الطاقة، فإن الشلل السياسي الحالي في الرياض، يهدد الاقتصاد العالمي، ويقلل من الدور السعودي التقليدي في العالمين العربي والإسلامي، مما يعرض للخطر، الجهود التي تقودها الولاياتالمتحدة لوقف سعي إيران لصنع سلاح نووي".