"إننا طلاب شهادة.. لسنا نحرص على هذه الحياة.. هذه الحياة تافهة رخيصة.. نحن نسعى إلى الحياة الأبدية".. كانت هذه هي الأمنية الكبرى لأسطورة الجهاد وشيخ الانتفاضتين ومؤسس حركة حماس "الشيخ القعيد أحمد ياسين" الذي انضم إلى مواكب الشهداء في يوم "22 مارس" من عام 2004. فبينما كان الشيخ القعيد عائدًا من صلاة الفجر متجهًا إلى سيارته، قامت الطائرات الصهيونية بإطلاق 3 صواريخ تجاهه؛ ليسقط ياسين شهيدًا في مشهد مؤلم تعجز كل كلمات الحزن عن وصفه، حيث تناثرت أجزاء كرسيه المتحرك ملطخة بالدماء، وتحول جسده إلى أشلاء، وحقق رمز النضال أمنيته الكبرى، ونال الشهادة. ولم يكن رحيل الشيخ أحمد ياسين حدثًا عابرًا، بل إن اغتياله هز أركان العالم العربي والإسلامي، بل والعالم كله، وأدانت المنظمات الحقوقية الحادث، واعتبرته جريمة حرب، وأصبحت فلسطين التي اتشحت بالسواد طويلاً حزنًا على شيخ المجاهدين، يتيمة بعد رحيله، ولكن روحه النضالية التي غرسها في نفوس أبنائه من المجاهدين، والفكرة التي حملها، تزداد حتى اليوم قوة وصلابة؛ لتحقيق الحلم الذي ضحى كثيرًا من أجله. وفي ذكرى رحيله التقى "البديل" بالمناضل الفلسطيني عبد القادر ياسين؛ ليحدثنا عن الشيخ ياسين قائلاً "ولد أحمد ياسين في قرية تُسمَّى جورة عسقلان، وعندما وقعت النكبة 1948 هاجرت أسرته إلى غزة مع الكثيرين من الأسر التي طردتها العصابات الصهيونية، وفي هذه الفترة التاريخية تجاورنا في حي واحد اسمه حي الرمال، وكان ياسين رياضيًّا يتميز بالنشاط الزائد، ويعشق المصارعة، وفي السادسة عشرة من عمره أصيب بشلل تام في كل أطرافه، حيث أصيب بكسر في فقرات العنق إثر مصارعة ودية بينه وبين زملائه، ومنذ ذلك الوقت اعتكف الشيخ ياسين وكرس حياته في دراسة العلوم الإسلامية والدعوة للجهاد، وانضم لجماعة "الإخوان المسلمين"، حيث كان مسئول الإخوان الأول بقطاع غزة بعد الشيخ إسماعيل الخالدي، المقيم الآن بالرياض، فبعد تدفق الإخوان من غزة إلى السعودية وقطر أصبح الشيخ أحمد ياسين رئيسًا للمجمع الإسلامي، وهذا هو الاسم الذي حملته جماعة "الإخوان المسلمين" بغزة؛ ومن ثم أصبح رئيسًا للإخوان. وفي عام 1987 أسس ياسين مع مجموعة من رفاقه حركة المقاومة الإسلامية حماس ضد الظلم والعدوان الصهيوني، ولا شك أن تأسيسه لحماس كان بمثابة نقلة نوعية في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث أيقظ الأمة، وأحيا روح الجهاد التي كادت أن تموت، ومن هنا أصبح ياسين رمزًا للنضال والجهاد بفلسطين". وأضاف ياسين أن ميثاق حماس الذي أعلنته في فبراير عام 1988 لم يحمل برنامجًا سياسيًّا، بل كان دعويًّا فقط، موضحًا "ميثاق حماس لم يحمل برنامجًا سياسيًّا؛ لأن الشيخ ياسين لم يكن مقتنعًا بالحل السلمي، بل كان يرى أنه لا مفر من الجهاد ولا مفر من تسليح الشعب الفلسطيني". وعن علاقة الشيخ ياسين بالسلطة الفلسطينية يقول "حين وقعت القيادة الفلسطينية المتمثلة في منظمة التحرير على اتفاقية أوسلو سيئة السمعة، أخذت حماس موقفًا معارضًا من أوسلو؛ لأنها كانت تعلم جيدًا عقم وسوء هذه الاتفاقية، وفي نفس الوقت كان الشيخ ياسين يؤكد دائمًا على ضرورة وحدة الفلسطنيين؛ لمواجهة عدو واحد وأبدي، وهو العدو الإسرائيلي، حيث كان يدعو إلى توحيد الصف بين الفصائل الفلسطينية، وخاصة حركة فتح. ورغم قيام السلطة الفلسطينية بفرض الإقامة الجبرية عليه، إلا أنه لم يتورط في دماء الفلسطينيين، وظل موجهًا كفاحه وجهاده ضد العدو الصهيوني فقط". وتابع قائلاً "شيخ المجاهدين أحمد ياسين لم يكن يعاني من الشلل فقط، بل عانى من أمراض أخرى كثيرة؛ نتيجة اعتقالاته المتكررة والتعذيب الذي تعرض له داخل السجون الإسرائيلية، وكان يتميز بقوة الشخصية، حيث رفض الكثير من المساوامات الإسرائيلية مقابل خروجه من المعتقل".