لأننا نقدس الثابت والتقليدي والشائع والماضي والأجداد والأسلاف، فلا بد أن نحارب الخارجين عن القوانين الموروثة، ونقضي عليهم بكل الطرق الممكنة. هذا ما حدث مع جمال البنا الذي استقبلني قبل وفاته في منزله الذي هو مكتبته في باب الشعرية، فلا يخلو مكان أو ركن به من كتاب.. أخبرني أن مكتبته ليست عادية، لكنها تحمل تاريخًا وذكريات للوطن، فهناك المكتب الذي أخذ عليه حسن البنا من جمال عبد الناصر العهد، و"الأجزة" وهي أشبه بمكتب كان والده يؤلف عليه كتاب الفتح الرباني.. عبق المكان ورائحة الكتب يجذبانك لعالمه، وكأنك تدخل كتاب ألف ليلة وليلة، ليس لترى الماضي، ولكن للمستقبل. رحل البنا وهو مؤمن أن الأجيال الجديدة ستعرف قيمته بعد وفاته، لم يلتفت للمعارك التي أثيرت حول أفكاره، والتي وصلت إلى حد اتهامه بالزندقة والسخرية منه في وسائل الإعلام؛ لأنه يدرك أن ما حدث معه هو مصير المجددين والمبشرين. التقى "البديل" البنا ليقول رأيه في جماعة الإخوان والجماعات الإسلامية والثورة.. وتفاصيل مشروعة لتجديد الفكر الإسلامي للأجيال القادمة. * لماذا لم تنضم لجماعة الإخوان؟ ** علاقتي بالإخوان انقطعت 1948 منذ وفاة حسن البنا، وكنت معهم ليس كعضو، لكن كأخ لحسن البنا. * ما رأيك في الكثير من الكتب التي اننقدت حسن البنا؟ ** هناك من يتهمه بالانتهازية وأنه عميل أمريكي، وهناك من يرفعه إلى مصاف الآلهة. * ولماذا اتهموا حسن البنا بالانتهازية ؟ ** السياسة كلها انتهازية, صفقات واتفاقات وتحيُّن فرص, كل حزب يقوم بذلك، وأولهم الشيوعيون ولا يعاب عليهم، وكتب حسن البنا: "خاصم الله السياسة التي تجعل من الأمين خائنًا والصريح منافقًا". * إذن من هو حسن البنا؟ ** هو الاثنان معًا، فهو ليس ملاكًا ولا شيطانًا، فقد استطاع أن يقيم شيئًا له ذكر وهو جماعة الإخوان المسلمون. * ما سبب اختلافك فكريًّا عن حسن البنا؟ ** هو تربيته وتعليمه ثقافته دينية، وأنا مدني التربية والتعليم، وكنت أهتم بالفئات المهمشة مثل العمال.. لديَّ مكتبة عن العمال والنقابات وتاريخ الاتحادات العمالية والنساء، وأهتم بقضية تحرير المرأة وعملها. * هل آراء حسن البنا وكتبه تصلح لعصرنا؟ ** لا تصلح آراء أو كتب حسن البنا أو أي شيخ آخر لهذا العصر، لا بد أن يقدم كل فرد عمله ولا يعيش على فكر الماضي. * لماذا رفض الإخوان أفكارك؟ ** لم يهتم بي الإخوان، حتى إنهم لم يعترفوا بفضلي في نشر سلسلة كتب عن تاريخ الإخوان، منها "وثائق الإخوان المسلمين المجهولة"، و"رسائل حسن البنا" من ثلاثة أجزاء، بل ينصح القيادات شباب الإخوان بعدم قراءة كتبي؛ لأنهم يعتقدون أني منحرف عن الدين الصحيح، ويتهمونني أني أعمل بأجندة أجنبية. * ما رأيك في حكم الإخوان؟ ** لا يمكنهم حكم دولة؛ لأن لديهم ضيق أفق وفكر وليس لديهم استعداد لأن يتخلوا عن هذه الأفكار, حتى ولو صرحوا بعكس ذلك مجاراة للتيار أو ظهروا أمام العالم على أنهم معتدلون. وأظن أنه ليس لديهم الوعي السياسي ولا الفكري الذي يجب أن يوجد في رجل السياسة, وأظن أنهم لا يمكنهم أن يقدموا شيئًا مفيدًا للبلد. هم لا يهتمون بالفنون والآداب وحرية الفكر وحقوق المرأة، كل هذه الأمور محكومة مسبقًا, وليتها كانت محكومة بالقرآن ولكنها محكومة بآراء الفقهاء الذين رحلوا مما يزيد على ألف عام, ووضعو قواعدهم في تلك الفترة, وكانوا عباقرة بالنسبة لعصرهم, ولكن الآن هذه الآراء متخلفة. * هل يمكن أن تصبح مصر نموذجًا مشابهًا للسعودية؟ ** لا يمكن أن تصبح مصر نموذجًا مشابهًا للسعودية أو العراق, هناك نوع من التشدد سيحاولون فرضه، ولكنهم لن ينجحوا فيه؛ لأنه "مش طبيعي". الإخوان زمان كان لديهم جناح متشدد, اتفق على خطة لمنع النساء المتبرجات من النزول للشارع, وكانت الخطة أن يقف رجل على ناصية شارع ومعه دواية حبر وعندما يري امرأة متبرجة يقذفها بالحبر! ولم تنجح هذه الفكرة, واستقل هذا الجناح عن الإخوان. * هناك من اتهم الثورة بأنها سبب ظهور التيارات الدينية المتشددة؟ ** الثورة جاءت في صالح الناس، غيرت فكرة السلطة المقدسة للحاكم ومحاسبته حتى لو رمزيًّا, فهذه سابقة لم تحدث في تاريخنا العربي والإسلامي، وربما هذا هو بداية التغيير الحقيقي, وهو قيام دولة عقلية علمية مدنية تحترم العقل والحرية، وليست قائمة على السلف أو الماضي أو أفكار جوفاء لا تصلح لهذا العصر، هم سيسقطون وينتهون عاجلاً أم آجلاً؛ لأنهم خارج سياق الزمن والتاريخ. أخبار مصر – حوارات - البديل هل ستتحق النبوءة وندرك قيمته بعد وفاته، أم أننا نحرق ذاكرتنا ونلغي عقولنا لنظل أحياء في وطن تعود على وأد المفكرين؟