" حبست ابني في المنزل لمدة شهر حتي لا يصاب بأذي ولأحميه من الاشتراك في المظاهرات والتحرير، لكن هل يمكن منع شاب مثله للأبد؟"..هذا هو السؤال الذي طرحته والدة مهند سمير، الراقد في مستشفي أحمد ماهر بعد أن أصيب في رقبته بخرطوش وهو في حالة خطيرة، حتي لو نجا منها سيصاب بشلل دائم. تكلمت والدة مهند بفخر واعتزاز عن ابنها البكر العنيد قائلة: " ابني عنيد مثلي وأنا في نفس سنه، كنت أعتقد أني علي صواب طول الوقت، تركته يذهب للتحرير لأني لا يمكن أن أمنعه من الخروج للأبد ولن يستمع لنصائحي ويبتعد عن السياسة، تركته مرغمة وخائفة، لم يكن بيدي حيلة". لم تتكلم أو تبكي أم مهند طوال الليلة الماضية ولكن كانت شاردة تتمتم بكلمات غير مفهومة وهي تنظر إلي أفق بعيد..لم تستطع أن تتفوه بحرف إلا بعد أن طمأنها الأطباء علي تحسن طفيف لحالته الصحية. أم مهند التى تركت العمل حتي ترعاه وتتفرغ لتربيته، منذ كان في الثالثة من عمره هو وأخويه مجاب ومهاب, وتحملت معه أياما عصيبة في الثورة بعد أن أصيب في مجلس الوزراء واعتقل في السجن الحربي، تقول: " ابني أصيب في أحداث مجلس الوزراء بطلق في قدمه واعتقل أيضا وظل يعالج في مستشفي السجن الحربي لمدة 7 شهور، ثم نقل إلي السجن الحربي لمدة ثلاث شهور وأنا أفتش عنه في كل مكان حتي أطمئن عليه، مجرد أن أطمئن علي أنه بخير وأنه يتلقي العلاج والرعاية الصحية، كنت أخشي أن يرحل ابني ولا أراه مرة أخري. وهو في المعتقل لم أكن استطيع أن أقدم له أي شيء أو مساعدة حتي لو كانت بسيطة، كان بين يدي الله مثلما هو الآن" أم مهند تستمد بعضا من قوتها وحيويتها بالحديث عنه: " أعلم أن ابني لن يتخلي عن الثورة مهما حدث له، ابني قوي العزيمة حصل علي الثانوية العامة وهو مصاب في مستشفي السجن الحربي والتحق هذه السنة بكلية اللغات والترجمة وكان اليوم هو بداية أيام الامتحانات ولكن لا يهم عندما يخرج من المستشفي سالما مثلما فعل سابقا سينجح وينضم للثورة مرة أخري ولن أمنعه هذ المرة، لأني وجدت كل زملائه يحيطون به ولم يتركوه، منذ إصابته يبيتون معه كل ليلة في المستشفي". يحيط بأم مهند أصدقائه من ميدان التحرير .. يجلسون في طرقات المستشفي أو خارجها، حتي يطمئنوا علي حالته الصحية، كل أصدقاء مهند يعتقدون أنه ستجري تصفية جسدية لهم أيضا قريبا ولكل شهود أحداث مجلس الوزراء السنة الماضية، فأكدت غادة نجيب -إحدي صديقات مهند وزوجة الفنان هشام عبد الله- أن الحادث مدبر لتصفية الشاهد الوحيد الذي تعرف علي صورة الضابط الذي قتل رامي الشرقاوي، وهو الذي أقام دعوي قضائية ضد المشير طنطاوي، لأن مهند كان يصر علي الاعتصام في التحرير ويكون في الصفوف الأولي عند الهجوم، وتخشي نجيب هي الأخري علي نفسها من محاولة الاغتيال وتقول: " أنا شاهدت الضابط الذي ضرب الفتاة في أحداث مجلس الوزراء وقتل المتظاهرين وتعرفت عليه وأكدت شهادتي أمام النيابة وهو ما يعرضني للخطر مثلما حدث مع مهند". أصدقاء مهند يعرفون الضابط الذي أطلق عليه النار عليه، قالت هنا يوسف بأسي: "أن الضابط وليد العراقي في قسم قصر النيل هوالذي أطلق النار علي مهند، وهرب للإسكندرية بعد تنفيذ العملية المكلف بها. وهذا الضابط له تاريخ مع اغتيال المتظاهرين وهو يستهدف مجموعة من شباب التحرير لأنهم الثوار المستقلين ، لا يحميهم أي تيار أو حزب سياسي، يسجنوا ويخرجوا يستكملون الثورة". مهند الذي ينتمي لأسرة ميسورة، والده المتوفي كان يمتلك معرض للسيارات، ولكنه اختار أن يعيش مع الثوار في التحرير.. يعتصم ويكمل معهم الطريق الذي اختاره.. يتحدث محمد نصحي بحب عن صديقه مهند، الذي كان يشعر بمعاناة الفقير وهو يقف ساعات في الطابور حتي يحصل علي الخبز علي الرغم من أنه ميسورالحال ويتمني مهند أن تحدث عدالة حقيقية في مصر، "ولكن يبدو أن هناك أياد خفية تقتل من يملكون أحلاما وردية ولا يستسلمون للواقع" هكذا اختتم "نصحي" كلماته معي وهو واقف علي باب حجرة مهند فى العناية المركزة، ينتظر أن تحدث المعجزة ويستيقظ صديقه من غيبوته، كلنا..كل أصدقائه ننتظر حدوث معجزة في زمن يطلق الرصاص علي الحالمين. Comment *