نجح الإخوان وحلفائهم من تيارات اليمين المتطرف فى تمرير الدستور الكارثى الذى نسجوه بخيوط التآمر والإقصاء ، كما سجلوا نجاحاً بارزاً فى تقسيم المجتمع وإشعال الصراع بين كافة طوائفه واستخدام الدين بشكل خبيث فى إدارتهم للعملية السياسية التى تتسم بالسطحية والعشوائية منذ تولى الدكتور محمد مرسى مقاليد الأمور ، لكن الواضح بجلاء أن هناك قطاعاً كبيراً من المصريين صوتوا بنعم رغبة فى الاستقرار وتصديقاً للترويج الكاذب لعجلة الإنتاج، التى صدئت على يد الجماعة ، لقد ابتزت تيارات الإسلام السياسى المشاعر الدينية لدى المواطنين وحشدتهم تحت مزاعم الشريعة والتكريس لدولة العلم والإيمان وقدمت لهم مرسى على أساس انه مبعوث العناية الإلهية لتخليصهم مما هم فيه من بؤس وشقاء ، لكن الكارثة التى سوف يصدم بها هؤلاء أن مرسى وجماعته هم من سيسببون لهم الكوارث تلو الكوارث وأنهم هم من سيحيلون حياتهم إلى جحيم مطبق . إن المتابع للمنهج الذى يتبعه مرسى فى إدارته للبلاد ، سيكتشف انه بلا مبدأ أصلاً وأنه عشوائى الفكر والتفكير وأن هدفه الأساسى والأسمى هو التمكين لجماعته – الأهل والعشيرة – وتسكين كوادر الإخوان فى المواقع التنفيذية التى تضمن لهم السيطرة على مفاصل البلاد وأخونتها وتطويعها للإرادة السامية الإخوانية، ولهذا كانت قرارات حكومة مرسى متخبطة ومرتعشة ولا تخدم مصالح المواطنين، فبداية من مشروع النهضة المزعوم الذى تبين أنه مجرد طرح إعلامى تم فى إطار الترويج الانتخابي، ووصولاً لحزمة القرارات التى تم اتخاذها والعدول عن معظمها وتجميد بعضها ، سنكتشف أننا نحكم من قبل مجموعة من محدودى التفكير وممن لا يمتلكون خيالاً ولا رؤية واضحة، واستعاض النظام عن العمل وإحراز الرضا الجماهيرى بتجنيد مجموعات الروبوتات البشرية التى تحركها الجماعة للتصفيق والتهليل لمرسى أينما حل، وتم تدشين خطة شيطانية لإعادة إنتاج مستبد جديد على ضفاف النيل ، وبين عشية وضحاها أصبح مرسى..الرئيس الثائر ! ثم تطور الأمر لنكتشف على أيدي دعاة البلاط أنه " أختطف من عصر الصحابة وأنه حفيد للعمرين -ابن الخطاب وابن عبد العزيز – والكارثة هنا أننا بصدد إنتاج نظام كهنوتى فاشى يقصى من يعارضه بل ويخونه ويكفره فى أحيان عدة، واستخدام المشاعر الدينية والزج بالمقدس فى حلبة الصراع السياسى يعد مقامرة يقوم بها أى تيار أو فصيل فى مجتمع له خصوصية المجتمع المصرى الذى استعصى على كافة المحاولات التى بذلت لتفتيته ولاختراقه من سنوات عدة ، لكن ما يحدث الآن من تحالف شديد للإخوان - بانتهازيتهم وبنزعتهم الشديدة للسلطة وبرغبتهم المحمومة لتقليد النظام السابق وإعادة إنتاجه - مع غيرهم من تيارات الإسلام السياسى - التى تريد اقتحام حلبة السياسة مدعومة بتأييد الكثيرين ممن ينضوون تحت لوائها وممن تغريهم دعاوى الدين والترويج له – يجعلنا نقلق بشدة على مستقبل مصر فى ظل تمكن هؤلاء من السلطة وتنفيذهم لمخططاتهم التى بدأت تخرج للنور من خلال عدة رسائل لعل أبرزها ما احتوى عليه التسجيل الشهير لحديث ياسر برهامى ، نائب رئيس الدعوة السلفية ، والذى أفصح فيه عن نواياهم الحقيقة كما أكد على صدق تخوفات التيار المدنى من هؤلاء الذين يكذبون ويوارون ويرتدون أقنعة عدة ويحلون لأنفسهم المراوغة والخيانة وهم من يدعون – كذبا وبهتانا – أنهم يسعون لخدمة الدين . إن الوضع الاقتصادى الحرج والبالغ السوء لا يخفى على أحد ،ولا يعلم إلا الله ما الذى ستؤول إليه الأحداث فى الفترة القادمة ، خاصة وأن الإخوان بنهجهم الإقصائى المراوغ يسهمون فى زيادة الفجوة بينهم وبين تيارات المجتمع الأخرى مما يزيد من الاضطراب والشقاق ، ليسهم ذلك فى زيادة تعقيد الآمر على المستوى الاقتصاد ، ناهيك على المستوى السياسى والاجتماعى حيث نحج الأخوان بجدارة فى بث روح الفرقة والانقسام بين مختلف فئات المجتمع وبثوا دعاوى الفتنة فى ربوع مصر، مقامرين بأمنها وبسلامتها فى سبيل التمكين والاستحواذ الذى يسعون إليه، والمؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا مقبلون على فترة عصيبة على المستوى الاقتصادي وأننا سنعانى لوقت طويل حتى نتمكن من التعافى مرة أخرى، والأمر العبثى أن أكثر الفئات التى ستعانى فى الفترة المقبلة هم أولئك الذين صوتوا بنعم على دستور الإخوان، فالمعلوم أن الكثيرين من قبلوا هذا الدستور الذى يعصف بالحريات ولا يراعى شروط العدالة الاجتماعية ولا يعنى بالحريات ولا بغيرها من أساسيات الحياة الكريمة ،إنما فعلوا ذلك رغبة فى الاستقرار وفى عودة الحياة مرة أخرى للاقتصاد خاصة وأن قطاعات عدة فى مجتمعنا عانت – وما تزال – بفضل السياسات العشوائية التى تمارس منذ المجلس العسكرى وصولا للإخوان الذين أثبتت التجربة أنهم لا يمتلكون رؤية واضحة لإدارة البلاد ، وأنهم لا يمتلكون كوادر حقيقة يمكنها أن تحرز تقدما فى أى مجال من مجالات الحياة، إن أولئك الذين صدقوا مزاعم النهضة والاستقرار الإخوانى هم من سيتجرعون مرارة الندم على ذلك حينما يصدمون بسياسات الإخوان فى المرحلة القادمة وحينما يكتشفون مقدار ما تعرضوا له من زيف ومن تزييف لإرادتهم ، كما سيكتشفون أنهم من سيدفع فاتورة التمكين الإخوانى الذى يتم تنفيذه بخطى متعجلة مما يجعله مفضوحا للجميع، لكن الجماعة بلغت درجة من الصلف والشعور الزائف بالقوة جعلها تفعل ذلك بلا أدنى مراعاة لرد الفعل الشعبى ، ولو أنهم يمتلكون خيالا سياسيا واعيا فعليهم أن يفكروا جيدا فى نتيجة الاستفتاء الأخير، فعلى الرغم مما شاب الأمر من تزوير فاضح ومن تزييف لإرادة الجماهير بابتزازهم دينيا ، على الرغم من هذا كله فإن عدد الرافضين لهم قد زاد بشكل كبير خلاصة بعد أخطائهم الشديدة التى كان أبرزها مهاجمتهم للمعتصمين السلميين عند قصر الاتحادية وقيامهم باحتجاز وتعذيب الكثيرين وأيضا تفجيرهم لحرب شوارع اقتتل فيها المصريون . إن المرحلة المقبلة سوف تشهد تصعيدا شعبيا للاعتراض على سياسات الإخوان الإقصائية وسوف يجدون أنفسهم مخيرون بين الاستمرار فى الانفراد بالأمر أو التسليم بأن مصر لا يمكن لفصيل واحد أن يستحوذ عليها ، كما أن التيارات المدنية هى الأخرى ستجد نفسها مطالبة بتطوير أداءها السياسى والالتحام أكثر مع طوائف الشعب المختلفة، إن مصر تتعرض للأكبر محاولة لسرقتها ولطمس هويتها وللقضاء على تفردها وحيويتها ، وإذا نحن لم ننتبه لهذا جيدا فلن نسامح أنفسنا ما حيينا كما لن تسامحنا الأجيال القادمة، وعلى من صوتوا بنعم - وأقصد بهم القطاع العريض الذى يصبوا للحياة المستقرة وللحصول على متطلباته اليومية ولست أعنى أولئك الذين يؤمرون فيطيعون واذا وجهوا الى أى وجهة لا يناقشون ولا يفكرون ولا يترددون فى تنفيذ كل ما يصدر إليهم من أوامر حتى ولو كانت بالاعتداء والتنكيل والتخوين لأناس شرفاء كانوا هم السبب المباشر فى صعود نجم الجماعة - أن يتذكروا جيداً أنهم قد غرر بهم قبل ذلك كثيرا بعد ثورة يناير 2011 بداية باستفتاء مارس الشهير مرورا بانتخابات مجلس الشعب المنحل وصولا لهذا الاستفتاء الهزلى الذى أكد أننا أمام جماعة تعيد أنتاج نفس نظام مبارك لكن تصبغة بصبغتها الخاصة وتضفى عليه مسحة تغرى بها الكثيرين ، على من صوتوا بنعم أن يراجعوا أنفسهم كثيراً وأن يكفوا عن التسليم هكذا لكل من يدغدغ مشاعرهم الدينية ويداعب طموحهم فى الاستقرار، ذلك الاستقرار الذى لن نصل إليه إلا حين نمتلك قرارنا بأنفسنا وحين نستعيد ثورتنا التى سرقت ، والتى سوف نستعيدها وسوف نضعها على المسار الصحيح الذى كان يجب أن تسير عليه منذ الإطاحة بمبارك لولا أننا سلمنا أمرنا للعسكر وصعدنا فوق الدبابات لالتقاط الصور التذكارية ثم عدنا لبيوتنا لننام هانئين مطمئنين ، بينما هناك من يسعى تحت جنح الظلام لسرقة الكفاح ولخيانة دم الشهداء ثم المتاجرة به بعد ذلك ، وما من عجب فلقد سمحوا لنافسهم بالمتاجرة بدين الله ولم يمنعهم ادعاءهم هذا من الكذب والتآمر والمراوغة ، لكن هذا لن يطول ولن تموت الثورة أبدا .. أبدا لن تموت. Comment *