كنا نسمع عبارة "فرّق تسد" التي يستخدمها الاستعمار والمحتلون علي مدار تاريخنا القديم والحديث ليحكموا شعوبنا بقبضة حديدية، بعد أن يزرعوا الفرقة والانقسام داخل الصف الوطني, ربما هذا ما حدث بعد ثورة 25 يناير, التي تمخض عنها ظهور ثلاثة تيارات سياسية قوية علي الرغم من التناقضات والاختلافات الفكرية داخل كل تيار, هذه التيارات هي القوي الثورية التي تنادي بمدنية الدولة والاخوان وجماعات الاسلام السياسي والفلول ومؤيدهم من دعاة الاستقرار. وكان لابد من حدوث صراعات وتحالفات بين هذه القوي, لذلك سارع الاخوان بالتحالف مع المجلس العسكري والفلول لمواجهة القوي الثورية وللفوز بأغلبية في انتخابات مجلسي الشعب والشوري, وقامت بعض القوي التي كانت تحسب علي اليسار بالتحالف مع الاخوان لدخول الانتخابات مثل حزب الكرامة, وكانت هذه سقطة بل خطيئة تاريخية لأنهم لم يستفيدوا من هذا التحالف وربما خسروا تعاطف الشباب والثوار معهم. ولكن علي عكس المتوقع كانت القوي الثورية قوية وقدمت نموذجا من الصبر والثبات والتحدي والصمود في مواقف كثيرة ابرزها أحداث محمد محمود السنة الماضية, وخصوصا ان القوة الوحيدة التي كانت موجودة بالميدان هي الثوار ولم يكن هناك اخوان او فلول لأنهم كانوا مشغولين بالانتخابات البرلمانية, وكانت أهم مكاسب محمد محمود هي سقوط أسطورة قوة الاخوان الخرافية التي تدافع عن الثورة, واكتسب الثوار ثقة بقدرتهم علي مواجهة القوي الغاشمة مثل المجلس العسكري والشرطة والاخوان والفلول علي الرغم من أن الثوار غير منظمين وليس لديهم استراتيجية أو خطة واضحة المعالم أو قوة مادية أو اعلامية تساندهم سوي شباب الفيس بوك وتوتير. وظهرت التيارات الثلاثة بوضوح وجلاء في الانتخابات الرئاسية, فقد زج الاخوان بمرسي وفي نفس الوقت كان عبد المنعم أبو الفتوح هو الوجه الخفي للاخوان والأقرب لفكر الشباب, وقام الفلول بنفس اللعبة حيث دعموا شفيق المرفوض من الثوار وعمرو موسي الوجه الناعم و الذي يلقي ترحيبا كبيرا من عدة تيارات ليبرالية, أما الثوار فلقد رشحوا حمدين وابو العز الحريري وخالد علي, وكانت نتيجة الانتخابات المأساوية وهي الاختيار بين السييء أو الأسوأ, بين وجه قبيح ووجه دموي. وأعتقد أن نتيجة الانتخابات بفوز مرسي بالرئاسة لم تكن عبثا أو أن صندوق الاقتراع والشعب جاء به, ولكن مخطط شديد الذكاء واتفاق بين الاخوان وبعض القوي الخارجية وأهمهما أمريكا, لأنه لو فاز شفيق كانت القوي الثورية والاخوان سيتحدون ضد الفلول وكان سقوط شفيق سهلا وكان هذا يمكن القوة المدنية من ترسيخ وتثبيت قوتها علي الأرض, أما إذا جاء الاخوان ويساندهم تيار اسلام سياسي خارج سياق الزمن, فلابد من حدوث صراع عنيف بين الاثنين. كما أن تعطش الاخوان للسلطة ووضع يدهم علي مفاصل الدولة وفرض سيطرتهم علي مختلف القطاعات والهيئات, بالاضافة إلي غباء تيار الاسلام السياسي وتصريحاته المرعبة حول تحويل مصر إلي دولة دينية كل هذا يجعل الصراع ضرورة حتمية, وبالتالي ستدخل القوي الثورية في صراع ربما يصل إلي دموي أو حرب أهلية مع الاخوان وتيار الاسلام السياسي الذين لن يتنازلوا بسهولة عن سلطة, كانوا يحاولون طوال تاريخهم بالاستيلاء عليها. أما الفلول فمن مصلحتهم مساندة الثوار ضد الاخوان لعدة أسباب منها محو تاريخهم الأسود ضد الثوار أو علي الأقل في مساندة النظام السابق وركوب والانقضاض علي الثورة وخصوصا بعد رفض الثوار القاطع سابقا بانضمام أي فرد من الفلول للثورة وقد طرد الشباب العديد من الفلول من ميدان التحرير, اي سيقوم الفلول بمحاولة غسيل الدم وشراء الذمم وتشويه التاريخ, وذلك بنسب كل واقعة أو حادثة قام بها المجلس العسكري بمساعدة الفلول إلي الاخوان, حتي إن البعض أصبح علي يقين أن الاخوان هم الذين نظموا موقعة الجمل, وهم الطرف الثالث وراء كل الاحداث والحرائق وكل المصائب التي حدثت بعد الثورة, وهذا لا يعني أن الاخوان ليسوا متورطين في بعض الاحداث ولكن لا يمكن الصاق كل التهم بهم وحدهم وتبرئة الفلول والمجلس العسكري وبعض الجهات الخارجية, كما أن الفلول لا يهتمون بمصلحة الثورة ولكنهم سيدعمون الشباب ماديا واعلاميا عن طريق القنوات التي يمتلكها الفلول حتي تأتي اللحظة المناسبة مع الاخوان.... وكان دخول حمدين والبرادعي مع عمرو موسي يوم الجمعة الماضي ميدان التحرير بداية انضمام الفلول للثوار, وبداية السقطة التاريخية لهما معا, والبقية تأتي, بعد تصريحات النائب العام السابق والزند رئيس نادي القضاة الفاسد, ومرتضي منصور أحد المشاركين في موقعة الجمل, ومصطفي بكري المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري, ووصف هؤلاء بالثوار والوطنين ومحاولة انضمامهم لصفوف الثوار, هي بداية النهاية واختلاط الأوراق والمفاهيم وجر الثورة إلي جدال وانشقاق هي في غني عنه. وأعتقد أن عملية شراء الذمم وغسيل الدم وبيع حق الشهداء قد بدأت وهناك الكثير من الانتهازيين الذين يوافقون علي هذا, وهناك أيضا بعض الوطنيين الرافضين للاخوان ربما يوافقون علي انضمام الفلول حتي تكتسب الثورة قوة ودعم الفلول المادية والمعنوية, ولكنهم علي خطأ, لأن الفلول لا يقدمون شيئا مجانيا ولكنهم ينتظرون اللحظة المناسبة حتي ينقضوا علي الثورة, بل يصبحوا هم من أهم رموزها بعد اتفاق بعض القوي الثورية معهم وسيكون الفلول أكثر خطورة ووحشية من الاخوان. وهذا يعني أننا أمام اختيارين السييء والأسوأ وكأننا عدنا للانتخابات الرئاسية. وأصبح أمام التيارات والأحزاب السياسية الثورية خياران إما أن تتحد وتنظم صفوفها وتعمل علي الأرض بدلا من اجراء اتفاقات مع الفلول وأن يراهنوا علي الشباب والثورة ويكثفوا من نشاطهم في الشارع, لأن معظم الأحزاب الموجودة علي الساحة ضعيفة أو مخترقة أو غير منظمة أو توجد بين أعضائها خلافات شاسعة, وعملية توحيد وتنظيم الصف عملية صعبة ومجهدة وتستغرق وقتا طويلا, والخيار السهل هو السقوط في تحالفات مع الفلول وتبرير ذلك حتي ينعموا بأموالهم ودعايتهم. ستكشف الفترة المقبلة عن الوجه الحقيقي لكثير من الذين كانوا يحسبون علي الثورة أو المعارضة! Comment *