أفصح الدكتور محمد مرسى عن حقيقة انتمائه، وأظهر بما لا يدع مجالاً للشك الشريحة التى يحدثها ويعمل من أجلها ويسعى لإرضائها، فمنذ بداية حملته الانتخابية وهو يؤكد – ومن ورائه جماعته –على أنه سيكون رئيساً لكل المصريين وليس للإخوان المسلمين الذى كان يترأس وقتها حزبهم السياسى "الحرية والعدالة" كما كان يؤكد على أشياء أخرى كثيرة، لكنه لم يطق صبراً ولم يتمكن من اخفاء حقيقة ولائه، فمنذ خطابه الأول فى ميدان التحرير عقب إعلان نجاحه - يوم أعلن أنه ملتحم بالجماهير وفتح سترته دليلاً على الثقة وأنه لا يرتدى قميصاً واقياً للرصاص – وحقيقة رؤيته لمصر وتاريخها واضحة فالرجل أرخ للعمل الوطنى بفترة العشرينيات من القرن الماضى حيث نشأت جماعته عام 1928 وتحدث عن الرجال الأوفياء الذين تعرضوا لكذا وكذا من الضيم ، حتى ذكر الستينات وقال "وما أدراك ما الستينات" فى تلميح للصدام الذى حدث بين الجماعة وبين السلطة وقتها والذى أدى لاعتقالات – كما حدث مع كافة التيارات السياسية المصرية أيضاً – ثم جاء اختياره لرئيس الوزراء وللوزراء ثم المحافظين ليؤكد على سعيه الشديد لأخونة البلاد والسيطرة على مفاصلها، وتلى ذلك السعى الدءوب لإقصاء كافة التيارات السياسية التى لا تتماشى مع فكر الإخوان وحلفائهم من التيار الإسلاموى السياسى. الغريب فى الأمر أن الرئيس وجماعته ظنوا أن ذاكرة المصريين تشبه ذاكرة الذباب التى لا تحتفظ بشيء، إذ بدأ مرسى يقدم نفسه فى خطاباته على أساس أنه رمز الثورة وشيئاً فشيئاً بدأت قراراته يُسوقُ لها على أساس أنها قرارات ثورية ثم صدق هو نفسه وصدقت جماعته ذلك وأصبح بين يوم وليلة الرئيس الثائر !!بينما يعرف القاصي والداني بأن الجماعة لم يكن لها أية علاقة بالثورة ولم تنضم لها إلا بعد أن تأكدت من رجوح كفتها، وبأن الدكتور مرسى نفسه كان سجيناً خلف القضبان إبان الثورة!. حين نزل الرئيس للجموع الإخوانية والسلفية التى احتشدت أمام القصر الرئاسى يوم الجمعة الماضية لتؤيده وتناصره على خلفية إصداره لمجموعة قرارات همايونية نصب فيها نفسه حاكما بأمر الله وحصن قراراته السابقة واللاحقة وجعلها شبه إلهية، يومها لم أدهش حين وجدته يكثف الثورة فى شخصه ويكثف الوطن فى جماعته ويسم المعارضين بال ( السوس – المفسدين – المخربين – المتآمرين ......الخ ) ومرد عدم دهشتى أن الرجل قد أفصح على أنه لا يرى مصر إلا فى جماعة الإخوان وأن الجهة التى توجهه وتملى عليه قراراته ليست الأمة بل مكتب الإرشاد الذى يدين له مرسى بالولاء والطاعة، والذى مايزال أثر تقبيله ليد المرشد مطبوعاً فى عقله حتى الآن، فهكذا تكون السياسة الفاشية وهكذا تسفر الجماعة عن وجهها الحقيقى الذى كانت تخفيه طيلة عقود طويلة خلف دعاوى إصلاحية كاذبة وخلف ابتسامات مصطنعة لأعضائها الذين تلبستهم روح الفاشية، فصاروا يوزعون الاتهامات والتخوينات هنا وهناك، وأصبحوا يوزعون صكوك الثورية على هذا ويحجبونها عن ذاك واستخدموا دم الشهداء كقميص عثمان فى بجاحة يحسدون عليها وفى صلف يليق بفاشيتهم . إن القرارات التى اتخذها الرئيس مرسى تكرس لمولد مستبد فاشى يجمع بين يديه – فى سابقة غريبة وخطيرة – بين كافة السلطات ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) فتجعله لا يقبل نقداً ولا يصغى لرأى مغاير،كما تمكنه من سهولة التخلص من خصومه السياسيين وهدم فكرة الدولة الحرة المدنية ذات السيادة التى تحترم سيادة القانون وتقدس مبدأ الفصل بين السلطات، إن الرئيس حصن قراراته بإعلان همايونى مستبد، وليته لجأ لأن يحصن قرارته بالسعى لبناء حياة سياسية حقيقة يكون الحوار الوطنى والتوافق هما أساس نهجها، لقد حصن الرئيس اللجنة التأسيسية للدستور كيما يضمن عدم قدرة القضاء على حلها كسابقتها، حيث تم تشكيلهما بشكل عبثى على أساس المغالبة ووفقاً لهوى تيار بعينه يسعى لإعادتنا سنوات طويلة للوراء، كما حصن مجلس الشورى – الإخوانى -أيضاً كيما يضمن سيطرته على الصحف الحكومية لتتضافر جهودها مع التليفزيون الحكومى فى استكمال الرسالة التغييبية التضليلية التى يقدمونها للشعب فى ظل وجود وزير إعلام إخوانى ونقيب صحفيين إخوانى وفى ظل السعى المستميت لأخونة كل شيئ فى مصر حتى الهواء الذى نتنفسه. لقد أسقطت الجماهير الغاضبة نظام مبارك وكسرت جهاز أمنه الدموى، كل ذلك بشكل سلمى عظيم ، ولن يرهب الشعب خروج هذه الجحافل من الروبوتات البشرية التى تنفذ ما يملى عليها بلا تفكير وبلا أدنى قدرة على إعمال عقولها والتى تتعدى بالضرب تارة والتكفير والتخوين تارة أخرى على من يعارضون قرارات مكتب الإرشاد التى صدرت بتوقيع رئيس البلاد، وللأسف الشديد مايزال جهاز الأمن يمارس نفس دوره العقيم فى حماية السلطة وقمع الشعب ، فها هو يدين بالولاء الآن للجماعة فنجده يحمى مقراتها ويهاجم معارضيها، و ماتزال المعارك تدور فى ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر بين الأمن وبين المتظاهرين ،وذلك فى أجواء تشبه إلى حد كبير تلك التى سبقت ووسمت جمعة الغضب فى 28 يناير 2011 والمحزن فى الأمر أن دماءً حرة جديدة تسيل بلا سبب سوى المعارضة لنظام فاشى استبدادي يسعى لاختطاف البلاد وسجنها داخل بوتقة الإخوان وحلفائهم من تيارات تتخذ من الدين ستاراً تدغدغ به مشاعر الجماهير ،وتسعى للإجهاز على وجه مصر الذى تشكل عبر آلاف السنين والذى يطبع بأحرف من بهاء على صفحة الزمان. إن الرهان الآن على كافة تيارات وقوى الشعب للتضافر والتوحد ونبذ الفرقة والوقوف ضد تنفيذ هذه القرارات الهمايونية الفاشية التى تريد أن تدخلنا إلى نفق مظلم لن نستطيع الخروج منه، كما أنها ستتسبب فى إراقة المزيد من الدماء،بلا سبب سوى النزعة الاستحواذية الانتهازية لفصيل من فصائل المجتمع يريد أن يختطف تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا. إن ترك مصر لقمة سائغة فى فم هذا الفصيل ليفعل بها ما يشاء، يعد خيانة عظمى للتاريخ وللحاضر وللمستقبل، ولو أننا فعلنا ذلك فلن تسامحنا الأجيال القادمة على هذه الردة ولن تغفر لنا صمتنا و تراخينا. Comment *