درس مستفاد نهديه إلى "قصر الاتحادية" " لماذا تفشل الدول؟ " عنوان واحد من الكتب المهمة.. بل الكتب التأسيسية الصادرة فى ربيع عام 2012 الحالى. لماذا تفشل الدول؟ إلى هذا العنوان أضاف المؤلفان عبارة فرعية عن "أصول وجذور السلطة (المَنَعة) والرخاء و.. الفقر" بعيد عنك بطبيعة الحال. مؤلفا الكتاب هما البروفيسور "دارون أسيموغلو" (وهو بداهة من أرومة تركية) ويعمل أستاذاً لعلم الاقتصاد فى معهد ماساشوستس الشهير للتكنولوجيا.. (حيث يعمل أيضاً – وبكل فخر المثقف اليهودى الشريف البروفيسور "نعوم شومسكى")، وقد شارك أيضاً فى تأليف هذا الكتاب الحافل (529 صفحة) البروفيسور "چيمس روبنسون" أستاذ أصول الحكم فى جامعة هارڤارد الكلية الاحترام. وسط القضايا العديدة التى تناولتها فصول الكتاب المذكور نكاد نلمح خيطاً لا يخطئه العقل ولا رشد التحليل.. وهو خيط يقول بالفم المليان: - عديدة هى عوامل وأسباب فشل الدولة (وفشل نظم الحكم وأهل الحكم عبر التاريخ). لكن يأتى فى مقدمتها سوء تقديم المشورة.. وتدنّى مستوى المستشارين.. إلخ. عن المشورة والخيبة نحن إذن عند الجانب الآخر.. المضاد بكل المقاييس للمقولة الشائعة فى تراثنا العربى- الإسلامى المضئ وهى: * ما خاب من استشار. لكن إذا كان المستشار ذاته يتمتع بقدر غير محسود من الخيبة.. من ركاكة الضحالة ومن غياب الخبرة أو القدرة على وزن الأمور.. تصبح المقولة – للأسف- هى أن يخيب على طول الخط من ترمى به حظوظه الهباب إلى حيث يوجد مثل هذا.. المستشار. والحق أنك تستعيد مقولات هذا الكتاب الرصين.. فلا تملك – أعزك الله- سوى أن تطبق هذه المقولات على ما آلت إليه أحوال وطنك المصراوى الذى طوحت به المقادير إلى حيث مركز صنع القرار- إن كان يُصنع حقاً- فى قصر"الإتحادية" إياه من ضاحية مصر الجديدة حيث يقبع رئيس الدولة المنتخب السيد محمد مرسى محاطاً بذلك الرهط المحظوظ من مستشاريه. ولن نزيد فى هذا السياق تفصيل الخيبات المتلاحقات التى صدرت عن القصر الرئاسى المنيف. * يكفى أن تستعيد إلى الذاكرة الممرورة ملحمة إعفاء النائب العام من منصبه الرفيع المحاط بألف سياج من حصانة القضاء على نحو ما تم تدوينه وتقنينه فى مختلف الأعراف القضائية التى تؤكد مبدأ فصل السلطات.. ومنذ كتاب العم الفرنسى القديم البارون "تشارلس مونتسكييه" الصادر فى عام 1740 للميلاد والمترجَم بمعرفة العم الأزهرى الصعيدى اللماح رفاعة الطهطاوى منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر بعنوان: "روح الشرائع". * ويكفى أن تستعيد نفس الذاكرة حكاية الرسالة الرئاسية التى استمتع بقراءتها الذئب الصهيونى العجوز شمعون بيريز وخاصة حين طالع فقرات الود المشبوب والصداقة اللاهبة وعبارات أهل المحبة القادمة من أهل مصر وعلى لسان وقلم وبتوقيع رئيسها الهمام المرسى محمد، بناء على نصائح فادحة الخيبة من حيث المعنى وبالغة الركاكة من حيث المفهوم السياسى.. وهى خيبة بدأت مع دوائر الخارجية المصرية واكتمل تفاهتها بين أروقة الاتحادية ومكاتبها الفاخرة الرياش لتعكس خيبة كل هذه الأطراف فى توجيه رسالة بروتوكولية واضح أنها كانت – المسكينة- ترجمة حرفية ممجوجة وعرجاء عن نص أجنبى فيما عابتها سلسلة من الأخطاء النحوية التى لا تليق بتلميذ خائب فى المدرسة الإبتدائية. و.. مجلس الوزراء أيضاً وإذا كان حديثنا قد انصبّ على منتوجات الرئاسة فى مصر المحروسة.. فقل الشئ نفسه عن قرارات تصدر عن مجلس الوزراء بغير دراسة متأنية ولا إدراك واستشراف لما عساه ينتج عن اتخاذ قرارات فى حجم وخطورة إغلاق المحلات فى العاشرة مساء.. دون حساب دقيق أو بمنهج علمى وتقييم موضوعى لعواقب الأمور من حيث احتمالات بطالة العاملين أو تردّى حالة الأمن أو تضييق أرزاق أصحاب الدكاكين أو التأثير على شبكة المواصلات العامة.. إلى آخر ما ينجم عن مثل هذه القرارات من نتائج لا يشفع فيها أن ثمة هدفاً يبدو إيجابياً ويتمثل فى الحد من استهلاك الكهرباء. * لماذا تفشل الدول إذن؟ لأن من عوامل فشلها أن ليس ثمة مؤسسات محترمة ولها خبرتها العميقة ومراسها الطويل بالقضايا والمشكلات التى تعرض لأدوات الحكم وصولجان السلطة. وبديهى أن أى دارس محترم لعلوم السياسة وأصول الحكم يعرف أن القرار الإستراتيجى فى الدولة الحديثة – المحترمة بعد إذنك- إنما يجتاز مراحل شتى.. قد تبدأ بمرحلة "هندسة" القرار فى مؤسسات البحث العلمى (بروكنغز وزميلتها راند الأمريكيتان نموذجاً) وبعدها يتحول القرار إلى حيز "التصنيع" داخل مؤسسة الرئاسة (مجلس الأمن القومى.. داخل البيت الأبيض نموذجاً) إلى أن يصل القرار ناضجاً وراشداً قدر الإمكان إلى حيث يتم "اتخاذ" القرار من جانب صاحب الولاية المشروعة دستورياً وهو رئيس الدولة بطبيعة الحال.. بعيداً عن الدهولة والارتجال أما شُغل الهرولة.. والدهولة.. والإرتجال.. وحكاية التعويل العاجز الأحمق الأخرق على السوابق والتقاليد والتمحك فى عبارات من قبيل "ربنا يسهل" أو "الستّار هو الله" .. فتلك عبارات قد تصلح للنقش على شاحنات الصعيد أو تاكسيات الأقاليم ولكنها يمكن أن تؤدى بالوطن إلى داهية وتجعله فرجة لمن يسوى ومن لا يسوى. أخيراً.. وتلك همسة مخلصة والله العظيم فى أذن السيد محمد مرسى: * فى عقد الستينات.. وما أدراك طبعاً.. صدرت قرارات جمهورية ورسمت سياسات ولكنها كانت تخضع فى أغلبها للفرز والترشيد والتمحيص.. لماذا؟ * لأن الستينات.. وما أدراك أيضاً، شهدت – بعد إذنك- نشاط ونضالات مكاتب وإدارات فنية كانت تشكل – بالمصادفة- هيكل رئاسة الجمهورية (الاتحادية حالياً) مابين مكتب الممثل الشخصى لرئيس الجمهورية (حسن صبرى الخولى) ومكتب شئون الإعلام (حسنى الحديدى) ومكتب الشئون العربية (فتحى الديب) ومكتب شئون اللاجئين (حسن رأفت) عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، ثم مكتب الشئون الإفريقية الذى كان يرأسه – بكل اعتزاز ونحن نتذكره الأستاذ محمد فائق متعه الله بالصحة وأسعد أيامه وأجزل عطاءه للوطن حيث لا يزال عبير هذا العطاء ناشراً أريجه فى جنبات القارة الأفريقية ولا أدل على ذلك من أن يؤكد رئيس أوغندا مؤخراً أن مصر بعد عبد الناصر انتهى دورها فى أفريقيا.. وأن يصادف مواطن مصرى مقيم فى غينيا – من أعفوه من صف الجوازات لمجرد أنه من مصر ومن بلد عبد الناصر على نحو ما جاء فى موضوع صحفى منشور خلال أيام عيد الأضحى. شهادة بحق قاهرة الستينات كان هؤلاء الرجال يعملون ليل نهار، ويجودون بأغلى ما عندهم من جهد وخبرة فى صمت جليل ودون ضجيج أو أضواء أو فلاشات.. وطبعاً بغير حاجة إلى مسلسل التراجعات والتبريرات أو الاعتذارات. لا يملك كاتب السطور سوى أن يعترف بكل اعتزاز وطنى أنه كان واحداً من هؤلاء خبيراً شاباً فى مكتب الشئون العربية.. لهذا شهَدْت أيام الستينات – وما أدراك- مكانة نعمت بها القاهرة وقد وصفها الأكاديمى الكندى البروفيسور ويليام کليڤلاند بأنها عاشت حقبة الناصرية التى لا يمكن تفسيرها بتعداد الإصلاحات الاجتماعية أو اندفاعات السياسة الخارجية.. بقدر ما أن الناصرية كانت شعوراً غامراً وإحساساً مثيراً يدفع إلى الأمل فى مستقبل عربى جديد.. وبحيث اكتسبت مصر (وقتها) قدراً ملحوظاً من كرامة الاستقلال بحيث أصبحت محل حسد ونموذجاً ينبغى إحتذاؤه من جانب الآخرين (صفحة 302و303 من كتاب "تاريخ الشرق الأوسط الحديث"). أخيراً نبادر كى نؤكد أن ليس المطلوب اجترار الماضى.. بل المطلوب وعى دروسه المستفادة بكل سلبياتها وإيجابياتها.. المطلوب ترشيد "الاتحادية" وغربلة مستشاريها قبل فوات الآوان. Comment *