سهى بشارة، مناضلة لبنانية عشقت المقاومة فقررت أن تعيش وتكتب من أجلها، كان يمكنها أن تكون مهندسة ناجحة أو مدربة رياضية أو حتى مجرد سيدة عادية، لكنها قررت أن تعيش من أجل المبدأ وتضحي من أجله. اسمها الكامل سهى فواز بشارة من بلدة "دير ميماس" في الجنوب اللبناني، ولدت عام 1967 لأب عضو في الحزب الشيوعي اللبناني.. نشأتها في الجنوب اللبناني جعلتها تعتاد العيش في أجواء الحرب، كانت شاهدة على بداية الحرب في لبنان وهي في السادسة، تسمع وتشاهد الطائرات الإسرائيلية أثناء قذفها المواقع الفلسطينية. عاشت تفاصيل الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما، التي تشردت فيها مئات الآلاف من الأسر اللبنانية ومن بينهم أسرتها التي هاجرت إلي بيروت.. وهناك كانت البداية الحقيقية لاشتراكها في العمل المدني والثوري حيث انضمت لاتحاد الشباب الديمقراطي وانخرطت في الدفاع المدني الذي نظمه الصليب والهلال الأحمر وبدأت تضميد الجرحى والسهر على راحتهم . وبعد السنوات التي عاشتها في بيروت وتعلمت فيها الكثير من أساليب المقاومة فضلت العودة إلي الجنوب اللبناني لتكون عينا للمقاومة, وفي هذا الوقت بدأت تحدد "أعداءها الثلاثة" رجال الأمن - جيش لبنان الجنوبي والإسرائيليون والعدو الثالث والأهم هو " أنطوان لحد" القائد الأعلى للميليشيا اللبنانية الموالية لإسرائيل". عام 1982 انضمت سرا إلي الحزب الشيوعي اللبناني، وكانت تتابع أعداءها الثلاثة بدقة شديدة محاولة التخفي في براءتها وبساطتها إلى أن كلفها الحزب باغتيال عميل الجيش الإسرائيلي " أنطوان لحد". كانت سهي بشارة تعمل مدرسة للرياضيات في بيروت وفجأة تركت عملها وتوجهت للشريط الحدودي المحتل لتعمل مدرسة لرقص البالية, وكان الدافع الحقيقي لقرارها الشروع في الإعداد لاغتيال " لحد". نجحت في بناء علاقة قوية مع أسرة لحد خلال عملها بالقرب منهم حتى أصبحت صديقة مقربة من زوجته فيكتوريا، وفي يوم الاثنين 7/ 11/ 1988 دعت زوجة الجنرال سهى لتناول الشاي، واستمرت الزيارة حتى الثامنة, عندها وصل لحد وظلت سهي تتحاور معه حتى جاءت لحظة اغتياله، ولم تتردد في أن تشهر مسدسها في وجهه موجهة ضده ثلاث رصاصات حتى نقلته طائرة خاصة ليعالج في إسرائيل. تم اعتقال سهى من جانب قوات لحد التي سلمتها للقوات الإسرائيلية، وظل لحد يعالج في المستشفيات الإسرائيلية وخرج مصابا بالشلل التام وغير قادر على الكلام. وانتقمت القوات الإسرائيلية, فبدأت بتشريد أهلها وهدم منزلها واعتقال والدتها، وظلت علي مدار عشر سنوات سجينة بمعتقل الخيام تعاني الآلام الجسدية والنفسية لكنها تحملتها وقدمت هذه السنوات فداءا لبلدها وللأمة العربية . بعد خروجها من المعتقل عام 1998 قررت أن تكتب مذكراتها مع المقاومة وما عانته في معتقل الخيام فأصدرت كتابها "مقاومة"، والذي لم يكن سجلا لحياتها فقط بل كان سجلا لتاريخ المقاومة اللبنانية التي ساهمت فيها بشكل كبير. في كتابها "مقاومة" أمعنت سهى في وصف معتقل الخيام وظروف الحياة به والانتهاكات المريعة التي حدثت فيه، وحكت ما تعرض له جميع السجناء من التعذيب والإفراط في القسوة في معتقل وصفته بالجحيم.. وكان كتابها دافعا للكثير من الأدباء ومحرضا لهم علي الكتابة في أدب المقاومة حيث اعتمدوا عليه في كتاباتهم واستقوا منه الكثير من قصص المعتقلين. ولأنها تعشق المقاومة لم تكتف بكتابها "مقاومة" بل تابعت مسيرتها في كتابة الأدب المقاوم بكتابها الأخير "أحلم بزنزانة من كرز" تحاول فيه التقاط أيام أسرها واستعادة ذكرياتها في السجن، ونجحت في أخذ القارئ في رحلة طويلة إلي حياة النساء المعتقلات وأحلامهن ومعاناتهن.. هكذا وبرومانسية شديدة تحلم المناضلة اللبنانية أن تعيش في "زنزانة من كرز" وكأن الكرز يحول الزنزانة إلي جنة أو عالم يمكننا أن نعيش آدميين فيه. Comment *