تخفض بنوك أمريكية وأوروبية كبرى أعداد موظفيها في الوحدات المصرفية الاستثمارية بالشرق الأوسط إذ أن ندرة الصفقات وحاجتها لخفض النفقات تغطيان على الإمكانات الواعدة للأسواق الناشئة. وقد خفضت عدة مؤسسات من بينها دويتشه بنك وكريدي سويس ونومورا هولدنجز اليابانية أعداد الموظفين في فرقها المصرفية الاستثمارية بالمنطقة في الأسابيع القليلة الماضية. وكانت تخفيضات الوظائف في بادئ الأمر لصغار المصرفيين لكن الجولة الأخيرة شملت مديرين من بينهم رئيس العمليات المصرفية الاستثمارية لدى نومورا في دبي. وقال مصرفي كبير في دبي طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى الإعلام "سنشهد مزيدا من الانكماش في مجال الأنشطة المصرفية الاستثمارية في الشرق الأوسط في العامين المقبلين. هناك كثير من المصرفيين يحاولون الفوز بنفس الصفقات في سوق لا تكاد تنمو". وتأتي التخفيضات الأخيرة بعد خطوات مماثلة لبنك أوف أمريكا وروتشيلد في وقت سابق من هذا العام. وتأتي أيضا بعد سنوات من التوسع المتسارع حيث شكلت البنوك الأجنبية فرقا كاملة للأنشطة المصرفية الاستثمارية لاسيما في المركز المالي الرئيسي في دبي في ظل إغراء الإيرادات النفطية التي تنفقها صناديق الثروة السيادية والشركات المدعومة من الحكومة في المنطقة على الاستثمارات الخارجية. وقد قوضت الأزمة المالية العالمية عام 2008 تلك الآمال العريضة وأضرت بشهية المستثمرين وتضررت المنطقة بشدة من انخفاض أسعار النفط وهبوط سوق العقارات. وتعافت أسعار النفط بعد ذلك لكن منذ اندلاع ثورات الربيع العربي العام الماضي أصبحت بعض الصناديق السيادية تضخ مزيدا من أموالها في الداخل مع تركيز الحكومات على تطوير اقتصاداتها المحلية لتخفيف السخط الاجتماعي. وفي غضون ذلك أدى انعدام الاستقرار السياسي في شمال افريقيا إلى عزوف بعض المستثمرين عن إبرام صفقات هناك ولو لفترة مؤقتة. ونظرا لأن البنوك العالمية تواجه قلة في الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وأزمة ديون في منطقة اليورو وتشديدا للقواعد التنظيمية في بلدانها فقد صارت أقل صبرا مما كانت في سنوات الازدهار. وولى الزمن الذي كانت فيه مقرات البنوك في نيويورك ولندن تدعم أنشطتها المصرفية الاستثمارية في الشرق الأوسط وأصبح التركيز على تحقيق الإيرادات وخفض النفقات. لكن قطر استثناء من هذه الأجواء القاتمة في الخليج إذ أنها تعزز بقوة استثماراتها الخارجية من خلال صندوق الثروة السيادي والكيانات المرتبطة بالدولة. وأنفقت الدولة الخليجية الصغيرة مليارات الدولارات هذا العام لشراء حصص في شركات كبيرة مثل إكستراتا للتعدين ورويال داتش شل والمجموعة الإعلامية الفرنسية لاجاردير. لكن قطر وحدها لم تكن كافية لتنشيط السوق الإقليمية. فقد بلغت رسوم الأنشطة المصرفية الاستثمارية في الشرق الأوسط 234.8 مليون دولار في النصف الأول من 2012 بزيادة خمسة بالمائة عن مستواها قبل عام لكن بانخفاض شديد عن نحو مليار دولار حققتها البنوك خلال فترة الازدهار في 2005 و2006 بحسب بيانات تومسون رويترز . ويقتسم حصيلة الرسوم 20 بنكا عالميا عينت مصرفيين كبارا لاجتذاب أعمال في المنطقة أو نقلتهم من أماكن أخرى. ونقلت البنوك عددا من كبار موظفيها إلى مقراتها أو إلى مناطق فيها فرص أفضل. وهناك مصرفيون آخرون يستقيلون من تلقاء أنفسهم لتأسيس شركات بمفردهم أو للانتقال إلى مراكز مالية أكثر جاذبية. ويأمل المصرفيون أن يتزايد نشاط الصفقات في السنوات المقبلة مع عودة الاستقرار السياسي إلى الشرق الأوسط تدريجيا بعد الربيع العربي وحين تظهر مؤشرات على حل أزمة ديون منطقة اليورو .لكن المصرفيين الأمريكيين والأوروبيين الذين يتنافسون على الصفقات المستقبلية ربما سيقومون برحلات من مقراتهم في الخارج إلى المنطقة بدلا من العمل في دبي أو مراكز أخرى في الشرق الأوسط Comment *