تفاعلت كثيرا مع حملة “معا نصلى” التى انطلقت ردا على مجزرة الاسكندرية ، وإنفعلت بكل معنى يؤيد حق كل مصرى فى الشعور بالأمان والأمن ، لم أنفعل بها فى إطار حملة إعلامية كلامنجية تحمل شعارات .. “حبّوا بعض..بوسوا بعض“ التى تبنتها وسائل الإعلام على مدار السبعة أيام اللاحقة للحادث، ولكن أردت النزول ومشاركة المصريين المسيحيين صلواتهم لأنى أعتقد بأننا “مصريون” ضحايا نظام قصّرَ فى أداء كل فروض وواجبات الأمن الإجتماعى والشخصى للمواطن المصرى أيا كانت ديانته.. بل وبذل حياة وكرامة وأمن كل مواطن فى مقابل الأمن السياسى لهذا النظام . أردت أن أشارك بتلك الروح وذلك المعنى.. وهو أن السبيل الوحيد لدرء كل الفتن هو الإجتماع على محاسبة ذلك النظام بقهره وظلمه واستغلاله . ولكن بمكالمة هاتف باكية ومستغيثة ..غيّرت كل الخطط ، حيث كانت إحدى عاملات مستشفى الشاملة كما يطلقون عليها (مجمع عيادات تخصصية شاملة تابعة لوزارة الصحة) من ال 55 عاملة اللاتى أعلنّ إعتصامهن منذ اليوم الأول للعام الجديد بعد أن كشفت إدارة المستشفى عن خططها فى التخلص منهن كعمالة مؤقتة فائضة عن الحاجة بعد أن تجاوز عدد منهن ال25 عام من العمل بالمستشفى ما بين كتبة وإداريين وعمّال .. تعللا من الإدارة بأعمال التجديد بالعيادات .. وتصريحا من المدير للعاملات -على حد قول إحداهن- بأنه يريد أن يقوم بتعيين موظفات “مُزز” بعد أن تعاقد مع شركة حراسات مدنية لتحل مكان زملائهن من عمّال الأمن بأجور مضاعفة يصرفها من صندوق تحسين الخدمات المسئول عن تمويل أجورهم ... كنت أتابعهن هاتفيا على مدار اليوم وفق مقتضيات عملى فى مجال حقوق النساء العاملات .. ولكن مع غروب وشتاء ليل الأربعاء القارص –اليوم الخامس من الاعتصام- وتعرض أحد زملائهن لأزمة قلبية كادت أن تودى بحياته لإمتناع ومنع إدارة المستشفى إسعافه ..شعرن بكامل اللاحول ..واللاقوة..واللاقيمة ..وضياع أملهن فى فرصة عمل كنّ راضيات بأجرها الذى تدرج من 35 جنية إلى 200جنيه ومحتملات لساعات عملها الشاقة والتى تتجاوزالسبع ساعات يوميا فى أحيان كثيرة .. وبإنتهاء المكالمة شعرت بأولوية الذهاب لهن والتنازل عن كافة الخطط الأخرى او امكانية الجمع بينهما ..فسوف أذهب فى الصباح وأعود مع الغروب لألحق بصلاة الميلاد ، فأحيانا يكون هذا القادم من أضواء ودفئ القاهرة –مهما كانت قدراته وإمكانياته الفعلية فى الدعم والمساندة – يمثل نوع من أنواع الدعم لهن .... حسنا ..لأذهب وأسمعهن وأشد أزرهن وأعدهن بعمل كل ما فى وسعى للنشر والإعلام بحالهن كنوع من الضغط والفضح لممارسات إدارة المستشفى ومديرها الذى كان يعلنها بصلافة وإستقواء عند إستغاثتهن وحلفانهن عليه بدينه وإنسانيته :”أنا اسرائيلى ..ومهما عملتوا لا وزير الصحة ولا رئيس الجمهورية هيعملكم حاجة “.. وشاءت ظروف الطريق وجهلى بأفضل وسائل السفر لكفر الدوار أن أصل مع غروب الخميس “ليلة الميلاد” .. حسنا لن أستطع اللحاق بليلة الميلاد فى القاهرة ..ولكن لأقم بواجب أؤمن بأنه بنفس الأهمية .. وهناك الكثير من زملائى سيؤدون الصلاة عنى .. أمام بوابة المستشفى التى تم غلقها بجنزير علمت بعد ذلك أنه تم شراءه خصيصا لغلق البوابة على من فيها من المعتصمات ..برد قارص وإظلام تام حيث لاحظت إنطفاء أعمدة النور فى الشارع العمومى المقابل للمستشفى ..وعلمت بعدها أيضا أنه تم إطفاءها خصيصا تنكيلا وتضييقا على المعتصمات ..ولم أفهم كيف وصلت سطوة إدارة المستشفى لإطفاء أنوار الشارع إلى جانب ما أمر به من إظلام لأضواء مبنى المستشفى أيضا .. لم يظل تساؤلى الحائر –والساذج أيضا- بلا إجابة طويلا بعد أن علمت بقدوم ثلاثة من أعضاء المحليات بليل أمس للضغط على العاملات بفض الإعتصام وقبول واقع أمرهن برضا وتسليم .. أعداد منهن خلف البوابة المجنزرة.. حبيسات فناء المستشفى ..وأعداد أخرى فى الخارج ممن خرجن ومنعن من الدخول مرة أخرى إلى جانب عدد من أزواجهن وأولادهن الذين أتوا وَنَسَاً ودعما لزوجاتهن وأمهاتهن ليلا..ومن بعيد عند مدخل المبنى -حيث يساندهن موظفى المستشفى بإضاءة نور المدخل ليلا خلسة بعد انصراف الجميع- إفترشن عدد من الأغطية علمت أنها كل ما يملكونه فى بيوتهن ليستعن بها على قسوة البرد ليلا ... ..... لفت إنتباهى الشديد أحدهم وقد تجاوز الستين ببضع أعوام يستعين بعكاز للوقوف علمت بعدها من كلمات زوجته بأنه جاء مؤازرة لزوجته إحدى العاملات المعتصمات ذات ال 58 عاما دفاعا عن وظيفتها ذات 160 جنيها التى كانت تساند بالكثير بجانب ما يحصل عليه من معاش ضمان إجتماعى لعجزه ومرض قلبه أملا فى إتمام جهاز أخر بناتهن ..ليمت بعدها هو وزوجته راضين وهانئين .. على حد قولها .. حيث إكتفى بكلمات زوجته عن حالهم وإهتم بأن يوجه ناظرى لما هو أبعد حين قال : يا أستاذة.. المستشفى دى كانت ملجأ الغلابة ..اللى مش لاقيين حق العلاج والدوا ..كان فيها دكاترة وممرضين طيبين وحنينين .. نقلهم المدير للمستشفى الميرى (مستشفى كفر الدوار العام) ومن شهور بيتلكك بتجديد العيادات ... وبرغم ان تجديدها خلصان من فترة لكن بيماطل فى تشغيلها من تانى... يا أستاذة ..الدكتور ده بنى قريب من هنا مستشفى جديدة هو شريك فيها ..مستشفى خاصة هو وشُرَكاته دكاترة تانيين .. ومستخسرين المستشفى دى تفضل للغلابة .. تلعثمت كلماته ..وإستعان بمحاولة التربيت على يدى ليطمئن بوصول ما يريد أن يعبر عنه ...ليخبرنى أن القضية أكبر من مجرد عاملات خسرن وظائفهن .. وما كان منى إلى أن أجبته ..أنا فاهمة يا حاج .. من غير ما تقول ... وعلى أضواء خافتة تأتى من مبنى المستشفى بعيدا أضاءها بعض الموظفين تضامنا مع زميلاتهم ،ومع عدد من كشافات الموبايل إستطعت أن أرى وجوههن وقد أعياها قسوة البرد وألم الإحساس بالقهر والضعف ،وإعتلاها نظرات التفرس الحائر حول إمكان ذلك القادم فى دعمهن ومساعدتهن ، وتشبثت أيديهن بخوف برئ باطنه الغضب بحديد البوابة وبالكثير من الأوراق المطوية والمنهكة كوجوههن .. علمت بعدها أنها صور عن عقود عملهن المتتالية على مدار سنوات عملهن ،وشكاوى أرسلنها لوزير الصحة “الأب والإنسان” كما وصفنه لإغاثتهن وإحقاق حقهن ..ولكن ..لا مجيب ..فبحكم القانون وعقودهن التى بالكاد يستطعن فهم بنودها .. هن عمالة مؤقتة ..يستطيع صاحب العمل لأى أسباب يرتئيها أن ينهى صفة عملهن .. دون أدنى حقوق أو ضمانات لهن ... كتلك العاملة التى استبدلت وهن جسدها وصوتها وإنحناء قامتها الشديد بيدها المتشبثة بذراعى من خلف حديد البوابة جاهدة لتلفت انتباهى إليها وسط تدافع باقى زميلاتها ... ولم أفهم بداية سبب ذلك الإنحناء إلا بعد أن أخبرتنى بأنها تعمل ك “غسالة” بعد أن تعطلت ماكينات غسل الشراشف والملائات .. حيث قضت أعوام تغسل بيدها إلى أن جاء يوما سقطت إعياءا ....وعلى حد قولها : وِقِعت فى يوم ...قالولى روحى استريحى ولما تبقى كويسة تعالى ...صدقتهم .. ولما خفيت ورجعت ..قالولى خلاص ملكيش شغل .. وتتسائل بدمعاتها: .. طيب قالولى استريحى ليه ...ويخسرونى لقمة عيشى ..والنبى يا بنتى قوليلهم يرجعونى أو شوفيلى شغلانة أعترف بإرتباكى فى بداية الأمر .. فبجانب إدراكى لتلك الحقائق القانونية التى لا يعلمن عنها شيئا ..فسوء أوضاعهن فاق توقعاتى ..ونظرات أعينهن بقدر ما فيها من استغاثة وطلب للعون ..بقدر ما حاصرتنى وأشعرتنى بالضآلة والضعف أمام قوة صمودهن وجرأة قرارهن بالإعتصام مقارنة بأوضاعهن الإجتماعية والصحية ... ولكن جاهدت فى التغلب عليه كى أكون على قدر توقعاتهن ..وساعات إنتظارهن .. كنت أنوى الإستماع لهن وتدوين وكتابة الملاحظات والمعلومات ..إلى جانب ما أمدونى به من أوراق ، ولكن مع ذلك الإظلام الغير متوقع قررت فتح مسجل الهاتف وأطلق العنان لكلماتهن وصرخاتهن ..حيث أدركت لوهلة أن مجرد شعورهن بأن هناك من يسمع ويهتم ويؤازر ولو بكلمات يعنى لهن الكثير ..حتى وإن كان خالى الوفاض من أى قدرة على المشاركة فى حل أزمتهن .. على مدار الساعة والنصف ..كلمات بللتها الدموع ..وأصوات بُحت بفعل البرد وغصة الإحساس بالظلم والهدرعلى مدار الأيام الخمس ... قاربت على الإنتهاء من مهمتى ...فبادرتنى إحداهن بالسؤال الصادم : إنتى سمعتى مننا كل الحاجات وخدتى مننا صور “العقودات” وشفتى حالنا ..هتقدرى تعمليلنا حاجة ؟؟؟ .. وعلى غير عادتى فى مثل تلك المواقف والأسئلة التى أواجهها بمقتضى عملى فلم أكن على مستوى الحذر والدقة اللازمين للإجابة ..وتركت العنان لكلماتى وكأنى أيضا كنت فى حاجة إلى من يسمع ... وبوصف أدق كنت فى حاجة لإستماعهن . .. أنتوا عارفين إنى تبع جمعيات حقوق الإنسان ..والجمعيات دى ناس زيها زيكم ...يعنى مش تبع الحكومة ..ولا ليها كلمة على إدارة المستشفى ومتقدرش تتطلع قرار يحل مشكلتكم .. لكن اللى بنقدر نعمله إننا نوصل صوتكم ومشكلتكم للجرايد والتليفزيون علشان المسئول اللى مش سامع أو عامل نفسه مش سامع يبقى مضطر أنه يُرد ويشوف حل لمشكلتكم ... وعشان كمان الناس اللى فى نفس مشكلتكم وفى حتت تانية يعرفوا ويتعلموا كمان ازاى يدافعوا عن حقوقهم .. وانتوا اللى بإيديكم القرار إن حقكم ييجى أو لا.. مش إحنا ... واللى أنتو عايزينه إحنا ملزمين نقف جنبكم فيه عشان تحققواه ..وإيدينا على إيديكم هتساعد .. لكن المشكلة التانية كمان إن وقت إعتصامكم جه مع حادثة تفجير الكنيسة فى اسكندرية ..والدنيا كلها مشغولة بما فيهم الإعلام والصحافة .. و...... بادرن كلهن بالمقاطعة دفعة واحدة ولم أفهم فى البداية مغزى المقاطعة ..وتوقعت كلمات لائمة وخيبة أمل من كلماتى ..لكن بعد أن طلبت منهن الهدوء لأفهم ..فتكلمت إحداهن : إحنا عارفين والله ..وإدايقنا لما سمعنا الخبر..ده حتى إحنا كان معانا تلاتة من زمايلنا فى نفس مشكلتنا معتصمين معانا ..وأصرينا إننا نمشيهم إنهاردة علشان دى ليلة العيد عندهم .. على الرغم إنه مكانوش عايزين يمشوا وعيطوا ..وإحنا قلنالهم إحنا قاعدين مكانكم ..متخافوش..روحوا قضوا العيد مع أهاليكم وبعدين إرجعوا.. ده من ساعة ما ابتدينا الاعتصام وهم معانا برغم ان الأسيس جالهم وقالهم ميشاركوش فى الاعتصام عشان القلق اللى عندهم بعد حادثة اسكندرية ..وهم اللى رفضوا ..وقالوا احنا قاعدين مع زمايلنا عشان لقمة عيشنا .. وكملوا معانا لحد انهاردة ... وإسترسلت أخرى ... ده حتى ساعة أما زميلنا وقع والإسعاف مكانش راضى يجيلنا عشان أوامر مدير المستشفى ..اللى نجدنا واحد زميلنا مسيحى كان شغال معانا ..وشغال دلوقتى على عربية اسعاف فى مستشفى تانية ..هو اللى جالنا اول اما اتصلنا بيه وإحنا بنصرخ ...ومخافش ان عيشه يتقطع ..وعندما سألتهن عن إسمه ترددن فى البداية خوفا من أن يشكل ذلك ضررا عليه ....... برغم كل الآلام والمعاناة والمهانة والظلم ...إلا أنهن ملكن الإجابة الشافية لذلك التساؤل الطفولى والحيرة الساذجة التى كنت فيها ... أروح أصلى مع اخواتى فى الكنيسة ...ولا أروح كفر الدوار؟؟؟ فهؤلاء العاملات .. هن من ذهبن حقا للصلاة مع إخوانهن وأخواتهن فى الكنيسة بإعتصامهن فى ذلك الفناء المظلم البارد ..ذهبن للصلاة فى كنيسة المقاومة للظلم والقهر .. هن من إخترن حماية ظهور أخواتهن فى معركة الدفاع عن لقمة العيش والحق فى عيش كريم ..كى يتمكنّ من الصلاة والتقرب لربهم وطلب عونه ومدده فى ليلة الميلاد .. هن من رفعن بحق شعار ..”معا نصلى ..معا نقاوم ” منظومة ظلم وفساد حرمتهن معا الحق فى الإحتفال معا والصلاة معا فى دفئ بيوتهن .. وأمان على عيشهن الذى إرتضين أقل قليله .. .. ومع إبتعادى عن البوابة ووداعهن ..مع كلمة “متنسيناش يا أستاذة“ .. شعرت بأنى أديت معهن فروض “ليلة الميلاد“. إهداء لروح شهداء كنيسة القديسين لكل مصرى “مسيحى أو مسلم” خرج إحتجاجا ومطالبة بالحق فى الأمن والأمان لروح خالد سعيد ... لروح سيد بلال مواضيع ذات صلة 1. إضراب العاملين في مستشفى كفر الدوار يدخل يومه السادس والمدير يفشل في فضه 2. رحاب إبراهيم تكتب : تساؤلات يرسلها غريب لغريب قراءة في ” لأن الأشياء تحدث ” لحاتم حافظ 3. وقفة احتجاجية لأطباء مستشفى العباسية والعاملين بها الأحد ضد قرار نقلها وهدمها 4. غموض يحيط بوفاة مريضة نفسيا مشنوقة داخل مستشفى الأمراض العقلية بالإسكندرية 5. اعتصام العاملين بمستشفى كفر الدوار يدخل أسبوعه الثاني .. ومنظمات حقوقية تطالب الجبلي بحل مشاكلهم