إن كان كتاب " البغاء الصحفي " قد تعرض لمدائح كتبها عدد من الصحفيين في مبارك وابنه جمال ،وحصلوا مقابلها على المناصب والنفوذ والسفريات فإن ما جرى منذ تشكيل الوزارة الأولى فى دولة "محمد مرسى" إنما يؤسس لمرحلة هى قمة " البغاء" بمفهومنا الذي قدمناه في الكتاب . ولو كنتُ مكان الأستاذ "صلاح عبد المقصود" لرفضت منصب وزارة الإعلام ليس لنقص قدرات لا سمح الله ، ولكن لما اقترفته يداى من تدبيج قصائد المديح ومقالات التبجيل فى الرئيس "مرسى" وما قد يصاحب الموافقة على المنصب من شبهات وتلميحات وغمز ولمز،وبما أننى لستُ فى مكانه،ولا أعرف حجم الإمكانيات المرعبة التى يمتلكها وأهلته لمنصبه واكتشفها الدكتور هشام قنديل فى شخصه ، وجب توضيح الأمور ووضعها فى نصابها الصحيح ، فالسيد "عبد المقصود" يعمل بالصحافة التى هى مهنتى ولم يسبق لى بشكل شخصى أن قرأ ت له تحقيقا أو مقالاً أو كتابا أوبحثاً أو أى شىء يتعلق بالإبداع أوالإعلام بشكل عام ، صحيح انه وصل إلى منصب نقابى وخاض انتخابات نقابة الصحفيين مرات ويصر على إرسال بطاقات تهنئة لكافة الزملاء فى الأعياد والمناسبات إلا أن هذا لا يبرر له حتى إلقاء محاضرات عن العمل العام وتقديم الخدمات النقابية للزملاء فما بالك بمنصب وزير الإعلام ؟! 2 قراتُ السيرة الذاتية للسيد "عبد المقصود" بحثاً عن تلك القدرات التى وجدها "هشام قنديل ومحمد مرسى" فى الرجل فلم أجد إلا ما يزيد الأمر تعقيداً ، فقد عمل بالعديد من الصحف والمجلات (الدعوة المصرية،الاعتصام، المختار الاسلامى ،النور)، وعمل سكرتيراً لتحرير مجلة البشير ومديراً لتحرير مجلة لواء الاسلام ، ثم رئيساً لتحريرها ،رئيس تحرير حصاد الفكر ، رئيس تحرير مجلة القدس ، كما شغل منصب رئيس مجلس إدارة مجلة الزهور النسائية، ، ورئيس مجلس ادارة مركز الإعلام العربي الذى يصدر خمس دوريات صحفية هى (الرسالة – القدس – الزهور – حصاد الفكر – الفرسان).) ومبعث التعقيد فى الأمور أن تلك المطبوعات مجهولة تماماً بالنسبة لا أعرف موقف باقى الزملاء منها ليست لدّى معلومات عن حجم انتشارها وتأثيرها ولا أتذكر شكل أغلفتها أوعنوانيها وإن كنت قد عثرتُ على موقع مجلة "الزهور" النسائية على شبكة الإنترنت ولا أعرف إن كانت تصدر ورقية أم لا؟ وقلت ربما يعرف غيرى ،كما أن هذا ليس مهماً ولا يعيب، فالعمل فى الصحافة ليس المنتهى الذى يؤهل لشغل منصب وزارى على تلك الأهمية، وأكم من كتاب وصحفيين لا يفقهون عن الكتابة أو الإعلام شيئا،ولاشك أن عبد المقصود يحمل سراً أخرلا نعرفه . 3 بعد جهد وبحث عثرت على مجموعة مقالات تحمل كلها اسم الرئيس "محمد مرسى" نشرها عبد المقصود فى مجلة " الزهور " الاليكترونية ، وهذا لايعيب أيضاً فالرجل ( عبد المقصود ) كان متحدثاً رسمياً باسم حملة مرسى الانتخابية وكان واضحاً فى انحيازه الكامل لمرشح الإخوان ،وكان طبيعياً أن تحمل عناوين المقالات هذا المعنى وأن تكون وصلات من الدفاع والتمجيد والتبجيل فى مرسى وذم وقدح وتلسين وتشويه لخصومه (وصل الأمر حد اتهام معارضى "مرسى" فى أحد المقالات بالتبشريين وأعداء الإسلام! ) ، ويكفى أن أضع هنا عناوين بعض المقالات : ( إلى كل المصريين : لا تخافوا مرسى لانه يخاف الله"،" مرسى يدخل القصر بصحبة آمهات الشهداء" ، "وحدووووه .. مرسى هننتخبوووه") ، وأضيف إلى العناوين مائة كلمة فقط من مطولات كتبها "صلاح عبد المقصود " عن مرسى ": قلت فى نفسى: إنَّ مرشحًا لم يطلب الترشُّح ولم يسع إليه، بل دُفع إليه دفعًا يتَّسم بالتواضع، خبير, مُحنَّك , يُؤْثر العمل على الكلام، يقود أكبر حزب سياسي في مصر، وتُسانده كبرى الجماعات الإسلامية ، التي تملك رصيدا فى المجتمع المصري يمتد لثمانين عامًا إن رجلاً بهذه المُواصفات لَجَدير بثقة المصريين تخيّلت لحظة فوز د. مرسي، وإعلان تنصيبه رئيسًا للجمهورية، فقلت في نفسي: سيكون ذلك بمشيئة الله، وأتوقع أن د. مرسي لن يدخل القصر وحده، بل سيكون بصحبة أمهات وآباء الشهداء، الذين صنعوا ثورة مصر، وأشرق فجرها على أشعة دمائهم الذكية ". 4 انتهت المائة كلمة وبصرف النظر عن التعبير الأخير" وأشرق فجرها على أشعة دمائهم الذكية" وغموض معناه ، إلا أن كل ما سبق عادى ولا يمكن محاكمة كاتب حر على موقفه المهني والسياسى ويكفى أن ضميره قد استراح لهذا المرشح ، وأشهد بعد قراءة متأنية للمقالات أن عبد المقصود قاتل دفاعاً عن جماعة الإخوان وعن مرشحها وأتخذ موقفاً نبيلاً فى مساندة " الدكتور محمد مرسى" " منذ ترشحه وحتى تتويجه رئيساً وخاض المعارك بجسارة ، وكنتُ أطمح أن يترفع عن السقوط فى دائرة الشبهات وانتظار ثمن تلك المواقف !، كنتُ أطمح أن يلوح منتصراً لنفسه ولموقفه ولرئيسه الجديد وأن يظل مقاتلا حراً يكيل المديح لمن يراه الأصلح وليس لمن قدم له ثمن مواقفه علناً ! وطالما أنه لم يفعل وقبل المنصب فليسمح لى بتوجيه بعض الأسئلة: قل لى يا أستاذ صلاح :ما هى تلك اللحظة التى يقبل فيها كاتب حر الحصول على مقابل لما يكتب ويتبنى من مواقف؟! وهل كتبت مطولاتك فى " مرسى " ابتغاء رضاه ؟!،ما هى علاقتك بالإعلام وكم مرة جلست أمام قنوات التليفزيون المصرى وكتبت تقريرا عن مستوى برامجها وقدرات مذيعيها ؟! متى انشغلت بالأمر و هل جلست وكتبت خطة للتطوير أم أنهم أخبروك بالاختيار ضمن التشكيل الوزارى بشكل مفاجىء ؟! قل لى يا أخى : ماذا تسمى ما جرى معك ،ومتى يستطيع الإنسان أن يكون على هذا النحو ويبرر الأشياء ويمنحها مسميات غير مسمياتها ؟!،وأعذرنى إن وصفت كل هذا ب"البغاء" ، فالمعنى السطحى للوصف ليس هو المقصود بل تلك الحالة من تمرير الصفقات علناً ، من تلبيس الحق بالباطل والعكس ،من لف السوليفان البراق على جرائم الأخلاق والضمير، أخى صلاح : كيف لم يرجف لك جفن وأنت تقبل هذا المنصب ؟، كيف لم تفكر فيما سيقال وفيما تقرأه الآن؟ كيف لم تشعر بفداحة المسؤلية على رجل لم يمارس الكتابة أويقترب من الإعلام إلا حباً فى الرئيس ومتحدثاً باسم حملته الانتخابية ؟!، كيف سيكون الحال لو أن الدوائر دارت وتم اختيار الكاتب "عبد الله كمال " وزيراً فى دولة شفيق؟! ، كيف يصبح هذا حلال وذاك حرام يارب العالمين؟! ، كيف نبرر لمرسى جرائم التدليس وتوزيع العطايا على المريدين فى أول قرارات رئاسية بعد الثورة ونجد بيننا من يدافع عن ذلك ويبرره ؟!،شىء مذهل ورهيب حقاً إن لم نر شبح دولة جديدة تؤسس لعصر عطايا السلطان وتضليل الرأى العام وتحويل الرؤساء الطغاة إلى ملائكة بأجنحة عصافير !. أما أنت يا سيد "مرسى" فبئس العمل إن لم تر فيما فعلت جريمة أخلاقية تعيد إلى الأذهان عصر أمراء وملوك الفساد الأموى والعباسى حين كان يقف الشعراء والخطباء بأبوابهم انتظاراً للهدايا والعطايا ، وكما يقول الامام محمد الغزالى فى كتابه القيم " سرتأخر العرب والمسلمين " فإنه من المألوف فى سيرة الحكم "الفردى" الديكتاتورى الإغداق على المؤيدين والاتباع ،والُشح والحرمان للمخالفين، وذات يوم وقف "جرير " مادحاً الخليفة " عبد الملك ابن مروان " المؤسس الثانى لدولة بنى أمية وأنشده قصيدته المشهورة التى يقول فيها: ألستم خير من ركب المطايا .. وأندى العالمين بطون راح. فطرب عبد الملك وقال : بلى نحن كذلك خير من ركب المطايا وأسخى الناس،وانفتح بيت المال وغرف منه جرير، فهنيئاً للمدّاحين وأهلا بالبغاء الجديد. [email protected] Comment *