أكتب قبل ساعات من حلول 25 يناير، موعد الثورة الثانية التى يراد لها أن تتحول إلى «عرض عسكري» على طريقة احتفالات أكتوبر. أكتب وميدان التحرير على مرمى البصر يحتشد بالآلاف من الشباب الذين نزلوا مبكرًا لاحتلال الميدان...يهتفون وينشدون ويغنون، ويواجهون التفاف الانتهازيين ومؤامرات النظام القديم، ويحلمون حلم الثورة غير المكتمل.
أكتب وبيانات المجلس العسكرى ترن فى أذنى بلهجتها الخشبية الجافة، التى تعيد إنتاج خطابات مبارك، القادمة من كوكب مهجور بعيد، والتى تتوجه إلى مخلوقات ليست من هذه الأرض.
العسكريون أيضا لديهم أحلامهم...أن ينسى المتظاهرون حلم الثورة، وأن تنشق الأرض فتبلع الأعداء والأخطاء والجرائم التى ارتكبوها خلال الشهور الماضية، وأن يخرجوا منها آمنين غانمين.
أكتب وخيانات، قيادات الإخوان ومؤامرات السلفيين على الثورة تتراءى أمامى، يحلمون هم أيضا، بالاستيلاء على البلد الخاوية عروشها، وبمرور حلم الثورة مر الكرام، وبموت أو هجرة كل من يخالفهم فى الرأي، ليحققوا مشاريع الجهل للجميع والظلام على القطيع.
أكتب وأشباح النظام القديم، برجاله وأجهزته وعدته وعتاده، تتراقص من حولي، هؤلاء يحلمون بالاستمرار فى مص الوطن، ومص دماء الفقراء، وبالانقلاب على الجميع لاستعادة سلطتهم المطلقة ذات يوم.
الأحلام تخايل الجميع، وكل حلم هو كابوس الآخرين.
أحلم أنا أيضا بانتصار العدل واندحار دولة الظلم، ببلد يسمح لكل الأفكار بالبقاء والاشتباك والازدهار. المهم أن تكون نتاجا للعقل لا المعدة الخاوية ولا جيوب البنطلون وحسابات البنوك. أعلم أن اللصوص لا يمكن أن يبنوا وطنًا، وأن أى صاحب خلق وحس سليم لا يمكن أن يقف فى وجه الحرية والكرامة والعدل.
أعلم أيضا أن الشيطان غالبا ما يرتدى مسوح الرهبان، وأن المجرم يتخفى غالبا فى رداء الشرطي، وأن من يدعون «الحرية» قد يكونوا أعداء للحرية، ومن ينادون بالضياء قد يكونوا من جنود الظلام...ولكنى أثق بأن كل فئة تضم الأخلاقيين بجانب الانتهازيين، وأنه سيأتى يوم يتفق فيه أصحاب المبادئ من كل التيارات ضد أصحاب المصالح من كل الفئات.
أعلم أن قصص الكوميكس التى قرأتها صغيرًا، وأفلام السينما التى شاهدتها كبيرا، قد أفسدت عقلى بحكايات الطيبين والأشرار، وأن إيمانى بالخير ينتابه الكثير من الشكوك، ولكنه لا يخبو أبدا.
فى إحدى قصائده يكتب الشاعر الأسبانى لوركا، الذى قتله بلطجية الديكتاتور فرانكو، عبارة طالما قمت باستعارتها:
«ذات يوم سوف تأتى العقارب الحية، وتلتهم هؤلاء الذين لا يحلمون».
لكن حياة اليقظة وحياة النوم تؤكد لنا كل يوم أنه ليس كل الأحلام جميلة، وأن الأوغاد أيضا يحلمون.
سأنضم إلى الثوار فى «التحرير» بعد أن أنتهى من كتابة هذا المقال، ليس لأننى أعتبر نفسى ثائرًا، ولكن لأننى مقتنع بأن الثوار يمثلون أفضل ما فينا، وأنهم يحلمون لنا حلمنا الأكثر نبلا وجمالا، سأنضم إليهم لأننى مقتنع بأنه لا أحد ورائهم ولا مصلحة أمامهم سوى تحقيق العدل والخير لكل البشر.
أنهم يعرضون حياتهم للخطر، ويبذلون الجسد والروح من أجل فكرة سامية...ربما تكون خطأ وربما تتحول إلى كابوس، ولكن ثورتهم نفسها ستظل أحد المثل العظمى وأحد الفضائل الكبرى التى تميز الإنسان عن باقى المخلوقات.
سأنضم إلى الثوار لأننى لا أريد أن أكون حيوانًا يعيش ليومه فقط، ولا وغدا يعيش على حساب الآخرين.
سأنضم إليهم على أمل أن أكون على قدر ولو قليل من نبلهم وأخلاقيتهم وحبهم للوطن، وللحق والخير والجمال.