تقاطر سلفيون بلحاهم المخضبة على لجان الاقتراع، وهم يرفعون صور الرئيس السيسي، ثم غاصوا بسباباتهم في الحبر الأحمر، والتقطوا لأنفسهم صورا أمام عدسات كاميرات هواتفهم المحمولة «سيلفي»… إنهم موالون لجماعة الدعوة السلفية، وذراعها السياسي "حزب النور". قفز هؤلاء السلفيون من فوق عربات القطار الذي كان يقل الجماعات الإسلامية، بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتحقوا بقطار الدولة المصرية وجمهور ثورة الثلاثين من يونيو، فنجو من تحت عجلات جرافات "رابعة". بات أمرهم محيرًا… هل يصلحون للاندماج في السبيكة المجتمعية، وفي الجماعة الوطنية المصرية، أم سيبقون في عزلتهم الجماعاتية؟. ليس أمامنا سوى التفتيش في مناهج الجماعة وأدبياتها، التي لم تتعرض لمراجعة حقيقية إلى الآن، رغم التحولات والقفزات الحركية والواقعية على الأرض، فلم يعد مفهوما، وسط الضجيج، ما إذا كانوا يشهدون حركة إصلاحية داخلية، أم أنهم فعلوا من باب المصالح المرسلة، ومبدأ مصلحة التنظيم والدعوة، حتى وصلوا حد البراجماتية السياسية، سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوا. لا يؤمن قادة سلفيو الاسكندرية، نسبة إلى المعقل الأساسي لهم في المحافظة الشمالية، بشكل الدولة المدنية الحديثة، وإن قبلوا التعاطي معها بدعوى الواقع، حتى تحين لحظة لاسترداد الشكل القديم وفق ما ورد في الأحكام السلطانية، فرئيس الجمهورية، لم يأت وفقًا للقواعد الشرعية.. إذن فشكل الدولة الموجود لا يمت إلى شكلها الديني المثالي، الذي قوامه أهل الحل والعقد.. "المعنى السابق يأتي وفق ما ورد في الموقع الرسمي للجماعة، وأحاديث صحفية لزعيم الجماعة، ياسر برهامي". ماذا ستسفيد دعوتنا من الصدام المرير مع الدولة المصرية، سوى الزج بقادتها وعناصرها في السجون، وتلاشي الجماعة التي عكفوا على تشكيلها وبناءها عشرات السنين.. في مطلع تسعينيات القرن الماضي وقع لتلك الجماعة حادث جلل، بات من الضرورة العودة إليه علنا لنصل إلى فهم ما هو كامن في عقلها ووجدانها. شنت السلطات الأمنية في مصر، مطلع التسعينيات، حملة موسعة شملت قادة وأعضاء في جماعة الدعوة السلفية، بعد أن اكتشفت تشكيلهم لتنظيم سري، له أمير مبايع، وقادة، وفروع، ومجالس شورى. ظلوا في سجنهم بضع سنين… خيرتهم الأجهزة الأمنية بين أمرين: كشف التنظيم وتفكيكه أو استمرار الاعتقال.. اختاروا الأول على الفور وأفلتوا بأنفسهم وبجماعتهم أيضًا. ظلوا كامنين في معقلهم الرئيس.. رافعين شعار «ننشغل بالسياسة ولا نعمل بها»، إلا أنهم ظلوا في وضعية شبه تنظيمية وشبه سرية أيضًا، يراقبون المشهد المصري باهتمام وبحذر في الوقت ذاته. اقتربت أفكارهم من التنظيمات الجهادية حد الملامسة، وصل الحد إلى الإطراء المتبادل بين أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة حينها، وبين شيوخ جماعتهم. فلنسمع "الظواهري" في إحدى رسائله الصوتية، موجه خطابه لسلفيي الاسكندرية : « «موقفنا من الدعوة السلفية ومن إعلامها الصادقين هو الحب والتقدير والاحترام.. ونحن قد اشتقنا لهم، واشتاقت لهم ميادين الجهاد، يعلمون إخوانهم، ويقودون سراياهم ويدكون حصون أعدائهم، ويرفعون لواء الجهاد، الذي صار عينياً في داخل بلادهم وخارجها..». كأنها شعرة دقيقة، هي التي فصلت منهج الجماعة السلفية عن منهج القاعدة، فهم كما الجهاديون يؤمنون بعقيدة الحاكمية، التي هي "من أخص خصائص توحيد الألوهية"، وبعدم إسلامية الدولة المصرية القائمة، ويؤمنون بكفر حاكمها كفرا حكميا لا عينيا، طالما أنه لا يطبق شرع الله، كما يكفَرون المجالس التشريعية. ويؤمنون بالعمل الجماعى التنظيمى وبسرية الدعوة إذا كانت هناك حاجة تدعو إلى ذلك، وأيضا بوجوب البيعة لأمير مطاع كنتيجة طبيعية لعدم اعترافهم بأمير مسلم. ومع ذلك ترفض هذه الجماعة، إعلان الجهاد وإقامة الدولة الإسلامية دون المرور بمراحل الجهاد المختلفة، وأولاها الدعوة إلى الله وإقامة الحجة. كما أنها لا تؤمن بجاهلية المجتمعات، وتتبنى إستراتيجية التغيير القاعدى وعدم الاصطدام بالحكومات.. ( للحديث بقية)