تسير العلاقات بين تركياوالولاياتالمتحدةالأمريكية نحو منحدر من الخلافات التي باتت في طريقها لتشكل كرة كبيرة من الثلج؛ فواشنطن يبدو أنها غير معنية بمصالح حليفتها الأطلسية، كما أنها غير معنية بتصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي طالب من خلالها واشنطن بضرورة الاختيار بين التعاطي مع أنقرة أو مع الأكراد. ويبدو أن العلاقات التركية مع أمريكا، وصلت إلى مفترق طرق بحسب أردوغان، كما باتت في نقطة حرجة للغاية وفق وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، بوقوفها أمام خيارين لا ثالث لهما، حيث قال أوغلو "علاقاتنا مع الولاياتالمتحدة في نقطة حرجة للغاية، فإما أن يتم إصلاحها، أو تسوء تمامًا، لا نريد تصريحات ووعود من واشنطن بعد الآن، بل نريد خطوات ملموسة". تصريحات أوغلو أتت بعد لقاء مسؤولين أتراك مستشار الأمن القومي الأمريكي، هربرت ماكماستر، الذي ناقش في أنقرة ملف وحدات الحماية الكردية، ويبدو أن اللقاء وفق البعض لم يثمر عن تقارب بين الحليفين التقليديين في الملفات الخلافية، ما يهدد بتدهور العلاقات مع واشنطن، بعد إدراك تركيا بشكل قطعي أن الولاياتالمتحدة لن تتخلى عن حلفائها الأكراد، خاصة أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) خصصت 300 مليون دولار من ميزانية عام 2019، لتدريب وتجهيز ميليشيا "قسد" التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري، المبلغ خصص منه البنتاجون 250 مليون دولار ل"القوة الأمنية الحدودية"، التي أعلن عن إنشائها من قبل التحالف مطلع العام الجاري بقيادة ميليشيا "قسد"، حيث ستنتشر على طول الحدود العراقية السورية مع تركيا، وتتألف من 30 ألف مقاتل، وهو ما اعترضت عليه أنقرة. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية، رصدت مبلغ 500 مليون دولار لتدريب وتجهيز ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" في عام 2018، عدا عن تخصيص 850 مليون دولار لعمليات تدريب وتسليح قوات البيشمركة في إقليم شمال العراق، ورغم وجود علاقات جيدة بين أنقرة وإقليم كردستان، إلا أنها توترت بعد رفض تركيا انفصال الإقليم عن العراق، كما أن الكابوس الكردي العراقي مازال قائمًا عند الأتراك، وهذه المرة من حزب العمال الكردستاني، حيث شن مسلحو حزب العمال الكردستاني، أمس هجومًا على موقع للجيش التركي قرب قرية "كرى بي" الحدودية التابعة لقضاء زاخو شمال محافظة دهوك، وكانت السلطات التركية، حذرت في السابق أن الأسلحة التي تزود بها واشنطن الأكراد في سورياوالعراق قد تقع بيد حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة حزبًا إرهابيًا، الأمر الذي يفتح التوتر مجددًا بين أنقرةوواشنطن. الدعم المالي الأمريكي للأكراد ليس الدعم الوحيد الذي تخشاه أنقرة، فالدعم العسكري يفوقه خطورة، حيث قالت جريدة "يني شفق" التركية، إن قوات من المعارضة السورية المسلحة في إدلب، تمكنت، الأحد الماضي، من ضبط وتوقيف شاحنات أمريكية محملة بأسلحة متطورة، كانت في طريقها إلى منطقة عفرين التي تشهد اشتباكات عنيفة بين الجيش التركي والتنظيمات الكردية المسلحة. وقالت الصحيفة التركية الموالية لحزب العدالة والتنمية، الحاكم، إن الأسلحة والمعدات العسكرية ترسل إلى عفرين وفقًا لاحتياجات تنظيم حزب العمال الكردستاني، وأضافت أن الإدارة الأمريكية هي التي أرسلت منظومة الدفاع الجوي المحمولة المستخدمة في إسقاط الطائرة الحربية الروسية في إدلب. وكشف خبراء عسكريون أتراك أن الأسلحة المضبوطة في الشاحنة؛ صواريخ من طراز "تو" الأمريكية المضادة للدروع التي استخدمت في استهداف الدبابة التركية، مما أسفر عن سقوط 5 جنود أتراك الأسبوع الماضي. وكان رئيس أركان الجيش التركي، الفريق أول خلوصي أكار، توعد بالثأر لمقتل جنود أتراك خلال العملية التي تطلق عليها تركيا اسم "غصن الزيتون"، ويشنها الجيش التركي ضد معاقل المسلحين الأكراد في عفرين السورية. ويتقدم مسلحو المعارضة السورية بدعم من الجيش التركي في قرى عفرين الغربية، لكن بصعوبة كبيرة، القتال مع مسلحي الوحدات الكردية في القرى يسير بوتيرة أسرع من التي تجري في المرتفعات الجبلية، حيث أعد المسلحون الأكراد تحصينات ودشمًا وممرات جبلية مكنتهم من الصمود لأكثر من 3 أسابيع. وأرسل الجيش التركي مزيدًا من التعزيزات إلى ولايتي هتايا وكليس المحاذيتين لعفرين تمهيدًا لدفع بها من المحاور الغربية والشمالية، بعد أسبوع وصف بالدامي بالنسبة للقوات التركية التي سقطت إحدى مروحياتها، وقتل 11 من جنودها في يوم واحد، الأمر الذي يشير إلى أن الطريق إلى عفرين لا يزال طويلًا في ظل الصعوبات التي تواجهها القوات التركية على الأرض. ويبدو أن دخول أنقرة في معركة مع وحدات الحماية الكردية في عفرين، يشكل ورطة لتركيا، لاسيما أن العملية لم تحقق أهدافها بعد، وبما أن التراجع يشكل هزيمة، فستقف أنقرة أمام مفترق طرق، إما المضي في العملية ووضع علاقاتها مع واشنطن جانبًا، أو دفع الولاياتالمتحدة لرفع يدها عن وحدات الحماية. ومع استمرار معركة غصن الزيتون، تحاول أنقرة الضغط على واشنطن عبر التلويح بتدهور العلاقات بين البلدين، وهو تهديد يراه البعض، أنه لن يثني الأمريكيين عن دعم الأكراد، لكنه قد يطلق يد تركيا أكثر في معركتها بعفرين. الجدير بالذكر أن وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، سيجري محادثات وصفت بال"صعبة" مع قيادة تركيا خلال زيارته المرتقبة إلى البلاد للضغط عليها للحد من عمليتها في سوريا، حيث سيزور أنقرة في جولته الشرق أوسطية والتي زار فيها مصر والكويت، كما سيزور لبنان والأردن.