محاولات أمريكية جديدة لإعادة خلط الأوراق السياسية في سوريا، خاصة بعد أن وقفت واشنطن وحيدة في الميدان السوري، سواء في مواجهة القوات التركية وعملياتها المسماة ب"غصن الزيتون"، أو القوات السورية المدعومة بغطاء جوي من حليفتها الروسية، محاولات أصبحت مكشوفة، خاصة بعد أن حاولت أمريكا مرارًا عرقلة الانتصارات السورية، أو على الأقل، إبطاءها والتقليل من أهميتها، حيث ظهرت آخر هذه المحاولات في تخريب مؤتمر سوتشي للحوار السوري الذي عقد في روسيا قبل نحو أسبوع، من خلال توجيه أوامر لوفد المعارضة بعدم الحضور. روسيا الهدف الأول يبدو أن محاولات الإدارة الأمريكية اللعب من وراء الكواليس لم تفلح، ولم تؤتِ ثمارها، فقررت واشنطن اللعب على المكشوف مع غريمها الروسي ومنافسها التركي وعدوها السوري اللدود، حيث تسارعت الأحداث الميدانية في محافظة إدلب خلال الساعات الاخيرة بشكل غير مسبوق، وهو ما كشف عن غباء وتهور سياسيين وفقدان للثقة من جانب المُخطط، فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية إسقاط إحدى طائراتها المقاتلة من طراز "سو-25" من قبل مسلحين في محافظة إدلب بسوريا ومقتل قائدها، وأشارت الوزارة إلى أن المعلومات الأولية تشير إلى أن مسلحين أسقطوا الطائرة بصاروخ محمول على الكتف، أثناء تحليقها فوق منطقة تخفيف التصعيد في إدلب. اتجهت أصابع الاتهام سريعًا إلى واشنطن، التي تسعى منذ أسابيع إلى تغيير موازين القوة في محافظة إدلب، خاصة على وقع الانتصارات التي حققها الجيش السوري هناك، وتقدمه السريع باتجاه مدينة سراقب الاستراتيجية في ريف إدلب، والتي ستتيح للجيش حين السيطرة عليها الانطلاق نحو عدة مناطق مهمة وتقطيع أوصال الإرهابيين فعليًّا في المحافظة الموبوءة بالإرهاب، وبالتالي فإن استعادة إدلب تعني نهاية جبهة النصرة وأحرار الشام وعشرات الفصائل المتحالفة معها، حيث أشار خبراء عسكريون روس إلى أن إسقاط الطائرة تم باستخدام صاروخ محمول على الكتف مضاد للطائرات، مؤكدين أن الضباط الروس على علم بامتلاك المسلحين لمثل هذه الأسلحة، التي استولوا عليها من ترسانتي الجيشين السوري والعراقي، وهما "إيغلا" و"ستريلا" القديمتان، لكن المقاتلة الروسية كانت على ارتفاع لا يمكن أن تصلها صواريخ "إيغلا" أو "ستريلا"، الأمر الذي يدفع للقول بأن المسلحين استخدموا صاروخًا من منظومات الدفاع الجوي المحمولة "ستينغر"، وهي الصواريخ التي سبق أن زودت بها واشنطن المجاهدين الأفغان لحسم الحرب مع الاتحاد السوفييتي، مؤكدين أن الأمريكيين قدموا منذ وقت ليس ببعيد مثل هذه الأسلحة للأكراد السوريين ولقوات ما يسمى ب"الجيش الحر". في ذات الإطار اعتقد النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، فرانز كلينتسيفيتش، أن مسلحي جبهة النصرة حصلوا على صواريخ محمولة مضادة للطائرات بمساعدة واشنطن، حيث قال: لم يُعلن رسميًّا هل أسقطت الطائرة بصاروخ سوفييتي أو أمريكي من النماذج القديمة، ولكن هذه الصاروخ لا تزال سلاحًا عالي التكنولوجيا وفعالًا، ولذلك لا يمكن الحصول عليه بدون دعم جدي من الخارج. لقد تم ذلك عبر دولة ثالثة بواسطة الأمريكيين، وأضاف "كلينتسيفيتش": ذلك سيكلفهم غاليًا. نحن لا نتوعد بل نحذر، لن تبقى مثل هذه التصرفات بدون عقاب، سنوجه ضربة مضادة. وشدد البرلماني على أن "أمريكا تحاول أن تبدي للعيان أن الحرب في سوريا لم تنتهِ، وأن الروس لم ينتصروا".، مؤكدًا "كانت تلك طعنة في ظهر روسيا". وبدورها سارعت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى نفي الاتهامات الروسية عنها، حيث أعلن البنتاجون أن الولاياتالمتحدة لم تزود حلفاءها في سوريا بأسلحة "أرض – جو"، وأنها ستدرس المعلومات عن إسقاط الطائرة الروسية باستخدام منظومة مضادة للطائرات محمولة على الكتف، وزعم المتحدث باسم البنتاجون، إريك بيهون، أن "الولاياتالمتحدة تركز على قتال تنظيم داعش، جنبًا إلى جنب مع الحلفاء في سوريا، الولاياتالمتحدة لم تمد أيًّا من القوات الحليفة في سوريا بأي أسلحة أرض- جو، ولا تنوي القيام بذلك في المستقبل". وعلى الرغم من محاولات أمريكا نفي التهمة عنها، إلا أن روسيا سارعت بالرد على إسقاط طائرتها، حيث قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها قصفت بشكل مكثف منطقة سقوط المقاتلة سو-25 في ريف إدلب، وأضافت أن "30 مسلحًا من جبهة النصرة قتلوا في القصف الصاروخي على منطقة إطلاق الصاروخ على المقاتلة الروسية"، لكن مما لاشك فيه أن روسيا لن تكتفي بهذا الرد الوقتي، وسيكون هناك رد حاسم على المتورط في إسقاط الطائرة، مثلما سبق أن دفعت تركيا ثمن إسقاط المقاتلة الروسية "سوخوي 24" في نوفمبر عام 2015. تركيا.. الهدف الثاني بعيدًا عن انتصارات الجيش السوري وحليفه الروسي في إدلب، تأتي عمليات القوات التركية في عفرين؛ لتثير غضب الولاياتالمتحدة أيضًا، خاصة أن أنقرة توعدت مؤخرًا باستهداف القوات الأمريكية التي تقاتل مع الأكراد هناك، وذلك على لسان المتحدث باسم الحكومة التركية، بكر بوزداغ، الذي قال إن "الجنود الأمريكيين الموجودين في عفرين بزي المقاتلين الأكراد قد يصبحون هدفًا للجيش التركي"، فيما هددت بشن عملية عسكرية في مدينة منبج أيضًا إذا لم ينسحب منها مسلحو "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي" المدعوم من أمريكا، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى محاولة تدفيع أنقرة ثمن خروجها عن الطوع الأمريكي مؤخرًا ومهاجمة حلفائها الأكراد في الشمال السوري، فبعد ساعات من إسقاط الطائرة الروسية على أراضي إدلب أعلنت هيئة الأركان التركية عن مصرع خمسة من جنودها في منطقة عفرين، بعدما شن عناصر من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي هجومًا على دبابة من نوع "ليوبارد" ألمانية الصنع، ما يرفع حصيلة الجنود الذين قتلوا منذ انطلاق عملية "غصن الزيتون" إلى ستة عشر جنديًّا. وعلى الرغم من عدم إفصاح القادة الأتراك عن اسم الدولة التي منحت الأكراد الصواريخ، إلا أن أصابع الاتهام التركية غير الرسمية اتجهت إلى الإدارة الأمريكية، وخاصة وسائل الإعلام، حيث أكدت صحيفتا "يني ضفق" و"يني آكيت" أن الولاياتالمتحدة هي التي قامت بتزويد المقاتلين الأكراد بالصاروخ المستخدم في الهجوم الذي قتل الجنود الأتراك الخمسة. ذريعه الكيماوي السوري.. ورقة ضغط تتجدد بعد كل هزيمة ثقيلة أو انتكاسة للجماعات المسلحة الإرهابية في سوريا، والتي تعود بالتالي على الإدارة الأمريكية بخيبة الأمل والإحباط، تخرج واشنطن لتتذرع باستخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية خلال المعركة الدائرة، وتحاول انتزاع عقوبات دولية أو قرارات لشن ضربات عسكرية على القوات السورية، لكن أمريكا لم تدرك بعد أن ورقة الضغط هذه باتت محروقة بالنسبة لدول العالم والمنظمات الدولية، وأن هذه الحجة باتت مكشوفة، والذريعة أصبحت مُضحكة. سيرًا على النهج الأمريكي ودعمًا لمزاعم واشنطن، زعمت فصائل مسلحة، مساء أمس الأحد، أن نحو 10 أشخاص أصيبوا باختناق بغاز الكلور؛ جراء قصف الجيش السوري على مدينة سراقب، وابتكرت تنسيقيات ومواقع إلكترونية تابعة للتنظيمات الإرهابية كعادتها مشاهد تمثيلية لقصف على مواقعها بالمواد الكيميائية. ادعاءات الفصائل المسلحة جاءت مكشوفة، خاصة أنها تزامت مع ادعاءات وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، حول استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، حيث قال "تيلرسون" خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأرجنتيني "جورج فوري"، أمس الأحد: "نحن نتابع وندرس بشكل ممحص الأوضاع في سوريا، وندعو روسيا أن تلتزم بتنفيذ دورها في اتفاقيات تدمير أسلحة النظام السوري الكيميائية". يبدو أن ورقة "الكيماوي السوري" باتت الوحيدة التي تراها واشنطن رابحة في سوريا، فبعد فشل مراهناتها على الفصائل المسلحة في سوريا، وإحباط مخططاتها لإفشال المؤتمرات السياسية الدولية، جددت التلويح بمزاعم استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيماوية، وقد ظهر ذلك في تصريحات وزير الدفاع، جيمس ماتيس، الذي أكد أن أمريكا تدرس تقارير حول استخدام النظام السوري غاز السارين، مهددًا بشن ضربة عسكرية في حال التأكد، لتبدأ التساؤلات حول الأسباب التي دفعت واشنطن إلى فتح هذا الملف مجددًا، وهل سيتم ترجمته سريعًا إلى ضربة عسكرية، مثل تلك التي طالت مطار الشعيرات العسكري في حمص مطلع إبريل من العام الماضي؟