أكثر من 20 عامًا مضوا على إنشاء العديد من المناطق الصناعية الكبرى في محافظات كثيرة، خاصة الصعيد، إلا أن الجدوى والاستفادة القصوى منها لم تظهر بعد، فالمشكلات تتفاقم بمصانعها، والأخرى تغلق أبوابها بسبب الأزمات ونقص الخدمات المحيطة بها، والثالثة تعاني إشكاليات التمويل والتسويق. من بني سويف حتى أسوان، يذخر الصعيد بنحو 25 منطقة صناعية تقريبًا، بعضها يقع بالظهير الصحراوي الشرقي، والآخر بالظهير الغربي، تتضمن كل منها عشرات بل مئات المصانع والورش الصغيرة، إلا أن منتجاتها وأعداد العمالة بها ليست على الوجه المطلوب؛ بسبب المشكلات التي مازالت تحاصر غالبيتها، والبيروقراطية في التعامل معها من قبل هيئات حكومية عدة، أدت في النهاية إلى توقف العديد من تلك المصانع، وتسريح الأخرى لأعداد كبيرة من العاملين بها. وقال المحاسب محمد حمد الله، رئيس مجلس جمعية المستثمرين بأسيوط، إن الصعيد يتكدس بالمناطق الصناعية التي تحوي مصانع في جميع المجالات، إلا أن الفائدة الحقيقية والملموسة منها لم تظهر بعد، فغالبية المناطق مازالت تعاني غياب الخدمات الرئيسية، التي تعد مقومًا أساسيًا لجذب المستثمر، سواء المصري أو الأجنبي، متسائلا: كيف نريد تنمية صناعية حقيقية ومازلنا نتحدث عن مشكلات غياب شبكات الصرف الصحي والمياه النظيفة للمناطق الصناعية، وأزمات الإنارة وغياب التأمين؟ وأضاف حمد الله ل"البديل"، أن الدولة تُصر على معاملة المستثمرين في الصعيد مثلما تعامل المستثمر في محافظات وجه بحري، إذ يعاني مستثمر الصعيد من غياب الأسواق القوية والهايبر ماركت التي تستقبل منتجاته بشكل دوري، ناهيك عن سوء الحالة الاقتصادية لغالبية أبناء الصعيد، مطالبا بضرورة إعادة النظر في أساليب التعامل مع مصانع أبناء الجنوب، خاصة أنهم يعانون من أعباء النقل والتوزيع والتسويق، وهذا كله يجب وضعه في الاعتبار، بالإضافة إلى تخفيف رسوم الغرف التجارية والتأمينات على العمال، في ظل عدم تحقيق المصانع مكاسب قوية. واستنكر رئيس جمعية المستثمرين في أسيوط، الإتاوات التي تفرضها بعض الهيئات الحكومية عليهم، بحسب تعبيره، التي تتمثل في ما تفرضه شعب الغرفة التجارية عليهم من رسوم تعسفية لإنهاء الأوراق الخاصة بمصالحهم المختلفة، ورسوم أخرى تبلغ 3 آلاف جنيه سنويًا، بالإضافة إلى رفع التأمينات التي يتم دفعها للعمال بواقع 200 جنيه شهريًا لكل عامل، ما يكبد أصحاب المصانع خسائر كبرى، وينتهي به الحال للتعثر والبحث عن مصادر للتمويل أو الإغلاق، وهذا ما حدث لعدد كبير من مصانع المناطق الصناعية الست في أسيوط، التي تراجع عدد مصانعها العاملة إلى 500 فقط بعدما تخطت 700 مصنع منذ سنوات قليلة ماضية. واختتم حمد الله بأن الصعيد لا يحتاج إلى مصانع أو مناطق صناعية جديدة، بل قيادة واعية ومتعاونة، تذلل العقبات التي تتمثل في الرسوم الكبيرة المفروضة على المصانع، سواء في الكهرباء أو الماء، أو غياب التأمين وكثرة السرقات، وصولا لشبكات الصرف الصحي غير الموجودة، وتوفير أسواق تكاملية لاستغلال المنتجات، مثمنًا مبادرة البنك المركزي بتقديم قروض جيدة للمستثمرين بفائدة 5% تقل لتصل إلى 3% فقط. وفي السياق، قال المهندس خالد محمد حسن، صاحب مصنع للسيراميك ونائب رئيس جمعية المستثمرين بالمنيا، إن الصعيد بدأ مؤخرًا يشهد إنشاء أول مناطق حرة وأخرى لوجيستية، وكل ذلك يعد خطوات مهمة لدفع عجلة الاستثمار بمعاونة المناطق الصناعية، لكن يجب أن يدار بتخطيط قوي بعيدا عن البيروقراطية التي مازالت تعرقل المستثمرين في كثير من الأحيان. وأضاف حسن ل"البديل"، أن أبرز مقومات مناطق الصعيد الصناعية، وجود أيدي عاملة وفيرة، بالإضافة إلى صرف عشرات المليارات على منشآتها، ويجب أن تسارع الدولة في حل مشكلاتها، لاسيما افتقاد غالبيتها لمياه الشرب النظيفة، التي تدخل في الصناعات الغذائية لمئات المصانع، وفي حالة غيابها، تتكبد المصانع تكاليف عالية للغاية لعمل وحدات ترشيح مياه، وكذلك مشكلات ضعف التيار الكهربي، التي تصيب الأجهزة والماكينات الحديثة بأضرار بالغة تصل لحد العطل التام. ويرى حسن أن إطلاق المنطقة الحرة بالمطاهرة في محافظة المنيا، خطوة جديدة ليتنفس الصعيد سهولة التسويق والاستيراد والتصدير، ويجب أن يقابل ذلك خطوات تسهيلية أخرى، مثل إنشاء المناطق الحرة، على رأسها عمل ميناء بحري بحدود المحافظة يطل على البحر الأحمر بناحية رأس غارب، وإسراع الدولة في تقسيم الحدود الجديدة للأقاليم، ليطل كل منها على البحر الأحمر لتسهيل نقل البضائع، وإكمال بحيرات الأكسدة في منطقة المنيا، وغيرها من المرافق الأخرى بمناطق الصعيد الصناعية. وقال الدكتور إبراهيم هاشم، رئيس مجلس إدارة أحد مصانع الأخشاب بمنطقة غرب طهطا الصناعية في سوهاج، إن الأزمة الحقيقية التي تواجه مستثمري الصعيد في الوقت الحالي، تكمن في ضعف التمويل، والبطء الشديد الذي يمارسه موظفو البنوك دون تقدير لخطورة الموقف، ومدى التأثير السلبي الذي قد يطول المستثمر ويؤدي لإغلاق مصنعه وتشريد العمالة الموجودة به. وأشار هاشم إلى ضرورة تحديد توقيتات معيارية لإنجاز الطلبات المختلفة التي يتم تقديمها من المستثمرين، وعدم التحكم الكامل من الموظف في مجريات الأمور، مستنكرًا افتقاد غالبية المناطق الصناعية بالصعيد لشبكات الغاز الطبيعي، وعدم التأمين الجيد، بالإضافة إلى نقص الخدمات الذي أصبح سمة أساسية في جميع المناطق الصناعية في محافظات وجه قبلي. من جانبه، قال المهندس محمود سعد، رئيس مجلس إدارة المنطقة الصناعية بالمنيا، إن القرار الجمهوري الخاص بمنح الأراضي بالمجان للمستثمرين من خلال الهيئة العامة للتنمية الصناعية، بعد صدور القانون رقم 83، يعد قبلة الحياة للكثير من المستثمرين خاصة ذوي الإمكانيات المتوسطة، وأن هناك ضوابط قوية تسهل التراخيص منها الحصول على شهادة ضمان من مكتب استشاري معتمد، ومن ثم يتم البدء في المشروع، بالإضافة إلى الرقابة الشديدة من طرفهم، وإذا لم يدخل المصنع الإنتاج الفعلي في غضون 3 أعوام، تتم محاسبته. ولفت رئيس المنطقة الصناعية بالمنيا، إلى أن خطة الدولة تدعو للتفاؤل، خاصة أنها تسعى لتسهيل جميع مهام المستثمرين القادمين سواء من داخل مصر أو خارجها، وأن التغلب على المشكلات التي تواجههم، هدف الإدارة الحالية بالمحافظة مهما كان نوعية العقبات؛ للنهوض بالقطاعات الصناعية المختلفة، مؤكدا وجود خطة لتنفيذ "الشباك الواحد"، الذي ييسر الأمور للمستثمرين كافة، وينهى مشكلاتهم التي عانوا منها لفترات طويلة وتعددت شكواهم. وتتمثل المناطق الصناعية بالصعيد في 25 منطقة؛ منها 5 في بني سويف، وهي (كوم أبو راضي، وبياض العرب، و3 مناطق ثقيلة)، ومنطقتي (القوتة، وكوم أوشيم) بالفيوم، و(المطاهرة، والسريرية، والشيخ فضل) بالمنيا، و6 مناطق أخرى بأسيوط (البداري، ودشلوط، وعرب العوامر، والزرابي، والصفا، وساحل سليم)، و4 مناطق بسوهاج (غرب طهطا، وغرب جرجا، والكوثر والاحايوه شرق)، ومنطقتين بقنا في نجع حمادي وكلاحين فقط، واثنتين بالوادي الجديد (الخارجة، وموط الداخلة)، ومنطقة الشلال – العلاقي في أسوان.