في ظل الاضطرابات السياسية والمؤامرات الخارجية التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، بل وطالت العديد من دول العالم، والتي استعرت مؤخرًا بعد هزيمة المشروع الأمريكي في سوريا والعراق المتمثل في تنظيم داعش، الأمر الذي أدى إلى تقليص النفوذ الصهيوأمريكي وحليفه الخليجي، بدأت دول إثارة الفتنة في تدبير ورسم خطط جديدة؛ لإنقاذ ما تبقى من نفوذها إن أمكن، أو على الأقل تفجير المنطقة وإغراقها في حروب ونزاعات أهلية جديدة. مظاهرات إيرانية لليوم الثالث على التوالي انطلقت المظاهرات في بعض المدن الإيرانية، وعلى رأسها طهران ومشهد وكرمانشاه، وقُدِّر عدد المحتجين بحوالي 300 إلى 400 شخص، وغلب على هذه التظاهرات الطابع الاقتصادي والمعيشي، حيث احتج المتظاهرون على التضخم ونقص فرص العمل، ودعوا إلى معالجة التحديات والمصاعب الاقتصادية والمعيشية التي يواجهها المواطن، مثل ارتفاع أسعار المواد الأساسية، ومحاربة الفساد، وشهدت هذه المدن ذاتها، أمس السبت، مسيرات حاشدة؛ لإحياء الذكرى الثامنة لإحباط الفتنة التي كانت قد حضرت له قوى غربية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، عبر استغلال ثغرة الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2009، وذلك تحت شعار "يوم البصيرة وتجديد البيعة والولاء". محاولات تحريضية الاحتجاجات التي ما زالت محدودة، وتقتصر على بعض المدن الإيرانية، ولم تخرج عن حدود السلمية، فتحت شهية دول المؤامرات إلى استغلالها؛ لطرح التأويلات التي تستهويهم وتتماشى مع مخططاتهم، حيث انتهزت الإدارة الأمريكية وبعض أذرع اللوبي الصهيوني في الكونجرس الأمريكي الفرصة، وسارعوا إلى إصدار البيانات وإطلاق التصريحات التي تدين النظام الإيراني، حيث أعرب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن دعمه الكامل للاحتجاجات. المحاولات التحريضية لم تقتصر على أمريكا، بل انطلقت أيضًا من ناحية حلفائها العرب، خصوصًا الخليجيين، وقد ظهر ذلك في طريقة تغطية قناة "العربية" السعودية للمظاهرات الإيرانية، ووصفها بأنها خروج على النظام الإيراني ومطالبة بإسقاطه. وفي ظل محاولات بعض الدول المعادية لإيران إظهار التعاطف مع الاحتجاجات، أكدت الخارجية الإيرانية أن الشعب الإيراني لديه من الوعي ما يكفي لكشف حقيقة هذا التعاطف، وأنه ليس سوى "دموع تماسيح"، حيث قالت في بيان لها إن "الشعب الإيراني يرى أن الدعم الانتهازي والمضلل للمسؤولين الأمريكيين لبعض التجمعات الأخيرة في بعض المدن الإيرانية، ليس سوى رياء ونفاق سياسي من قبل الإدارة الأمريكية"، فيما أكدت الحكومة الإيرانية أن "الشعب لديه الحق في إسماع صوته"، معترفة بأن البلاد تواجه بعض التحديات من بينها البطالة والتضخم. مؤامرة صهيوأمريكية جديدة تتزامن هذه الاحتجاجات الإيرانية مع خروج تسريبات من القناة الإسرائيلية العاشرة، الخميس الماضي، تفيد أن حكومتي إسرائيل والولاياتالمتحدة صاغتا اتفاقًا سريًّا لإنهاء "التهديد الإيراني"، في اجتماع شارك فيه مسؤولون أمنيون واستخباراتيون من الجانبين، وانعقد يوم 12 ديسمبر في البيت الأبيض، وأكدت أن الاجتماع السري تمخض عن صياغة وثيقة تجمع فيها إسرائيل والولاياتالمتحدة على إقرار عدة أهداف استراتيجية تتشاركها الدولتان، ومن شأن الاتفاق أن يضمن تحول المبادئ، التي تحدث عنها ترامب في خطابه الخاص حول إيران، يوم 13 أكتوبر، إلى "خطوات تتخذ على الأرض"، وأوضح التقرير أن الاتفاق ينص على تشكيل 4 فرق عمل خاصة، ستقوم بتنفيذ مهمات مختلفة؛ لمنع المساعي الإيرانية في مجال الأسلحة النووية، وتعزيز مواقعها في دول الشرق الأوسط. في ذات الإطار أكدت مصادر رفيعة المستوى للقناة العبرية أنه جرى تشكيل طواقم عمل مشتركة وفقًا للأهداف الموضوعة، ومن بينها طاقم مسؤول عن الأنشطة السرية والدبلوماسية لإحباط المشروع النووي الإيراني، توكل إليه دراسة السبل الكفيلة بزيادة الرقابة على البرنامج الإيراني، وكذلك دراسة أنشطة سرية يمكن تنفيذها ضد هذا البرنامج، وطاقم ثانٍ سيعمل على كبح الأنشطة الإيرانية في المنطقة، وتحديدًا في سوريا وضد حزب الله في الساحة اللبنانية، وإحدى أهم المهمات الموكلة إلى هذا الطاقم كبح التمركز الإيراني في سوريا وبلورة سياسات مشتركة لليوم الذي يلي الحرب السورية، فيما أوكل إلى مجموعة ثالثة العمل على مواجهة البرنامج الصاروخي الإيراني البالستي، ومنظومة الصواريخ الدقيقة، إضافة إلى تزويد إيران حزب الله بالصواريخ الدقيقة وإنشاء مصانع لإنتاج مثل صواريخ كهذه في سوريا ولبنان، أما المجموعة الرابعة فأوكل إليها العمل على بلورة الاستعدادات المشتركة لسيناريوهات تصعيد في المنطقة تكون إيران جزءًا منها، مع التشديد على المواجهة ضد حزب الله. عَقَبَ هذا التسريب إعلان البيت الأبيض عن أن البعثة الإسرائيلية وصلت في الثاني من الشهر الجاري إلى واشنطن، وكانت برئاسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، وعضوية ممثلين عن جميع وحدات الاستخبارات الإسرائيلية ووزارة الخارجية التي التقت طاقمًا أمريكيًّا برئاسة مستشار الأمن القومي، هربارت ماكماستر، وبمشاركة ممثلين رفيعي المستوى عن البيت الأبيض وأجهزة الاستخبارات ووزارتي الدفاع والخارجية، وقد تم خلال لقاءات استمرت يومين كاملين الاتفاق على برنامج عمل استراتيجي مشترك؛ لكبح الأنشطة الإيرانية في المنطقة. محاصرة الاقتصاد الإيراني بالنظر إلى التظاهرات التي طالت بعض المدن الإيرانية احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الجمهورية الإسلامية، والتي استغلتها أمريكا لإظهار تعاطفها الوهمي لها، نجد أن الإدارة الأمريكية ذاتها هي المتسبب الرئيسي فيها، حيث واجه الاقتصاد الإيراني الذي صُنف عام 2010 كثالث أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، والتاسع والعشرين في العالم بحجم أعمال بلغ 337.9 مليار دولار، سلسلة من العقوبات الأمريكية وتدابير لفرض الحصار الاقتصادي اعتمدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل أساسي كخيار استراتيجي في صراعها مع طهران، فالعقوبات التي فرضتها وزارتا الخارجية والخزانة الأمريكية خلال العام الماضي فقط، أي بعد تولي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب مهام منصبه، وخاصة تلك الموجهة ضد قوات الحرس الثوري الإيراني والمؤسسات المالية التابعة لها ورجال أعمال إيرانيين، والتي انعكست سلبًا على أداء كثير من القطاعات وأبرزها الاستثمار والنفط والمصارف، قد لعبت دورًا حيويًّا في إدخال الاقتصاد الإيراني مرحلة حرجة، وهو ما أدى في النهاية إلى اندلاع هذه الاحتجاجات الشعبية. المؤامرة تكتمل وبالنظر إلى المشهد الإيراني بشكل عام، وتزامن هذه الاحتجاجات مع سقوط المخطط الصهيوأمريكي في المنطقة، وتعاظم النفوذ الإيراني الروسي؛ ليحل محل نظيره الأمريكي الخليجي، والكشف صراحة عن مخطط جديد ترسمه أمريكا مع الاحتلال الإسرائيلي لمواجهة إيران، وبالعودة إلى الوراء قليلًا؛ نجد تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يمثل الذراع اليمنى لأمريكا والحليف العربي الأقرب لإسرائيل، في مقابلة تليفزيونية أجراها قبل نحو ستة أشهر، حيث هدد بأن "بلاده ستنقل الحرب إلى الداخل الإيراني كضربة استباقية"، وبهذا نجد أن المشهد قد اكتمل والمؤامرة قد اتضحت، حيث تتكاتف بعض الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية مع أمريكا وإسرائيل لزعزعه استقرار إيران من الداخل، بعد أن فشلت في إحداث أي تغيير على الأرض في نفوذها الخارجي، كما عجزت عن فرض عزلة دولية عليها ببرنامج العقوبات الذي لم يُجْدِ نفعًا، حيث تظهر الأيادي الصهيوأمريكية من خلف الكواليس الإيرانية مُحاوِلةً إشعال فتيل أزمة داخلية في طهران، من خلال الاحتجاجات وتأييد المعارضة السلمية هناك، وتحويلها إلى حركات متمرده عنيفة، كتمهيد لإسقاط النظام الإيراني والعبث بأمن الجمهورية داخليًّا.