تنتظر منطقة الشرق الأوسط زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول أمريكي بارز منذ اتخاذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل 10 أيام، قراره الذي أثار غضبا شعبيا في المنطقة العربية، باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية إليها، حيث يزور نائب الرئيس الأمريكي مايكل بنس، المنطقة، الثلاثاء المقبل، وتشمل زيارته القاهرة ثم إسرائيل، ويختتم جولته بزيارة ألمانيا. القاهرة ستكون محطة بنس، الأولى، حيث يلتقي بالرئيس عبد الفتاح السيسي، في زيارة لا تتجاوز بضع ساعات، يتوجه بعدها إلى تل أبيب، ليمكث هناك يومًا ونصف تقريبًا، يلتقي خلالهما بكل من رئيس الكيان الصهيوني ريئوفين ريفلين، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما من المفترض أن يلقي بنس، خطابًا أمام "الكنيست" الإسرائيلي، ويزور حائط البراق في القدس، ليختتم جولته في صباح الجمعة المقبلة بزيارة القوات الأمريكية الموجودة في العاصمة الألمانية برلين. زيارة نائب الرئيس الأمريكي كان من المقرر لها أن تبدأ مطلع هذا الأسبوع، لكن تغيرات طرأت على جدول أعماله، أدت إلى تأجيل الزيارة ليومين بسبب التصويت على مشروع قانون الضرائب الأمريكي في الكونجرس، واحتمال احتياج ترامب إلى صوت بنس، كداعم قوي، لترجيح كفة التصويت في مجلس الشيوخ، الأمر الذي جعل الزيارة تبدأ في 19 ديسمبر الحالي بدلًا من 17. ماذا في جعبة بنس؟ على الرغم من أن هذه الجولة لم تكون الأولى ل"بنس" في الشرق الأوسط، فإنها تنطوي على أهمية كبيرة، خاصة أنها تأتي بعد أيام من إعلان الرئيس الأمريكي قرارًا مثيرا للجدل، عكس تغير النهج الأمريكي في التعامل مع القضية الفلسطينية، وجرأة وتهورا سياسيا غير مسبوق فيما يخص الدعم الأمريكي العلني للاحتلال، وهو القرار الذي أثار موجة غضب عارمة في شوارع الدول العربية والإسلامية خاصة في فلسطين، لا تزال آثارها تدوي في أرجاء المنطقة، الأمر الذي يجعل هذه الزيارة تحمل الكثير من التساؤلات حول توقيتها ودوافعها الحقيقية. ذهب العديد من المراقبين إلى الربط بين الزيارة الأمريكية المقررة هذا الأسبوع ورد الفعل العربي المتخاذل بشأن قرار ترامب الأخير، حيث عقد القادة والزعماء والأمراء العرب الكثير من القمم والاجتماعات كان آخرها "قمة اسطنبول"، وأجروا اتصالات هاتفيه مكثفة منذ صدور القرار الأمريكي، دون فائدة أو جدوى حقيقية أو قرارات صارمة تذكر، الأمر الذي طمأن الأمريكان والصهاينة إلى أن الأمة العربية غارقة في سبات عميق، وأعطى ضوءا أخضر للمزيد من الإجراءات التصعيدية في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية. على جانب آخر، رأى بعض الخبراء السياسيين أن استكمال عملية السلام المزعومة هو هدف بنس، من الزيارة، وهو ما يؤكده تصريحات العديد من المسؤولين الأمريكيين حول أن الهدف من الزيارة هو استئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقال مسؤول أمريكي، الجمعة الماضية، إن زيارة مايك بنس، إلى القدس، تشكل "نهاية فصل وبداية فصل جديد في عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل"، وأضاف: "نحن مستمرون في تركيزنا على عملية السلام، وكيف يمكن أن نقود هذا الوضع باتجاه نتيجة ما". في ذات الإطار، جاءت دعوات عدم استقبال نائب الرئيس الأمريكي وعدم الترحيب الواسع بزيارته، خاصة في فلسطين، لتؤكد أن دور أمريكا كوسيط في عملية السلام المزمع عقدها بين الفلسطينيين والصهاينة قد انتهى، وأنها لم ولن تكن يومًا وسيطًا حياديًا في القضية الفلسطينية، ويؤكد عدم جدوى عقد أي مباحثات في ظل الأجواء المشتعلة التي تعيشها المنطقة، وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رفض لقاء بنس، قائلًا إن ترامب منح القدس هدية للحركة الصهيونية، مؤكدًا أنه بذلك لم يعد لواشنطن أي دور في عملية السلام، فيما أعرب النواب العرب في الكنيست عن مقاطعتهم لخطاب بنس، كما أعلن المسيحيون الفلسطينيون ومسؤولو الكنيسة القبطية الأرثوذكسية رفضهم مقابلته ردًا على القرار الأمريكي. على جانب آخر، ظهرت بعض المؤشرات التي توحي بمحاولات أمريكا الانتقال لتنفيذ المرحلة الثانية من المخطط الصهيوأمريكي الرامي إلى تهويد كافة الأراضي والمقدسات الفلسطينية الإسلامية، حيث استبق البيت الأبيض زيارة نائب الرئيس الأمريكي بإطلاق تصريحات استفزازية جديدة بشأن مدينة القدس والمقدسات الإسلامية هناك، وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض، الجمعة الماضية: "لا نستطيع تصور أي وضع لا يكون فيه حائط المبكى جزءًا من إسرائيل، لكن كما ذكر الرئيس ترامب، فإن ترسيم حدود دولة إسرائيل السيادية سيكون جزءًا من الاتفاق بشأن الوضع النهائي"، فيما أشار مسؤول أمريكي آخر معلقًا على جولة بنس: الأسابيع الأخيرة في المنطقة كانت ردة فعل على قرار القدس، هذه الجولة جزء من إنهاء هذا الفصل وبداية ما أقول إنه الفصل التالي. باتت النية الأمريكية واضحة بشأن الانتقال إلى مرحلة تهويد المقدسات الإسلامية بداية من حائط البراق وصولًا إلى المسجد الأقصى بالكامل، وذلك بعد أن مرت المرحلة الأولى من المخطط الأمريكي بنجاح وتم اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل كأمر واقع، وهو الأمر الذي عبرت الرئاسة الفلسطينية عن رفضه تمامًا، وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إن الموقف الأمريكي بشأن حائط البراق يؤكد مرة أخرى أن الإدارة الأمريكية الحالية أصبحت خارج عملية السلام بشكل كامل، مشددًا على أن المواقف الأمريكية أصبحت مرفوضة وتشكل استفزازًا خطيرًا، وأن استمرار تلك السياسة سواء بما يتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل السفارة الأمريكية إليها، أو البت في قضايا الحل النهائي من طرف واحد، كلها خروج عن الشرعية الدولية وتكريس للاحتلال، وهو أمر مرفوض وغير مقبول ومدان.