يستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، مساء اليوم الثلاثاء، رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي كان قد أعلن من العاصمة السعودية الرياض في الرابع من نوفمبر الجاري، استقالته من منصبه، والذي يزور القاهرة قبل عودته المنتظرة إلى لبنان غدًا الأربعاء، لحضور احتفالات عيد الاستقلال اللبناني، حسب ما أكد في تصريحات له أثناء زيارته للعاصمة الفرنسية باريس. وتعد زيارة الحريري الخاطفة إلى القاهرة مرورًا استثنائيًا، بعد زيارة لفرنسا، التي تشابه موقفها من أزمة استقالة الحريري مع موقف مصر، إذ اتخذت الدولتان موقفا مرنا ودبلوماسيا يختلف عن الموقف المتزمت للسعودية تجاه الوضع في لبنان، فالسعودية، سواء أرغمت الحريري أم لم ترغمه على الاستقالة، استمرت بالتلويح بخيارات عسكرية تجاه لبنان للضغط على حكومتها لإقصاء حزب الله، ونزع سلاحه، الأمر الذي أثار مخاوف فرنسا من التحركات السعودية، وفي 15 نوفمبر الجاري دعا رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب، إلى تمكين رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري، من العودة إلى لبنان، وقال فيليب: "استقالة رئيس الحكومة الحريري تشغلنا لأنها تفتح قوس شكّ يجب إغلاقه سريعا". الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حاول الالتفاف على الموقف السعودي الذي يقضي بقطعية استقالة الحريري، والإبقاء عليه في الرياض، ويبدو أنه نجح إلى حد ما، وقال ماكرون، يوم الجمعة الماضي، إنه سيستقبل سعد الحريري في باريس كرئيس لوزراء لبنان، وهو ما حدث السبت الماضي، وإنه يتوقع أن يعود بعد ذلك إلى بيروت "خلال أيام أو أسابيع"، وشدد ماكرون على أن "فرنسا لديها خط واضح وهو العمل على السلام والابتعاد عن الانشقاقات وعدم التحيز لطرف دون آخر"، لافتا إلى أن "الكثيرين يريدون استدراج القوى الغربية للوقوع في الخلاف الحاصل بين السنة والشيعة". ويرى البعض أن هناك الكثير من الأسباب قد تدفع فرنسا للتدخل في إنهاء المناكفة السعودية للبنان، فباريس تحاول العودة كثقل أوروبي في المنطقة كما تفعل واشنطنوموسكو، وبغض النظر عن التركيبة اللبنانية وما تحتويه من تعددية دينية وسياسية، فإن لفرنسا حلفاء في الداخل تريد الحفاظ عليهم، وتخشى أن يشتت التهور السعودي في الملف اللبناني حلفاءها، خاصة أن الكثيرين منهم اعترضوا على الطريقة التي تم من خلالها تقديم الحريري لاستقالته، إذ لم يكن من اللائق أن يقدم رئيس وزراء لبناني استقالته في خطاب متلفز من داخل دولة أخرى، خاصة في ظل التكهنات التي دارت حول احتجاز الرياض للحريري. المهم في كلام الرئيس الفرنسي أنه يتقاطع مع تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، فعلى الرغم من التوتر القائم بين القاهرة وطهران، فإن السيسي لا يرغب هو الآخر في استدراج مصر إلى خلافات المحاور، وقال صراحةً إنه لن يقوم بأي إجراءات ضد حزب الله، وليس مع قيام حرب ضد إيران وحزب الله، وبالتالي قد تفسر زيارة الحريري للقاهرة وجود موقف مصري إقليمي "عقلاني" قادر على استيعاب مخاوف السعودية في لبنان، خاصة بعد فشل مشروعها في سوريا، وفي نفس الوقت قادر على التعاطي مع جميع الأطراف اللبنانية بما في ذلك حزب الله. مصر، التي رفضت القيام بإجراءات ضد حزب الله ودعمت الموقف السوري المدعوم من حزب الله وإيران في الحرب ضد الإرهاب، تدرك أن حزب الله جزء من الحكومة ومكون له جذوره الشعبية، وليس معزولًا سياسيًا، كما أن لحزب الله ارتباطاته الإقليمية كإيران، والدولية كروسيا والصين بصورة أقل، وقبل أيام رفضت موسكو مطلبا إسرائيليا بانسحاب حزب الله من المناطق الجنوبية في سوريا، خاصة أنه نفى بشكل قاطع أي دور له في إرسال السلاح إلى أي دولة عربية، باستثناء فلسطينالمحتلةوسوريا. ويلخص اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، قبل يوم، آلية تعاطي مصر مع أزمات المنطقة، فمصر استضافت الاجتماع بناء على طلب سعودي، والذي أصدر في بيانه الختامي وصفًا قاسيًا باتجاه حركة المقاومة الإسلامية في لبنان ضد العدو الإسرائيلي، حيث وسمها البيان ب"الإرهابية"، إلا أن القاهرة في الوقت نفسه، ومن خلال زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إلى لبنان، أمس، اعتمدت لهجة تصالحية، وقال أبو الغيط إن "أحدا لا يريد إلحاق الضرر بلبنان ولا يمكن القبول بأن يكون لبنان مجالا لمثل هذا الوضع"، مشددا على حرص الدول العربية على سيادة لبنان واستقلاله ودوره وعلى التركيبة اللبنانية الفريدة"، وهو الحديث الذي أعقب تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون، بأن لبنان يرفض إيحاء الجامعة العربية بأن حكومته شريكة في أعمال إرهابية. ويشدد مراقبون على أن لمصر دورا في حفظ التوازن في المنطقة، فالقاهرة تمايزت بمواقفها عن الرياض في العديد من الملفات، والرؤية المصرية اختلفت مع السعودية حول الملف اليمني والسوري، كما أن نظرة مصر إلى أطراف المصالحة الفلسطينية التي ترعاها القاهرة تختلف عن السعودية التي وصفت "حماس" على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير ب"الإرهابية"، وكذا تختلف النظرة المصرية لاستفتاء كردستان عن النظرة السعودية الداعمة لانفصال الإقليم عن العراق، فيما لا يعني الموقف المصري المتمايز عن الرياض بالضرورة اصطفاف مصر إلى جانب الطرف الخصم للسعودية، وهو ما يؤكده الموقف من الصراع السعودي مع قطر.