دخلت ألمانيا على خط الأزمة اللبنانية السعودية التي خلقتها المملكة باستدعائها رئيس الوزراء اللبناني قبل 3 أسابيع وإجباره على تقديم استقالته، ففي مقابل محاولات الجذب الفرنسية التي تنتهجها إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون، تجاه ما باتت تُعرف ب"أزمة الحريري"، اختارت ألمانيا تصعيد لهجتها مع المملكة، منتقدة افتعال الأخيرة العديد من الأزمات في الشرق الأوسط في إطار مغامرة سياسية فاشلة تحاول الرياض خوضها في المنطقة، الأمر الذي أثار غضب المملكة وأعطى مؤشرات بأزمة دبلوماسية جديدة بين الطرفين. ألمانيا على خط أزمة الحريري وجهت ألمانيا انتقادات إلى المملكة العربية السعودية، فانتقد وزير الخارجية زيجمار جابرييل، خلال لقاء عقده الخميس الماضي، مع نظيره اللبناني جبران باسيل في برلين، بشدة تصرفات السعودية مع رئيس الوزراء اللبناني المستقيل من الرياض سعد الحريري، ووصفها بأنها "ليست معتادة"، وأشار الوزير الألماني في اتهامات للسعودية إلى أنها أجبرت الحريري على تقديم استقالته واحتجزته مدة أسبوعين تقريبًا، وبأنها تسعى لحرب في لبنان بذريعة التصدي لحزب الله، وقال: هناك إشارة مشتركة من جانب أوروبا إلى أن روح المغامرة التي تتسع هناك منذ أشهر عدة لن تكون مقبولة ولن نسكت عنها، وتابع: بعد الأزمة الإنسانية والحرب في اليمن وما حدث من صراع مع قطر، صارت هناك منهجية للتعامل مع الأشياء وصلت ذروتها الآن في التعامل مع لبنان. التصريحات الألمانية أثارت غضب المملكة السعودية، وهو ما تبلور في استدعائها سفيرها لدى ألمانيا، وذكرت وزارة الخارجية السعودية، أمس السبت، أن المملكة قررت دعوة سفيرها لدى ألمانيا للتشاور بعد تصريحات جابرييل، مشيرة إلى أنها ستسلم سفير ألمانيا لدى المملكة مذكرة احتجاج، فيما قالت إن تلك التصريحات "العشوائية المبنية على معلومات مغلوطة تثير استغراب المملكة، وترى أنها لا تدعم الاستقرار في المنطقة"، وأضافت الوزارة: هذه التصريحات لا تمثل موقف الحكومة الألمانية الصديقة التي تعدها حكومة المملكة شريكًا موثوقًا في الحرب على الإرهاب والتطرف، وفي السعي لتأمين الأمن والاستقرار في المنطقة. اللافت أن استدعاء الرياض السفير الألماني لم يثن برلين عن انتقاد المملكة مجددًا فيما يخص الأزمة القطرية المستمرة منذ يونيو الماضي، حيث أصدرت وزارة الخارجية الألمانية بيانًا بعد ساعات من استدعاء السعودية للسفير الألماني قالت فيه: "بالنظر إلى التطورات الراهنة، نشعر بقلق بالغ إزاء استقرار المنطقة، وندعو جميع الأطراف في المنطقة للحد من التوتر" كما دعت في تغريدة منفصلة عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إلى رفع الحصار عن قطر، مشيرة إلى أن "حصار قطر يهدد التنمية الإقليمية، وأن حل الأزمة يصب في مصلحة ألمانيا"، وأكدت أنه "من الممكن لألمانيا معالجة الأمر عبر عمل مشترك مع الشركاء الدوليين". الأزمة الخليجية هذه لم تكن الأزمة الأولى بين ألمانيا والسعودية، فقد سبق أن وجهت برلين انتقادات لاذعة للمملكة على خلفية الأزمة التي افتعلتها الرياض قبل أشهر مع جارتها قطر، وقادت مخططا لمقاطعتها ومحاصرتها بريًا وبحريًا وجويًا من قبل الإمارات والبحرين ومصر، وأعلنت ألمانيا حينها تضامنها مع قطر في أزمتها مع الدول الخليجية، وحمَّل وزير الخارجية الألماني زيغمار جابرييل، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المسؤولية عن اندلاع الأزمة الخليجية. وقال جابرييل، حينها في حديث لصحيفة "هاندلبلاست" الألمانية: يبدو أنه يراد عزل قطر بصورة أو بأخرى، وحذر من "ألا أحد بحاجة إلى التصعيد اللاحق، لأن الشرق الأوسط هو برميل بارود من حيث وجهتي النظر السياسية والعسكرية"، منتقدًا سياسات الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط، مبينًا أن "الصفقات الضخمة التي تم إبرامها مؤخرًا لتوريد الأسلحة إلى الأنظمة الملكية في منطقة الخليج تزيد من مخاطر نشوب سباق تسلح جديد"، وذلك في إشارة إلى العقد الذي وقعه ترامب خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية، والخاص بتصدير أسلحة إلى المملكة بقيمة 110 مليارات دولار. تقرير استخباراتي مواقف ألمانيا مؤخرًا من التصرفات السعودية تتناسق تمامًا مع التقرير الذي أصدرته الاستخبارات الألمانية عام 2015، وحذرت فيه مما دعته سياسة الاندفاع وتسرع القيادة الجديدة، وهو التقرير الذي أثار أزمة دبلوماسية حينها بين الطرفين، حيث حذّرت من أن الرياض باتت مستعدة لخوض مزيد من المخاطر في إطار تنافسها الإقليمي مع إيران، في وقت زادت مساندتها للمسحلين في سوريا بهدف تحقيق أي إنجازات على المستوى الإقليمي، ورأت المخابرات الألمانية في تقريرها أن "سياسة تدخلية اندفاعية تأخذ مكان الخطاب الدبلوماسي الحذر حتى الآن للزعماء السعوديين الأكبر سنًا في الأسرة الملكية"، محذرة من خطورة صراعات السلطة في السعودية، والتي بدأت في الظهور عقب تولي الملك سلمان بن عبد العزيز، العرش. وأكد التقرير حينها أن الصعود الصاروخي للأمير محمد بن سلمان وتوليه منصب وزير الدفاع إضافة إلى كونه ولي ولي العهد، من شأنه أن يثير غضب كثير من الأمراء في الأسرة الحاكمة، وقالت الوكالة الاستخباراتية الألمانية "نعتقد أن طموح محمد بن سلمان يمكن أن يهدد علاقات المملكة الخليجية بحلفاء إقليميين، من خلال محاولة تعزيز موقعه في الخلافة"، وأشارت إلى أن الرياض تسعى تحت قيادة الملك سلمان إلى وضع نفسها زعيمة للعالم العربي، وأبرز التقرير الاستخباري تغير التوجهات السياسية للسعودية في مرحلة ما بعد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، حيث أصبحت الرياض أكثر شراسة في التعامل مع العديد من الصراعات الإقليمية، وعلى رأسها اليمن وسورياولبنان والعراق والبحرين. ويرى العديد من المراقبين أن ألمانيا تمثل صوت معظم الدول الأوروبية التي طفح كيلها من السياسة المتهورة التي تمارسها المملكة السعودية مع معظم دول العالم، والعنجهية السياسية غير المسبوقة التي تتبعها الإدارة السعودية خاصة منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز، وإحكام نجله محمد بن سلمان، قبضته على الحياه السياسية هناك، فالسعودية التي كانت ترتبط بعلاقات جيدة مع ألمانيا وضعت الأخيرة في موقف محرج أمام المجتمع الدولي، خاصة بعد تدهور الوضع الإنساني في اليمن، وهو ما يضع الحكومة الألمانية في موقع المسؤولية نظرًا لأنها من أكثر مصدري الأسلحة إلى الرياض.