قصة مصر مع صندوق النقد الدولي من أكثر القصص المأساوية، حيث شهدت وستشهد الكثير من المنحنيات الخطرة والقرارات البالغة القسوة، والتي تعقبها دائمًا تصريحات رسمية متذبذبة بين طمأنة الناس والوعود الهلامية، وأحيانًا النفي، والتي كشفها الواقع المرير الذي يحياه، وسيحياه الشعب المصري؛ جراء تلك الخطوة التي يراها المسؤولون «قرارات جريئة»، بل و«لصالح المواطن». بدأت قصة مصر مع صندوق النقد الدولي في يوليو 2016، حينما سعت مصر إلى التفاوض مع الصندوق من أجل الحصول قرض يصل إلي12 مليار دولار خلال 3 سنوات متجهين إلي الاقتراض الخارجي، بديلا عن السوق المحلي الذي لا يستوعب ما تحتاجه مصر لسد عجز الموازنة، أعدت مصر برنامج للإصلاح الاقتصادي حتى تستطيع التفاوض عليه من أجل الحصول على القرض إلا أن الصندوق كان له ملاحظات على البرنامج وتم التفاوض عليها حتى وافق الصندوق على القرض في اجتماعه يوم 11 نوفمبر 2016. خطاب النوايا لعل خطاب النوايا الذي أرسله طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، وعمرو الجرحي وزير المالية، إلى كريستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، خير دليل على وجود بعض الاعتراضات من الصندوق على البرنامج، حيث أكد الخطاب الذي تم إرساله 7 نوفمبر 2016 قبل الموافقة على القرض بأربعة أيام فقط أن "مصر تسعى إلى تعزيز ثقة الأسواق بتقليص اختلالات المالية العامة والحسابات الخارجية ومعالجة المعوقات الهيكلية أمام النمو وتشجيع التنمية البشرية وتطوير البنية التحتية. ولتحقيق هذا الهدف اعتمدنا نظام سعر الصرف المرن؛ ليكون عاملاً واقيًا من الصدمات الخارجية، يكفل التوازن السوقي بين العرض والطلب. ولدعم الانتقال السلس إلى نظام أكثر مرونة لسعر الصرف على مدار الشهور القادمة، نطلب مؤقتًا الاحتفاظ بسعر الصرف المتعدد الذي رصده الصندوق، وستركز السياسة المالية العامة على تضيق عجز الموازنة، لإرساء الدين العام على مسار تنازلي واضح". من خلال ما ذكره الخطاب نجد أن الصندوق لم يكن راضيًا عن قرار تحرير سعر الصرف، الذي اتخذه البنك المركزي المصري في 3 نوفمبر 2016، قبل الموافقة على القرض ب 8 أيام؛ لعدم وجود نظام أكثر مرونة لسعر الصرف ووجود تعدد في سعر الصرف بالسوق، حيث تم تحريك سعر الصرف من 8.8 جنيه إلى ما يقرب من 13 جنيهًا بالبنوك الحكومية، في حين استمر في السوق السوداء ب 18 جنيهًا، ولذلك طلب البنك المركزي المصري من الصندوق الاحتفاظ بسعر الصرف المتعدد؛ لدعم الانتقال السلس إلى نظام أكثر مرونة لسعر الصرف على مدار شهور. وذكر خطاب النوايا أنه "طبقًا لسياسات صندوق النقد الدولي، سيتم التشاور مع الصندوق بشأن اعتماد الإجراءات وإدخال التعديلات على السياسات التي تضمنتها مذكرة السياسة الاقتصادية والمالية. وسنوافي الصندوق بالبيانات الحديثة والدقيقة اللازمة لمراجعة البرنامج". وهذا يفسر استجابة المركزي لتوصية صندوق النقد في المراجعة الأولى بضرورة رفع سعر الفائدة 2%؛ للحد من التضخم الذي تجاوز 30.5% تقريبًا خلال مايو الماضي. مصر تنفذ نفذت مصر العديد من شروط أو توصيات صندوق النقد الدولي قبل الحصول على الشريحة الأولى من قرض الصندوق، التي بلغت 2.75 مليار دولار، وأكملت باقي الشروط من أجل الحصول على الشريحة الثانية من القرض البالغ قيمته 1.25 مليار دولار؛ ليكتمل العام الأول من قرض الصندوق، ويتبقى عامان قادمان من التوصيات التي ستنفذها مصر للحصول على باقي قيمة القرض. ضريبة القيمة المضافة (سبتمبر 2016) ضريبة القيمة المضافة شرط صندوق النقد الأول الذي نفذته مصر خلال التفاوض معه في سبتمبر 2016، وقام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتصديق على قانون ضريبة القيمة المضافة ونشره في الجريدة الرسمية، والتي طبقت بنسبة 13% لعام 2016، وارتفعت إلى 14% بداية من شهر يوليو الجاري. تعويم الجنيه (نوفمبر 2016) في 3 نوفمبر 2016 قرر البنك المركزي المصري تخفيض قيمة الجنيه بنسبة 48%؛ ليسجل الدولار 13 جنيهًا في السوق الرسمية بالبنوك، مع السماح بتحركه في هامش بنسبة 10% ارتفاعًا وانخفاضًا، وهو الشرط الثاني الذي نفذته مصر من شروط الصندوق قبل الموافقة على القرض. إلغاء الدعم على الوقود والكهرباء (نوفمبر 2016 ويونيو 2017) بعد قرار تعويم الجنيه بساعات أعلنت وزارة البترول عن قرار رفع أسعار البنزين، وتم تنفيذ القرار في 4 نوفمبر 2016، حيث ارتفع سعر البنزين 80 إلى 2.35 جنيه للتر من 1.60 جنيه، وسعر البنزين 92 إلى 3.50 جنيه للتر من 2.60 جنيه، وهو الشرط الثالث من شروط الصندوق لإتمام الاتفاقية، الذي اشترط رفع الدعم عن الوقود والكهرباء، وهو ما حدث في يونيو 2017 الماضي، حيث قرر مجلس الوزراء تطبيق زيادة أسعار الكهرباء الجديدة في فواتير أغسطس القادم، بعد أن أعلن يوم 29 يونيو 2017 عن تحريك أسعار الوقود والمحروقات، ليصبح سعر لتر السولار 3.65 جنيه، وبنزين 80 بسعر 3.65 جنيه، وبنزين 92 بسعر 5 جنيهات للتر، وسعر أسطوانة البوتاجاز 30 جنيهًا. تقليص فاتورة أجور العاملين بالدولة (قانون الخدمة المدنية) (نوفمبر 2016) أما الشرط الرابع فكان قانون الخدمة المدنية الذي صدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأول من نوفمبر 2016، بعد أن اقره مجلس النواب، قبل إتمام الاتفاقية ب11 يومًا، وصدرت اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية في مايو 2017 ليتم العمل بها. سداد مديونيات شركات البترول الأجنبية (مايو ويونيو 2017) التزام الحكومة بسداد مستحقات شركات البترول الأجنبية أحد الشروط التي كشفت عنها السفارة البريطانية في 15 نوفمبر 2016، بعد توقيع الاتفاقية واستلام الشريحة الأولى من قرض الصندوق، وبدأت مصر العمل على سداد مستحقات شركات البترول الأجنبية منذ مايو الماضي، بعد إتمام المراجعة الأولى من قبل الصندوق؛ من أجل الإفراج عن الشريحة الثانية من القرض من منتصف مايو إلى أوائل يونيو الماضي، وأعلنت الحكومة المصرية أن مستحقات شركات البترول العالمية تراجعت إلى نحو 2.3 مليار دولار، بعد سداد 2.2 مليار دولار، بعد أن كانت 3.6 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2016، وذلك للتأكيد على أن مصر ملتزمة بسداد الديون المستحقة عليها في موعدها ودون أي تأخيرات. إزالة عوائق الاستثمار (يونيو 2017) جذب الاستثمار كان شرطًا آخر لصندوق النقد، لضمان خفض عجز الموازنة وفقًا لما جاء في برنامج الإصلاح الاقتصادي، وفي مطلع يونيو 2017 صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي رسميًّا على قانون الاستثمار الجديد، الذي قدم تنازلات كبيرة للمستثمرين، وتسعى وزارة الاستثمار حاليًّا إلى إخراج اللائحة التنفيذية للقانون، بما يضمن إزالة أي عائق أمام المستثمر الأجنبي. بيع القطاع العام (بنوك وشركات بترول) طرح الشركات المملوكة للدولة في البورصة من شروط صندوق النقد الدولي، تحدث عنه الخبراء الاقتصاديون منذ بداية الاتفاق مع الصندوق، إلا أن الحكومة المصرية أجلت تنفيذ ذلك الشرط بسبب سعيها نحو إجراءات الإصلاح أولاً، وفي فبراير الماضي قيدت البورصة أسهم بنك القاهرة بجداولها، وأمهلته 6 أشهر من تاريخ القيد لاستيفاء مستنداته وتحديد القيمة العادلة لتنفيذ طرح نسبة من الأسهم وبدء التداول بين المتعاملين في السوق، وفي مارس 2017 وافقت الجمعية العمومية لشركة إنبي على طرح 24% من أسهمها في البورصة، منها حصة 1% للعاملين بالشركة.