لكل حاكم مستبد جوقة من "الشماشرجية" و"المطبلاتية" و"ماسحي الجوخ"، هؤلاء على استعداد أن يؤمنوا على كل ما يقوله سيدهم، وأن يدعموا وجهة نظره، سواء توافقت مع قناعاتهم أم لا.. بعضهم لا يمانع في أن يهلل لكلمة عابرة ألقاها الحاكم، ثم يعود، ويصفق بحرارة إذا ردها حاكمه، أو قال عكسها، ففي ذلك مبلغ الحكم، فالقائد يعلم وهم لا يعلمون. في خطاب "صبح على مصر بجنيه" الشهير، تحدث الرئيس السيسي عن مشروع ابني بيتك قائلًا: "خدوا الشباب يشوفوا ابني بيتك"، فصفق الحضور بحرارة شديدة؛ باعتبار الرئيس يشيد بالإنجاز العظيم، وبعد انتهاء وصلة التصفيق استطرد كلامه عن المشروع واصفًا إياه بالعشوائي "المشروع عشوائي، وإحنا في الجيش ما بنعملش كده. إحنا بنعمل عمل متقن متكامل، ونتصدى لمشاكلنا»، فصفق الحضور أكثر من المرة الأولى. في ذات الخطاب، وفي لهجة تهديدية، قال السيسي خلال كلمته: «أنا عارف مصر زي ما أنا شايفكم كده وعارف علاجها زي ما أنا شايفكم كده، وعارف كويس أنا بقول إيه، ولن أسمح بأن يتم تقطيع الدولة، وما حدش يفكر إن طولة بالي وخلقي الحسن معناه إن البلد دي تقع، وقسمًا بالله اللي هيقرب لها لأشيله من فوق وش الأرض»، صفق الحضور كعادتهم، ثم عاد الرئيس ليطلق عبارته الشهيرة "والله العظيم لو ينفع اتباع لاتباع" وتساقطت الدموع من مقلتيه، فصفق الحضور حتى احمرت كفوفهم. في جلسة افتتاح مدينة دمياط للأثاث يوم الثلاثاء الماضي، انفعل الرئيس بشكل مبالغ فيه، عندما طالب أحد الحضور بتأجيل زيادة أسعار الوقود والكهرباء حتى رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3 آلاف جنيه. وقال الرجل إن المواطن البسيط هو من يدفع تلك الزيادة؛ لأن أصحاب المصانع سيضيفون تلك الزيادة على الكهرباء والوقود إلى سعر المنتج النهائي، مضيفًا: «أصحاب الدخول البسيطة مش حتقدر تستحمل.. أرجو إرجاء زيادة أسعار الوقود والطاقة لحد ما نرفع الحد الأدنى للرواتب 3 آلاف جنيه؛ عشان نقدر نستوعب الزيادة في الأسعار». السيسي قاطع الرجل قائلًا: «إنت مين؟!».. فرد عليه: «أنا أبو المعاطي مصطفى عضو مجلس النواب»، فقال له الرئيس: «نواب إيه؟! إنت دارس الموضوع اللي بتتكلم فيه؟! إنت عايز دولة تقوم، ولا تفضل ميتة؟! لو سمحت ادرسوا المواضيع كويس، وبعدين اتكلموا». واستطرد السيسي في توجيه حديثه الغاضب لعضو مجلس النواب عن محافظة دمياط، وقال: «الدولة مش بتقوم بالعواطف والكلام اللى مش مدروس…. أنا مسؤول قدامكم أنها تبقى دولة ذات شأن وقيمة.. مش كلام زي نأجل وبلاش دلوقتي ومعلش.. من فضلكم اللى يتصدى للموضوع يبقى دارسه دراسة كاملة»، وبعد أن أنهى السيسي تعنيف نائب الشعب، اندفع الحضور في التصفيق. نائب دمياط استخدم صلاحايته في التعبير عن أوجاع الناس ونقل مطالبهم إلى رأس السلطة التنفيذية الذي وعد مرارًا بتخفيف الأعباء عن الشعب، إلا أن الأخير لم يقبل من ممثل الشعب تجرؤه وتدخله فيما لا يعنيه، فالرجل يعرف كيف وصل هذا النائب وزملاؤه إلى برلمان علي عبد العال، فخاطبه بكلمات مفادها "أنت صدقت نفسك؟!". على مدار ثلاث سنوات لم يتجرأ أحد على مراجعة السيسي أو مطالبته علنًا بدراسة المشروعات التي ورط فيها الاقتصاد المصري بدءًا من "تفريعة" قناة السويس التي أثبتت الأرقام عدم جدواها، وصولًا إلى العاصمة الإدارية ومشروع المليون ونصف فدان، الذي يتوقع البعض أن يتحول إلى "تفريعة" جديدة، ورغم ذلك طلب الرئيس من النائب أبو المعاطي دراسة الموضوع الذي طرحه قبل التصدي له، لكن الفرق أن السيسي وجد من يصفق له، ويهتف باسمه، عندما عرض تلك المشروعات على الرأي العام، وحتى عندما ثبت فشل بعضها. أما عضو البرلمان فوقف كالتلميذ "الخايب" أمام مدرسه، فصفق الحضور على تعنيفه وإحراجه و"تجريسه" على الهواء؛ ليرضوا سيدهم.