تحركات جديدة ودعوات مثيرة للدهشة أطلقتها حركة فتح مؤخرًا بقيادة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، فالحركة التي كانت قد اعتزلت الكفاح المسلح وآمنت بالحل السياسي من خلال المفاوضات مع الكيان الصهيوني، ربما تكون قد أدركت مدى خسارتها الشعبية والسياسية نتيجة اتباعها لهذا النهج الذي لم يحرز أي تقدم منذ سنوات، وربما تكون تلك الدعوات محاولة لحشد التأييدات الفلسطينية لها من جديد. دعت حركة فتح أقاليم الضفة الغربية إلى انخراط مكونات الشعب ومؤسساته كافة في فعاليات إسناد إضراب الأسرى وتشكيل جبهة موحدة تقف مع عدالة مطالب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، وأعلنت الحركة أن الخميس المقبل 27 أبريل سيكون يوم إضراب شامل، يشمل كل مناحي الحياة كخطوة إسنادية احتجاجية من قِبَل الفلسطينيين كافة، كما أعلنت الحركة يوم الجمعة 28 أبريل يوم غضب، وأن تقام صلاة الجمعة في خيام الاعتصام، بالإضافة إلى الاشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في نقاط التماس كافة، وحملت الحركة الإسرائيليين وأدواتهم المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى وعن حالة التدهور التي قد تحصل في المنطقة نتيجة للتعنت الاسرائيلي والاستهتار بمطالب الأسرى، ورأت فتح أن تصاعد الإجراءات الصهيونية يستدعي الرد بتوسيع رقعة المواجهة والاشتباك مع جيش الاحتلال في الأنحاء كافة. دعوة حركة فتح المفاجأة للشعب الفلسطيني بمواجهة الاحتلال والخروج في اعتصامات، تعتبر منافية للنهج الذي تسير عليه الحركة منذ سنوات، حيث انتهجت فتح مسار المفاوضات ووقعت اتفاقيات أوسلو عام 1993، وحينها وافق المجلس الوطني لمنظمة التحرير، متمثلًا في قيادته «فتح» وبحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون، على إضافة المفاوضات بجانب الكفاح المسلح، وحينها تم الاعتراف بإسرائيل وبحقها في الوجود، وأدخلت الحركة تعديلات على ميثاقها الوطني، فحذفت البنود المتعلقة بإزالة إسرائيل من الوجود وما يتعارض مع اتفاق أوسلو. ومع الوقت أوقفت الحركة عملها المسلح تمامًا عام 2007، حيث سلم الجناح العسكري للحركة «كتائب شهداء الأقصى» السلاح، وأعلن وقف الهجمات على إسرائيل مقابل عفو إسرائيل عن أعضائها، ودخلت فتح منذ ذلك الوقت الحياة السياسية متخلية عن العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني، وبذلك فقد المجتمع الفلسطيني المقاوم أحد أبرز أذرعه المسلحة، الأمر الذي دفع الكثير من السياسيين المقاومين إلى اتهام الحركة بالتخلي عن وطنها مقابل مصالحها السياسية. تأتي تلك الدعوات أيضًا تأتي في الوقت الذي يضج فيه الشارع الفلسطيني بالغضب والسخط، سواء من الكيان الصهيوني أو السلطة الفلسطينية وقواتها الأمنية، حيث تستمر معركة الأمعاء الخاوية في سجون الاحتلال، ويواصل أكثر من ألف و300 أسير إضرابهم عن الطعام منذ ذكرى يوم الأسير في 17 أبريل الجاري، الأمر الذي بات يهدد مصير هؤلاء الأسرى، خاصة في ظل تصعيد الاحتلال الصهيوني ممارساته القمعية بحقهم، من خلال عزلهم في سجون انفرادية أو نقلهم ومنع الزيارات العائلة عنهم. الأجواء المشتعلة في سجون الاحتلال خرجت لتمتد إلى الشارع الفلسطيني، الذي أصبح يشهد يوميًّا اشتباكات ومواجهات بين قوات الاحتلال والشباب الفلسطيني المتضامن مع الأسرى في معركته ضد الاحتلال، حيث تخرج يوميًّا مسيرات واعتصامات احتجاجيه متضامنة مع إضراب الأسرى في السجون الإسرائيلية، وخلال المسيرات يقع الكثير من المواجهات بين القوات الصهيونية والشباب الغاضب من ممارسات الاحتلال، وتتخلل تلك المواجهات سقوط جرحى، الأمر الذي يشعل الأوضاع أكثر في اليوم التالي. يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قد أدرك مؤخرًا أنه الخاسر الأكبر في المعركة السياسية الدائرة في الأراضي الفلسطينية، حيث فشل عباس في اللعب على الوترين سواء الإسرائيلي أو الفلسطيني، فقد عجز مرارًا عن جذب تأييدات الشعب الفلسطيني الساخط على تعاونه الكبير مع الكيان الصهيوني، والتآمر على الشعب الفلسطيني المقاوم لحساب الاحتلال، خاصة أهالي قطاع غزة، الذين دائمًا ما تعاقبهم القيادات على مقاومتهم للكيان الصهيوني، وتمثلت آخر مظاهر العقاب في تقليص رواتب موظفي القطاع، كل هذا جعل شعبية «أبو مازن» تصل إلى أقل مستوياتها، فطالما اتهمت قيادات مقاومة من قطاع غزة الرئيس الفلسطيني بالوقوف إلى جانب الاحتلال على حساب شعبه، في محاولة لإثبات ولائه لأمريكا والاحتلال. في الوقت ذاته عجز عباس عن لعب دور الرفيق والشريك للاحتلال، فرغم تمسكه بخيار التنسيق الأمني الذي يثير غضب الشعب الفلسطيني، ومحاولة الظهور بمظهر الحافظ الأمين على الأمن القومي الإسرائيلي، من خلال تشديد حملات الاعتقال ضد المتظاهرين الفلسطينيين في مواجهة القوات الإسرائيلية، ومساعدة الاحتلال في تصفية واعتقال شخصيات بارزة من المقاومة الفلسطينية، إلَّا أنه يجد نفسه في النهاية محط الانتقادات الإسرائيلية، وهو ما ظهر مؤخرًا في تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، الذي قال: «إذا كان الفلسطينيون بقيادة محمود عباس يرغبون حقًّا في السلام، فعليهم أن يأتوا نظيفين ويضعوا حدًّا لمكافآت الإرهاب». وزعم نتنياهو أن السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، أنفقت جزءًا كبيرًا من المساعدات المالية على الإرهابيين وعائلاتهم على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين، على حدّ وصفه، وتابع نتنياهو: أنا لا أتحدث عن حماس، بل عن السلطة الفلسطينية، التي تمثل الخط الرئيسي بقيادة الرئيس عباس، الذي سيذهب للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن. واختلف المراقبون حول تفسير تلك الدعوات الفتحاوية، حيث رأى البعض أنها محاولة لاستقطاب استعطاف الشعب الفلسطيني من جديد، من خلال استغلال الأجواء المشتعلة حاليًا في الشارع الفلسطيني، بعد أن انهارت شعبية الحركة واتهمها العديد من المقاومين بالتطبيع مع الاحتلال، فيما رأى آخرون أنها رد على اتهامات الاحتلال للسلطة الفلسطينية بحماية ومكافأة الإرهاب.