كل تهمتهم أنهم وقعوا على إيصالات أمانة لشراء سلع بالقسط لزواج أبنائهم أو توفير علاج أو متطلبات المعيشة, فأصبحوا يحملون لقب "رد سجون", ولم يعودوا يستطيعون مواجهة المجتمع. الغارمون والغارمات.. تلك القضية الشائكة، والتي تمثل عقوبة قاسية، حيث إنهم يعتبرون ضحايا لا جناة، وهو ما دعا عددًا من القانونين للمطالبة بتعديل القانون الخاص بحبس الغارمين. "البديل" التقت بعضًا منهم؛ لتنقل مأساتهم التي ما زالوا يعيشونها، حيث يظل لقب "رد سجون" يطاردهم طيلة حياتهم. أصبحت سوابق بسبب جهاز ابني هكذا تحدث "س. أ."، راويًا مأساته ل "البديل" قائلًا: أنا موظف على المعاش وأتقاضى 700 جنيه شهريَّا، ولديَّ أربع بنات وولد, وعندما وصل نجلي إلى سن الزواج، كان عليَّ أن أوفر له بعض متطلبات الزواج من شقة إيجار والقليل من العفش، خاصة أن نجلي يعمل سائقًا على سيارة أجرة، فاشتريت بعض مستلزمات العفش بالقسط، لكن شاءت الأقدار أن ابنتي أصيبت بمرض الكبد؛ مما عاقني عن سداد الأقساط، وتراكمت عليَّ الأقساط، حتى قدم صاحب المحل إيصالات الأمانة إلى النيابة، وقامت الشرطة بالقبض عليَّ من منزلي، وتم حبسي، وقضيت المدة، وخرجت من السجن أحمل لقب رد سجون. استخدمت "الحرق" حتى أوفر الطعام لبناتي لم تختلف القصة السابقة عن قصة "ك. ع." كثيرًا، فهي أرملة ولديها ثلاث بنات جميعهن في الدارسة, تحدثت إلى "البديل" قائلة: أنا عاملة بمصنع للغزل والنسيج، ولكن راتبي لم يكفِ لسد احتياجات بناتي؛ لذا اعتدت أن أقوم بما يسمى الحرق، وهو أن أشتري أي سلعة بالقسط، ثم أقوم ببيعها على الفور بمبلغ أقل؛ حتى تتوفر معي سيولة نقدية، ولكن ما حدث أن تراكم قسط سلعة تلو الأخرى، ولم أتمكن من سداد الأقساط، وتقدم الباعة بالإيصالات إلى الشرطة، وأصبحت رد سجون في نظر بناتي وجيراني. سعيت إلى علاج زوجي فسجنت ثلاثة أعوام هذا ما ذكرته أيضًا "ه. ج." قائلة: كنت أقوم بنظام الحرق؛ حتى أتمكن من توفير العلاج لزوجي المصاب بفيروس سي, ولكن حدث ما لا يحمد عقباه، وهو وفاة زوجي، ومن بعد وفاته اكتشفت أن الديون متراكمة عليَّ بصورة كبيرة، ولم أتمكن من سدادها، خاصة أن زوجي كان عاملًا باليومية وليس له معاش وليس لديَّ أبناء حتى يساعدوني، وبدأ أصحاب المحلات يطالبونني بسداد الأقساط، ولكنني لم أستطع سدادها، ورجوت أصحاب المحلات حتى يعطوني فرصة للسداد، ولكنهم رفضوا، وقام معظمهم بتقديم إيصالات الأمانة التي قمت بالتوقيع عليها للشرطة، فتم القبض عليَّ وحبسي، وخرجت من السجن، بعد أن قضيت ثلاثة أعوام عقوبة. لا أريد مواجهة أحد بسبب سجني وتقول "س. ص."، في الستينيات من عمرها: تم حبسي لمدة عام منذ فترة طويلة؛ بسبب أنني تداينت حتى أتمكن من تجهيز ابنتي, مضيفة اضطررت إلى شراء جهاز ابنتي يتيمة الأب كي تتزوج، ولكنني تعثرت في السداد، وفجأة وجدت نفسي بين أسوار السجن، ومن يومها لم أعرف أي شيء عن ابنتي التي تداينت من أجلها، ولا أريد التحدث في تلك الأزمة، وأتمنى أن ينسى الناس أنني كنت في السجن, و اتمنى أن يمحوني الجميع من ذاكرتهم، فأنا لم أسرق شيئًا من أحد، ولكنني كنت أسعى لأن أزوج ابنتي مثل أي أم, ولكن عدم استطاعتي المادية تسببت في أن ألجأ إلى شراء الأشياء لها بالقسط؛ حتى أتمكن منإ الزواج، ولم أكن اعلم أنني سوف ألقى تلك الفضيحة بهذه الصورة. خطورة الإيصالات أنها تحول القضية من مدنية لجنائية أكد أحمد فتح الله، الخبير القانوني، أن أزمة الغارمين في مصر ازدادت بنسبة كبيرة، خاصة بعد ارتفاع الأسعار, مضيفًا أن السبب الرئيسي في تزايد هذه الأزمة هو قيام التجار وأصحاب السلع باستخدام إيصالات الأمانة؛ مما يحول الأمر من قضية مدنية كبيع وعدم سداد إلى قضية جنائية, مشيرًا إلى أن بعض القانونيين طالبوا الأعوام الماضية بتعديل عقوبة الغارمين، من خلال تقصي السبب لقيام الشخص بالتوقيع على إيصال الأمانة، وإذا تبين أنه تم التوقيع عليه لأحد الباعة، يحل الأمر بشكل ودي أو بتقسيط المبلغ؛ حتى لا يتم حبس أي شخص على ذمة إيصال أمانة وقعه أحد الأشخاص للمساعدة في زواج أبنائه او تلقي العلاج أو غيره من تلك الأمور الإنسانية, موضحًا أن عددًا كبيرًا من الجمعيات الخيرية بدأ في تبني أمر الغارمين، ولكن الأزمة تكمن في أن عدد الغارمين خارج أسوار السجون أكثر بمراحل من المتواجدين داخل أسوار السجون، حيث إن عددًا كبيرًا من الغارمين تم إصدار احكام قضائية ضدهم بسبب إيصالات الأمانة التي قاموا بالتوقيع عليها. وهو ما ذكره كامل عبد الله المحامي، قائلًا: بالفعل قضايا الغارمين يتم تحويلها من قضايا مدنية إلى جنائية؛ بسبب إيصالات الأمانة التي يوقع عليها المشترون بالقسط, كاشفًا أن بعض القضاة يقومون بتحويل القضايا إلى القضاء المدني, مضيفًا أن كثيرًا من الجمعيات الخيرية وزكاة الشرطة نجحت في حل أزمة عدد كبير من الغارمين، ولكننا بحاجة إلى إعادة النظر في القانون برمته وتقصي سبب توقيع الشخص على إيصالات الأمانة، من خلال تقديم سندات وأوراق تؤكد أنه قام بشراء شيء ما بالقسط مقابل توقيع إيصال الأمانة, خاصة أن بعض التجار من معدومي الضمير يقومون باستغلال حاجة المشتري وجهله أيضًا بالقانون، ويطلبون منه التوقيع على إيصال أمانة على بياض، أي دون تحديد مبلغ الصرف.