حمل الإفراج عن جندي حرس الحدود الأردني أحمد الدقامسة فرحة كبيرة لجمهور المقاومة ومعادي الاستعمار والصهيونية بالعالم العربي في مرحلة حاسمة من تاريخ تلك المنطقة. فمن هو أحمد الدقامسة؟ وما الذي ألقى به في سجون النظام الأردني لنحو عشرين عامًا؟ مسرح الحدث هو منطقة الباقورة الحدودية التي استلمت الأردن جزءًا منها بموجب معاهدة وادي عربة، الموقعة عام 1994، وإن ظلت سيادتها على ذلك الجزء منقوصة؛ إذ نصت المعاهدة على حق الصهاينة من مدنيين وشرطة في الدخول إلى المنطقة الأردنية والتملك فيها، بالإضافة إلى استمرار وقوع الجزء الأكبر من الباقورة "نهاريم" – وفقًا للتسمية الصهيونية – تحت الاحتلال والاستيطان؛ مما جعلها مع طبيعتها الجبلية الخلابة منطقة جذب للسياحة الداخلية في الكيان الصهيوني ومزارًا للعديد من الرحلات السياحية داخليًّا وخارجيًّا. وتؤكد بنود معاهدة وادي عربة على التزام الأردن بحماية وتأمين المتواجدين في المساحة الأردنية من زائرين ومستوطنين، حيث تعطيهم المعاهدة الحق في التواجد الآمن. تقول أوراق قضية الدقامسة على لسانه إنه في الثالث عشر من مثل هذا الشهر عام 1997 كان الدقامسة في نوبته بالخدمة العسكرية؛ لحراسة منطقة الباقورة، الواقعة في لواء الأغوار شمال الأردن، وتزامنت نوبة خدمته مع زيارة ترفيهية لفتيات من الكيان الصهيوني، وبينما كان الجندي يؤدي الصلاة، قامت الفتيات بالاستهزاء به وبأدائه، وأطلقن عليه النكات، فما كان منه إلا أن أطلق عليهن النار من سلاحه الرشاش؛ مما أسفر عن مقتل سبع منهن وإحالة الدقامسة إلى محكمة أمن الدولة الأردنية، ودافع الجندي عن نفسه أمام المحكمة مرفوع الرأس رغم تعسف القضاة معه وتعاملهم المهين تجاهه، وحُكم عليه بالسجن المؤبد؛ مما خلق حالة من الاصطفاف لدى القوى الوطنية والشعبية الأردنية، التي شكلت لجنة شعبية للمطالبة بالإفراج عنه، ودفع الحادث الملك حسين بن طلال العاهل الأردني السابق إلى قطع زيارة كان يقوم بها لأوروبا والعودة إلى الأردن، ثم زيارة الكيان الصهيوني لاحقًا؛ للاعتذار بنفسه وتقديم التعازي إلى أهالي القتيات والاستعداد لتقديم تعويضات لهم. في الأعوام اللاحقة لذلك اتسعت المطالبات من قبل العديد من القوى الحية في المجتمع الأردني للإفراج عن الدقامسة، وشهدت العاصمة عمّان اعتصامات متضامنة مع قضيته، شملت رفع 70 شخصية وطنية أردنية لمذكرة إلى الملك للإفراج عنه عام 2009، حتى إن وزير العدل الأردني الأسبق ونقيب المحامين الأردنيين قبلها حسين مجلي طالبا عام 2011 بالإفراج عنه. أصيب الدقامسة خلال سنوات سجنه بالعديد من الأمراض، منها السكري وتصلب الشرايين، في ظل ظروف بالغة السوء، دفعته إلى الإضراب عن الطعام أكثر من مرة؛ لتحسين شروط اعتقاله التعسفية، إلى أن شهد عام 2014 خضوعه لعملية قسطرة في القلب، بعد إصابته ببدايات جلطة قلبية. الجدير بالذكر أن سنوات اعتقال الدقامسة شهدت أكثر من حادث، قام خلاله مجندون صهاينة بإطلاق النار وقتل مواطنين أردنيين على خط الحدود وفي معابر حدودية بين الجانبين وفي الداخل الفلسطيني، دون أن يكون للإدارة الأردنية أي رد فعل على ذلك. وأبرز تلك الحوادث استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر في جسر الملك حسين الحدودي. تعيد قضية الدقامسة، الذي أفرجت عنه السلطات الأردنية أمس، إلى الأذهان قضية الجندي المصري الشهيد سليمان خاطر، الذي أطلق النار على سبعة صهاينة كانوا قد تجاوزوا الخط الحدودي المصري بمحاذاة نقطة حراسته في ،كتوبر 1985، بعد ست سنوات من توقيع معاهدة كامب ديفيد، وتم اعتقاله وإحالته إلى المحاكمة العسكرية، وحُكم عليه بالسجن المؤبد، رغم وضوح موقفه بأنه كان يؤدي الواجب الوطني العسكري الطبيعي، إذ كان قد أطلق صيحات وطلقات تحذيرية قبل إطلاق النار على الصهاينة السبعة، الذين انتهكوا السيادة المصرية وفقًا للقوانين والأعراف الدولية المتعلقة بالسيادة، ولاحقًا وُجد سليمان خاطر مشنوقًا في زنزانته شديدة الحراسة عام 1987؛ مما فجّر غضبًا شعبيًّا مصريًّا وقتها ومظاهرات قامت بها القوى الوطنية والحركة الطلابية؛ تنديدًا بمقتله وتكذيبًا للرواية الرسمية المترهلة القائلة بأنه قام بشنق نفسه.