في الوقت الذي تغط فيه معظم الدبلوماسيات العربية، بما فيها الدول المطبّعة مع إسرائيل، في سبات عميق، وتتنازل عن تأمين محيطها الحيوي، سواء في القارة الصفراء أو السمراء، يحاول الكيان الصهيوني تعزيز سطوته الدبلوماسية في المنطقة والعالم، فخلال العامين الماضي والجاري نشطت تل أبيب في تعزيز تواجدها على المستويين الإفريقي والآسيوي، واليوم تسعى لتتمدد في أماكن أخرى بعيدة مؤيدة للقضية الفلسطينية. تل أبيب تستهدف الدول اللاتينية أصبح واضحًا بالنسبة للكيان الصهيوني طبيعة علاقاته وحجمها مع دول المنطقة، فما بينها عداء لا يتبدل، ومع غيرها محاولات لتطوير العلاقات، لذا تضع تل أبيب خطة خارجية لدول أبعد مدى، ليس مع أصدقائها فحسب، بل مع من انقطع بينهم التواصل، حيث أعلن الكيان الصهيوني الرغبة في إعادة العلاقات مع كوباوفنزويلاوبوليفيا ونيكاراجوا. ونشرت وزارة الخارجية الصهيونية خطط العمل السنوية لعامي "2017-2018" وفي صلبها استئناف علاقات إسرائيل الدبلوماسية مع الأربع دول اللاتينية آنفة الذكر، وقالت الخارجية الإسرائيلية إن هذه الخطوة تأتي في إطار محاولة توسيع العلاقات مع دول أمريكا الجنوبية والكاريبي، اللافت أن هذه الدول معروفة بتأييدها للفلسطينيين ومعاداتها لإسرائيل، ونقلت سائل إعلام عبرية عن مسؤولين في الخارجية قولهم إن الدول الأربع تتبنى خطًّا معاديًا لإسرائيل ومؤيدًا للفلسطينيين. أبرز بنود الخطة الإسرائيلية مقدمة وثيقة الخطة وضعها المدير العام لوزارة الخارجية، يوفال روتيم، الذي وصف عام 2017 بعام التحول في بيئة العمل العالمي، التي تعمل وزارة الخارجية عليها، وتوقع أن تحدث الخطة تغيرات مهمة بخريطة القيادة العالمية، مشيرًا إلى أنه يجب الاستعداد وتجنيد القوى للتعامل مع الواقع المتغير، وتصدرت خطة العمل عناوين الوسائل الإعلامية العبرية، ومن أبرز بنودها: ترميم علاقات تل أبيب الدبلوماسية مع دول بأمريكا اللاتينية مقطوعة العلاقات معها، وهي، كوباوفنزويلا ونيكاراجوا وبوليفيا. كما أن الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية على رأس مهمات الوزارة، مقابل التشديد على استمرار الحوار مع روسيا بشأن كل ما يتعلق بسياستها بالشرق الأوسط، وتعزيز العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي بمعزل عن الصراع الصهيوني الفلسطيني. وجاء في الخطة أيضًا تحسين العلاقات مع الدول الإفريقية وتعميق العلاقات مع الصين والهند وفيتنام وكوريا الجنوبية. الخطة وصفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنها الغاية الاستراتيجية الأولى للكيان الصهيوني، ودعت إلى متابعة تنفيذ طهران لبنود الاتفاق النووي. الدول اللاتينية الأربعة المعادية لإسرائيل كوبا في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973 قطعت كوبا علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وبدأ الأخير يتطلع إلى استئناف العلاقات معها في أعقاب استئناف العلاقات بين أمريكاوكوبا عام 2014. فنزويلاوبوليفيا بالنسبة لفنزويلاوبوليفيا فقد قطعتا علاقاتهما مع إسرائيل عام 2009، في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة. ففي يناير 2009 أعلن نيكولاس مادورو، الرئيس الفنزويلي الحالي، والذي كان وقتها وزيرًا للخارجية، أن بلاده قررت طرد السفير الإسرائيلي شلومو كوهين مع ستة موظفين آخرين؛ تضامنا مع الشعب الفلسطيني واحتجاجًا على الحرب الإسرائيلية على القطاع، وردًّا على هذه الخطوة, أعلن ناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية أن تل أبيب ستطرد القائم بالأعمال الفنزويلي الذي يمثل بلاده في تل أبيب. وقال مادورو حينها إن الإسرائيليين دمروا المدرسة بأحدث الأسلحة بشكل متعمد, واتهم إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، بالوقوف وراء ما يحدث لأهل غزة. وفيما يتعلق ببوليفيا فلم يقتصر رد فعلها على قطع علاقاتها مع تل أبيب إبان حربها على غزة، حيث طالب رئيس بوليفيا، إيفو موراليس، بإعلان أن الرئيس الصهيوني الراحل، شمعون بيريز ورئيس وزرائه إيهود أولمرت، مجرما حرب. واحتجاجًا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2014، أدرجت بوليفيا إسرائيل على قائمتها للدول الإرهابية. وفي 21 سبتمبر من العام الماضي قال رئيس بوليفيا إن إسرائيل دولة بربرية ومن أكبر دعاة الحرب في العالم، وهاجم موراليس – خلال حضوره مؤتمر اليوم العالمي للسلام بالأمم المتحدة – السياسات الإمبريالية وسياسة إشعال الحروب التي تقوم بها إسرائيل والولاياتالمتحدة، مضيفًا: "سياسة إسرائيل في إشعال الحروب ربما تكون واحدة من أكثر النماذج البربرية في العالم". نيكاراجوا قطعت نيكاراجوا علاقاتها مع تل أبيب عام 2010، ردًّا على الهجوم الإسرائيلي الدامي على الأسطول الدولي الذي كان متجهًا إلى غزة، حينها شددت حكومة نيكاراجوا القريبة من اليسار الراديكالي على عدم التكافؤ في الهجوم على البعثة الإنسانية، والانتهاك الفاضح للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وأعادت نيكاراجوا أيضًا تأكيد دعمها "غير المشروط للكفاح الذي يخوضه الشعب الفلسطيني"، وطالبت برفع الحصار المفروض على قطاع غزة. ويبدو أن إسرائيل تقرأ المعادلات والتغيرات العالمية جيدًا، لذلك فهي تضع خططًا في الإطار الاستراتيجي، وتنظر لنفسها على أنها ليست دولة في الإطار المحلي أو الإقليمي، بل تريد أن تصبح مقرره في الشأن الدولي، لذلك عندما تكون هناك متغيرات من طراز أن تسعى واشنطن بالتعاون مع إسرائيل إلى خلق ما يسمى بحلف ناتو عربي، فهذا متغير مهم في إطار نظرة تل أبيب إلى العالم العربي والإسلامي، ويحمل رسالة مهمة يستطيع العدو الصهيوني استثمارها في وصل علاقاته المقطوعة مع الدول غير العربية وغير الإسلامية، مفادها أن الدول التي من المفترض أنها تتحمل مسؤولية القضية الفلسطينية سواء بالبعد العربي أو الإسلامي قد تقاربت مع تل أبيب، وبالتالي على الدول اللاتينية ألا تكون ملكية أكثر من الملك الذي تخلى عن القضية المركزية، في مشهد مكرر لتقارب الصهيوني مع الدول الإفريقية، فمعظم الدول الإفريقية كانت تنتهج سياسات معادية لإسرائيل وداعمة لفلسطين، ولكن عندما وقعت مصر الدولة العربية الإفريقية اتفاقية كامب ديفيد، بدأت الدول الإفريقية في التقارب مع تل أبيب.