تكهنات عدة شابت العلاقات الأمريكيةالصينية منذ تنصيب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب؛ حيث خرجت تصريحات تدل على استمرار الحرب الباردة بين البلدين، وأشارت أخرى إلى دفء العلاقات، لكن الزيارة الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة الخارجية الصينية ربما تأتي لرسم مستقبل العلاقات بين البلدين خلال الفترة المقبلة، في ظل تقلب السياسات الدولية وتغير التحالفات الإقليمية والدولية. الزيارة الأولى أعلنت وزارة الخارجية الصينية، مساء أمس الأحد، أن عضو مجلس الدولة الصيني، يانغ جيتشي، الذي يعتبر أكثر نفوذًا من وزير الخارجية نفسه، سيزور الولاياتالمتحدة اليوم الاثنين، ليكون أرفع مسؤول صيني يزور أمريكا منذ انتخاب دونالد ترامب، وسيجتمع مع كبار المسؤولين الأمريكيين على مدار يومين هما مدة الزيارة؛ لمناقشة العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وسيتصدر جدول الأعمال الترتيبات لعقد اجتماع بين ترامب ونظيره الصيني، شي جينبينغ. اللقاء الثاني تأتي الزيارة المهمة من بكين إلى واشنطن لتكون المقابلة الثانية بين مسؤولين صينيين وأمريكيين منذ انتخاب ترامب، حيث سبق أن عقد وزيرا الخارجية الأمريكي والصيني، ريكس تيلرسون، ووانج يي، في 17 فبراير الجاري، اجتماعًا على انفراد في ألمانيا على هامش اجتماع وزاري لمجموعة العشرين في مدينة بون الألمانية، ليكون اللقاء الأول بين البلدين منذ انتخاب ترامب. اللقاء الأمريكي الصيني بين عضو مجلس الدولة الصيني والمسؤولين الأمريكيين، وحتى اللقاء الذي جمع وزيرا داخلية البلدين على هامش قمة العشرين، ارتكزا على بحث نقاط التوتر الرئيسية بين الطرفين، وأهمها النزاع التاريخي بين الصينوتايوان والجزر المتنازع عليها، وموقف أمريكا من هذا النزاع، وكذلك مسألة التجارة بين بكينوواشنطن. ترامب يشعل الفتيل ب"تايوان" مع تولي ترامب رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، أثيرت شكوك حول تغير اللهجة الأمريكية تجاه الصين وموقفها من مبدأ "الصين الواحدة"، وتأكدت الشكوك الصينية بعد أن استقبل الرئيس الأمريكي مكالمة هاتفية من نظيرته التايوانية، تساي اينغ-وين، الذي تعتبر الأولى منذ أن قطعت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع الجزيرة المستقلة بحكم الأمر الواقع عام 1979، وأبدى ترامب خلال المكالمة استعداده لإعادة النظر في مبدأ "الصين الواحدة"، في نقض لموقف أمريكي ثابت منذ عقد، يحظر أي اتصال دبلوماسي بين الدول الأجنبية وتايوان، التي تعتبرها بكين أحد أقاليمها. اشتعل حينها الغضب الصيني وأعربت بكين عن قلقها من الخطوة الأمريكية، وقالت إن ترامب يلعب بالنار، الأمر الذي دفع الرئيس الجديد للتراجع عن موقفه ومحاولة نزع فتيل الأزمة التي كادت أن تُشعل العلاقات بين الطرفين، حيث أعاد لاحقًا التأكيد على الالتزام الأمريكي بما يسمى سياسة "الصين الواحدة"، خلال اتصال مع الرئيس الصيني، شي جينبينغ، ووصف المحادثة بأنها كانت "دافئة جدًا"، في محاولة منه لتخفيف حدة التوتر الذي سببه تصريحاته المتهورة، الأمر الذي أوحى برغبة ترامب في تحسين العلاقات الصينيةالأمريكية. وزيرا الخارجية والدفاع يصعدان الأزمة أفعال ترامب وتصريحاته لم تكن الوحيدة التي أثارت غضب الصين، لكن وزير خارجيته أيضًا، ريكس تيلرسون، دخل على خط التوتر بين الطرفين؛ حين لوح بإمكانية فرض حصار أمريكي لمنع الصين من الوصول إلى الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، في موقف نددت به الصحافة الصينية، محذرة من أنه قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية. في الإطار ذاته، أشعل وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، المزيد من التوتر بين الدولتين، حينما اختار آسيا أو بالتحديد جيران الصين، كوريا الجنوبيةواليابان، ليكونان واجهته الأولى في أول رحلة له منذ تسلمه مهام منصبه، حيث سعى إلى التأكيد على العلاقات مع الحليفين الآسيويين اللذين يستضيفان 80 ألف جندى أمريكي، الأمر الذي دفع بعض المراقبين إلى القول إن ترامب اختار أن يرسل ماتيس إلى آسيا في البداية دون غيرها لبعث رسالة طمأنة إلى هؤلاء الحلفاء، خاصة بعدما أقلقهم خلال حملته الانتخابية ببعض التصريحات التي تشير إلى تغير السياسات والاستراتيجية الأمريكية، وزاد عليها بانسحابه من اتفاقية تجارية لمنطقة آسيا والمحيط الهادى، كانت اليابان فى طليعة المنادين بها. خلال زيارة ماتيس إلى اليابان، سعى إلى هدم جميع المخاوف، حيث قال إن واشنطن ستدافع عن اليابان في حالة النزاع مع بكين حول جزر سينكاكو المتنازع عليها وغير المأهولة، لكنها محاطة بأسماك وحقول نفط وغاز كبيرة، وأضاف أن جزر سينكاكو تقع ضمن نطاق المعاهدة الأمنية بين اليابانوالولاياتالمتحدة، التي بموجبها تلتزم واشنطن بالدفاع عن المناطق الخاضعة للسيطرة الإدارية اليابانية، وأوضح ماتيس حينها أن الولاياتالمتحدة تعارض أي إجراء أحادي تقوض من سلطة اليابان على تلك الجزر. هذه التصريحات أثارت غضب بكين أيضًا، حيث اتهمت واشنطن بهز استقرار منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ودعت وزارة الخارجية الصينيةالولاياتالمتحدة إلى التوقف عن إصدار تصريحات خاطئة حول تلك الجزر، التي تقع في بحر الصين الشرقي والمعروف باسم دياويو في الصين. التجارة.. عقدة جديدة في العلاقات من جانب آخر، وبعيدًا عن الأزمة بين الصينوأمريكا حول مسألة الجزر المتنازع عليها، فإن أزمة التجارة أيضًا كانت نقطة سوداء كبيرة في صفحة العلاقات بين الطرفين؛ حيث انصبت انتقادات إدارة ترامب منذ تنصيبه في الشأن التجاري على الصين، فقد اتهمت واشنطنبكين بالتسبب في خسارة وظائف بالولاياتالمتحدة من خلال سياستها التصديرية، ملوحة باتخاذ تدابير حمائية ضدها، من ضمنها زيادة رسوم الاستيراد على البضائع الصينية، لكن العديد من المراقبين رأوا أن الخطوة قد تضر بواشنطن أكثر من بكين، حيث ستتعامل الصين بالمثل وسترفع رسوم البضائع الأمريكية أيضًا، وسيكون الأمر بمثابة مغامرة لأنها أكثر كلفة للمستهلك الأمريكي. خطوات صينية.. ترهيب أم دفاع؟ العلاقات المضطربة التي تتميز بالصعود والهبوط بين الطرفين، دفعت كل منهما إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحتياطية للدفاع عن نفسها في حالة اندلاع أزمة في المنطقة، حيث توقعت العديد من التقارير أن تكون الميزانية العسكرية للصين ضخمة جدًا، حيث من المقرر أن تعلن عنها في الاجتماع السنوي الذي يعقده البرلمان الصيني في مارس المقبل، ما تترقبه أمريكا كدليل على نوايا الصين، خاصة في ظل ورود أنباء عن احتمال أن تحصل القوات البحرية في جيش التحرير الشعبي في الصين على تمويل كبير في ميزانية الدفاع المقبلة، خاصة مع بروز دور البحرية مع تولي واحد من كبار القيادات البحرية قيادتها، وإبحار حاملة طائراتها الأولى حول تايوان وظهور سفن حربية صينية جديدة في مناطق بعيدة. وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالقلق من وجود قاعدة بحرية صينية بجوارهم فى منطقة القرن الإفريقى، حيث أوضحت الصحيفة أن كلا من واشنطنوبكين تحتفظان بعشرات الصواريخ النووية العابرة للقارات الموجهة إلى مدن بعضهما بعضا، كما أن الفرقاطات والطائرات الخاصة بهما تتواجه كل حين فى المياه المتنازع عليها فى بحر الصين الجنوبي، ومع عدم وجود حدود مشتركة بينهما، فإن الصينوالولاياتالمتحدة تلاحقان بعضهما بعضا بعيدًا، وتعتمدان على الأقمار الصناعية والتكنولوجيا لإلقاء نظرة خاطفة على ما يفعله الآخر داخل آلات الحرب، كما أن الخصمين الاستراتيجيين على وشك أن يصبحا جارين في الصحراء شرق إفريقيا، حيث تبنى بكين أول قاعدة عسكرية بالخارج لها في جيبوتي، على بعد أميال قليلة من معسكر "ليمونير"، أحد أهم وأكبر المنشآت الأجنبية للبنتاجون الأمريكي.