مع اقتراب موعد محادثات السلام من أجل تسوية النزاع في سوريا، المقررة انعقادها يوم 23 يناير الجاري في العاصمة الكازخية أستانة، برعاية روسية تركية إيرانية، تشهد الساحة السياسية السورية حالة من الحراك السياسي، لا سيما المعارضة، التي تحركت على مستوى الفصائل والتنظيمات لتشكيل وفد قادر على التمهيد لحوار سياسي بعد الالتزامات بضمانات عسكرية لوقف إطلاق النار في سوريا. وعلى الجانب الآخر، نجد فريق النظام السوري أكثر جاهزية وتنظيما واستعدادا لخوض غمار الأستانة، حيث كشف الرئيس السوري بشار الأسد، أنه مستعد لمناقشة كل شيء في المفاوضات المزمعة. الفصائل المعارضة والأستانة عندما بدأ الحديث عن حالة من الاستعصاء في آلية حضور الفصائل السورية المعارضة للأستانة نتجت عن تضارب أجنداتها وفقًا للدول الداعمة لها، ونشوب معركة نهر بردى بين النظام والمعارضة المسلحة، حيث أعلنت نحو 10 من فصائل المعارضة السورية في وقت سابق من مطلع الشهر الجاري عن تعليق مشاركتها في مفاوضات الأستانة، وذكر بيان وقعه عدد من الفصائل أن سبب التعليق "انتهاك الحكومة غير مبرر لاتفاق وقف إطلاق النار"، أضف إلى ذلك اغتيال مجموعات مسلحة يوم السبت الماضي، اللواء أحمد الغضبان المكلف بأمور المصالحة في منطقة وادي بردى أثناء خروجه من نبع الفيجة. في هذه الأيام، يدور حديث مغاير حول مشاركة بعض الفصائل السورية في الأستانة، حيث رضخت المعارضة السورية للضغوط التركية، معلنة موافقتها المشاركة في المباحثات المقررة في عاصمة كازخستان، بعد أن تخلت عن شرط تثبيت وقف إطلاق النار واستجابت للطلب الروسي بعدم إشراك شخصيات سياسية، وفق ما ذكرت مصادر، يوم السبت الماضي. وقال مصدر في المعارضة إن اجتماعات أنقرة التي عقدت ب"إشراف تركي على مدار ثلاثة أيام وضمت شخصيات إعلامية وسياسية من الائتلاف الوطني السوري والهيئة العليا للمفاوضات وقادة فصائل عسكرية انتهت أمس بالموافقة على المشاركة في مباحثات أستانة"، الأمر الذي يشير إلى تخلي المعارضة السورية التي تنتوي الذهاب للأستانة عن إصرارها على وقف إطلاق النار في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية من قبل الجيش النظامي، مثل وادي بردى والغوطة الشرقية والوعر والرستن وتلبيسة وبيت جن، أما عن إصرار المعارضة على إشراك شخصيات سياسية من الائتلاف والهيئة العليا من المفاوضات في فريق المفاوضات، فقد تم الالتفاف عليه من قبل الأتراك الذين ألمحوا للمجتمعين أن روسيا ترفض التعامل مع الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات، طبقا للمصدر. ويبدو أن هناك صفقة بين أنقرةوموسكو بخصوص الأطراف المعارضة التي ستحضر مباحثات الأستانة، فتركيا قبلت عدم مشاركة الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات مقابل ألا يشرك الروس الأكراد في المباحثات، في إشارة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرهما أنقرة جماعتين إرهابيتين. كما قررت غالبية فصائل الجيش السوري الحر المشاركة في اجتماع أستانة، ومن المتوقع أن يترأس محمد علوش، رئيس الجناح السياسي لجيش الإسلام، وفد المعارضة إلى المفاوضات. وذكر المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية، عبر موقعه الإلكتروني، أمس الاثنين، أن فصائل "فيلق الشام، فرقة السلطان مراد، الجبهة الشامية، جيش العز، جيش النصر، الفرقة الأولى الساحلية، لواء شهداء الإسلام، تجمع فاستقم، جيش الإسلام" وافقت على المشاركة في الاجتماع. بدورها نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن مصادر في المعارضة السورية أن عدد المشاركين بوفد المعارضة المسلحة في مباحثات الأستانة قد يصل إلى 15 شخصا، في حين رفض "أحرار الشام، وصقور الشام، وفيلق الرحمن، وثوار الشام، وجيش إدلب، وجيش المجاهدين، وحركة نور الدين الزنكي" الحضور للأستانة. اتصالات الدول الراعية مجموعة من الاتصالات بين موسكو وطهران وأنقرة تمهد لمباحثات الأستانة، ويبدو أن موسكو كان لها الدور النشط في هذه الاتصالات، فموسكو كانت القاسم المشترك في اتصال، حيث بحث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الاثنين، مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، في اتصال هاتفي، سير عملية التحضير لمفاوضات أستانة بشأن سوريا. وجاء في بيان، صدر عن وزارة الخارجية الروسية بهذا الصدد، أن الجانبين "قاما بالتبادل العميق للآراء حول الوضع في سوريا"، وأضافت الوزارة أن لافروف وجاويش أغلو "تطرقا إلى مسائل عملية التمهيد للاجتماع الدولي الخاص بالتسوية السورية في أستانة، آخذين بعين الاعتبار نتائج المشاورات على مستوى الخبراء بين روسيا وتركيا وإيران، التي عقدت في 13 يناير من العام الجاري"، كما شملت المباحثات بين الوزيرين عددا من القضايا الملحة في مجال التعاون الروسي التركي. وأمس، بحث وزير الخارجية سيرغي لافروف، هاتفياً مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، أيضًا، المفاوضات السورية المرتقبة في أستانة، وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها اليوم: "تم بحث الوضع في سوريا وما حولها، وأشار الوزيران إلى مزيد من التنسيق في سياق المفاوضات السورية المرتقبة في أستانة"، وأوضحت الخارجية الروسية أن الاتصال جاء بمبادرة من الجانب الروسي. ويرى مراقبون أن الجدل سيظل حول أهداف الأستانة، ما إذا كانت بديلًا لجنيف أم أنها خطوة تمهد لها، في ظل الحديث عن مفاوضات جنيف المرتقبة في شهر فبراير المقبل، كما أن دعوة روسيا لمشاركة أمريكا في مباحثات الأستانة التي أكدتها أنقرة، تلقي بمزيد من الغموض في ظل الوافد الجديد للبيت الأبيض، دونالد ترامب، الذي سيتولى مهامه يوم الجمعة المقبل، وتوجهاته نحو سوريا.