عربي ودولي العرب صورة الجيش السوري خالد عبد المنعم ليس معروفًا حتى الآن ما إذا كانت الآستانة، التي ستستضيف المفاوضات السورية بين الحكومة والمعارضة المزمع انعقادها شهر يناير المقبل، ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه؛ لارتباط اسم العاصمة الكازاخية بحل الأزمة السورية التي استعصت على أطراف دولية وإقليمية، أم أن محادثاتها ستضاف إلى أرشيف محادثات سبقتها لم تفلح في الوصول إلى حلول جذرية، مثل جنيف وفيينا. المفاوضات السورية الطريق إلى الآستانة ليس مُعبدًا، وللتغلب على عقباته ومطباته، قررت كل من روسياوتركيا وإيران تنسيق الجهود فيما بينها للتوصل إلى نتائج مقبولة، تساهم في حلحلة الأزمة المستعصية. ولكن يبدو أن هناك إصرارًا من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على العزف منفردًا معلنًا بتصرفاته وقراراته إيحاءات بالابتعاد عن الإجماع المتفق عليه، فأمس تحدثت وكالة أنباء تركية شبه رسمية، عن توصل أنقرةوموسكو إلى خطة لوقف إطلاق النار الشامل في سوريا، تستثني الجماعات الإرهابية، والمتحدثان باسم الكرملين والخارجية رفضا التعليق على هذه التقارير، حيث رفضت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التعليق على التقارير التي تحدثت عن هذه الخطة، وقالت "لا علم لدينا بالاتفاق، ولا تعليق عليه". وحاولت أوساط روسية تدارك الإعلان التركي المنفرد، والذي ظهر بأسلوب يوحي بعدم التنسيق، بأن الجانب الروسي يبلغ طهران بسير المحادثات مع أنقرة حول صياغة اتفاقيات الهدنة بسوريا. الاتفاق التركي وفقًا لوكالة الأناضول التركية فإن أنقرةوموسكو نسّقتا "خطة لوقف إطلاق النار في سوريا" وسيتم عرض هذه الخطة على الحكومة السورية للموافقة عليها. ونقلت الوكالة التركية عن مصادر وصفتها ب"الموثوقة" أن المقترح "يقضي بتوسيع نطاق وقف إطلاق النار وإجلاء السكان في مدينة حلب؛ ليشمل عموم الأراضي السورية، وسيتم عرضه على أطراف الأزمة في سوريا"، مضيفة أنه "يهدف لتطبيق وقف إطلاق النار في جميع مناطق الاشتباكات بين النظام السوري والتنظيمات الأجنبية -الإرهابية- الموالية له من جهة والمعارضة من جهة أخرى". وبحسب المصادر نفسها فإن الاتفاق يستثني التنظيمات الإرهابية، مضيفة أن "أنقرةوموسكو ستبذلان جهودًا حثيثة لإدخال وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة حيّز التنفيذ اعتبارًا من الليلة المقبلة". محاذير الإعلان يبدو أنه لا تنسيق بين أنقرة من جهة وموسكووطهران من جهة أخرى، فحتى الآن من غير الواضح ما إذا كان توصيف "التنظيمات الحليفة للنظام السوري" ب"الإرهابية" هو جزء من النص المتفق عليه، أم أنه يعبّر عن رأي المصادر التي نقل الخبر على لسانها، مع العلم بأن هناك خلافًا حدث بالفعل بين أنقرة وكل من موسكووطهران في الاجتماع الثلاثي بموسكو مؤخرًا حول مشاركة حزب الله في الحرب ضد الإرهاب في سوريا، وقتها غضت موسكووطهران الطرف عن مطالبة تركية بانسحاب حزب الله من سوريا. الملاحظ أيضًا أن هناك تراجعًا تركيًّا عن بعض المتفق عليه في موسكو، فلمحاربة الإرهاب أولوية على أي حديث آخر كإسقاط النظام السوري، ولكن حديث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لا يشير لالتزام أنقرة بهذه الأولويات، فعند تقديم أوغلو لاقتراحات وقف إطلاق النار في سوريا، قال إنه "يوجد اقتراحان جاهزان للحل في سوريا يتعلّقان بالشق السياسي وبوقف إطلاق النار"، مضيفاً أنّ الحلّ الأفضل في سوريا هو السياسي. لكنه في معرض حديثه لفت إلى أن "الانتقال السياسي مع وجود الأسد مستحيل"، وهي الجملة الملغومة في الكلام التركي، وعلى الرغم من أن تركيا قالت إن أنقرةوموسكو متفقتان على وحدة الأراضي السورية، فإن كلام أنقرة حول رحيل الرئيس السوري بشار الأسد لا يحقق شرط وحدة الأراضي السورية، فإذا كانت الفصائل السورية المسلحة منقسمة إلى مئات الأحزاب والمليشيات والتنظيمات، نجد في الطرف الآخر (الحكومي) التفافًا مستقرًّا إلى حد ما خلف الرئاسة السورية، كما أن مؤسسات سورية ضخمة كالجيش السوري ما زالت متموضعة وبقوة خلف الأسد، وطرح فكرة رحيل الأسد قد يُرجع الحديث مجددًا عن تقسيم سوريا، فمؤيدو الأسد كالمعارضة لن يقبلوا بشروط مسبقة للذهاب للآستانة، خاصة في هذا التوقيت الذي حقق فيه الجيش السوري انتصارات مدوية، كان آخرها في حلب، وبالتالي ما لم تستطع المعارضة السورية وحلفاؤها الدوليون والإقليميون من أن تأخذه عسكريًّا لن تحصل عليه سياسيًّا، خاصة أن المعارضة السورية بدأت تعترض أيضًا على مطالب روسية، فعلى الرغم من ترحيب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات السورية المعارضة، رياض حجاب، بالدعوة إلى التفاوض لحل الأزمة في سوريا ووصفها ب"الجهود الصادقة" للسلام، إلا أن هناك أطرافًا معارضة بدأت في الزج بشروطها، حيث قال رئيس المكتب السياسي لحركة أحرار الشام، منير السيال، إنه "من السابق لأوانه الحديث عن أي فرص لنجاح المحادثات حول الاتفاق المقترح". وأضاف "المشاورات تجري برعاية تركية، والعدو الروسي يحاول استثناء الغوطة الشرقية لدمشق من أي محاولة لوقف إطلاق نار شامل بسوريا تتوافق عليها فصائل الثورة". وتابع "إن تجزئة المناطق المحررة مرفوض مطلقًا"، وتحاول روسيا استثناء الغوطة؛ لأن سفارتها في سوريا تم استهدافها من المعارضة السورية المتواجدة في الغوطة. ويرى مراقبون أن ضباب التحركات التركية فرض حالة من الإرباك على أجندة المعارضة السورية أيضًا، فأطراف من المعارضة السورية قالت إن مصادر شاركت في اجتماعات الفصائل المسلحة في أنقرة نقلت جانبًا من الضغوط التركية، حيث أبلغت أنقرة صراحة بضرورة القبول بمؤتمر الآستانة بسبب أن "المعارضة هُزمت بخسارتها حلب وعليها قبول وقف إطلاق النار دون شرط والذهاب لحل سياسي بناء على إعلان موسكو وليس إعلان جنيف، وفك الارتباط مع الفصائل المسلحة المصنفة كتنظيمات إرهابية"، وبالتالي تركيا قد تعرقل بطريقة أو بأخرى المفاوضات السورية السورية؛ بسبب سوء التنسيق بين حلفائها الجدد والقدامى من جهة، ومحاولاتها المستميتة لإيجاد دور مركزي لها في الملف السوري في ظل غياب واشنطن عن المشهد السوري.