رغم الدور الكبير للمناضلة الوطنية نور الهدى محمد سلطان، أو كما تلقب ب"هدى شعراوي" ابنة محافظة المنيا، في ثورة 1919، إلا أن ذكراها لم تُخلد في أي من مناسبات المحافظة القومية، أو المناسبات المحلية، كما تعاني مباني أسرتها وقبور عائلتها العريقة، إهمالًا كبيرًا، حتى انتشرت التشققات والانهيارات في قصر العائلة، وخرج من التسجيل الأثري، بينما دخلت المجموعة الجنائزية السجل منذ أشهر قليلة. يقع قصر هدى شعراوي وسط مدينة المنيا بشارع كورنيش النيل، ملاصقًا لمبنى الاستعلامات السياحية، ويعد من أشهر قصور المحافظة، لكنه شهد منذ 10 أعوام تقريبًا عدة اعتداءات بهدف هدمه، جعلته يخرج من التسجيل الأثري، ويتحول إلى ما يشبه "الخرابة"؛ حيث احتله بعض الأشخاص بحجة أنهم استأجروه من ورثة هدى شعراوي، وبدأوا في تخريبه بشكل غير مسبوق وسرقة مقتنياته الزخرفية، وتكسير بعض جدرانه إلى أن تمكنت الأجهزة الأمنية من التصدي لهم وتحرر عدة محاضر. وقال مصدر بديوان محافظة المنيا – طلب عدم ذكر اسمه- إن القصر ظل تحت إشراف هيئة الآثار عدة سنوات، ثم خرج من التسجيل وعاد مرة أخرى لإشراف محافظة المنيا بعد كثرة الاعتداءات عليه، وطمس زخارفه وجماله المعماري، مضيفًا أن القصر تعرض للعبث والتدمير من قبل بعض الأشخاص، الذين دمروا جدرانه داخليًا بهدف هدمه واستغلال موقعه مرة أخرى في البناء، ما كان أبرز الأسباب الرئيسية لعدم ضم القصر للآثار مرة أخرى. وأضاف المصدر ل"البديل" أن لجنة المعاينة الأثرية للقصر عام 2007، أكدت قيام بعض الأشخاص بأعمال التخريب والهدم داخل القصر، وأن محافظ المنيا حينها تدخل وتم وقف أعمال الهدم وتحرير محاضر بالمخالفات في قسم شرطة بندر المنيا تحت رقم 11056 لسنة 2007. على جانب آخر، نجد أن المجموعة الجنائزية لوالدي هدى شعراوي التي تضم قبورهما، سُجلت أثريًا منذ فترة قريبة، ليعد الأثر شاهدا على تاريخ العائلة ضمن موسوعة الآثار بالمنيا. وقال ناصر نعنوس، مدير عام التسجيل الأثري بالمنيا، إن المجموعة الجنائزية تقع في قرية زاوية الأموات أو كما يسميها الأهالي "زاوية سلطان" التابعة لمركز المنيا، وتعد هذه المجموعة لوالدها محمد باشا سلطان، ابن السلطان أغا بن أحمد، الذي قدم بأهله من بلاد الحجاز، وعُرف عن محمد باشا الكرم وسماحة الوجه والذكاء، ولقب بملك الصعيد، كما شغل منصب حاكم صعيد مصر، وله سلطة واسعة، إلى أن صدر قرار الخديوي توفيق في 18 ديسمبر 1881 بتنصيبه رئيسًا لمجلس شورى النواب. وأضاف نعنوس ل "البديل" أن مقابر هدى شعراوي وعائلتها، أطلق عليها "مجموعة جنائزية" لأنها لم تقتصر على قبور العائلة فقط، بل ظهرت بها مظاهر العمارة المدنية بقوة، إّذ يوجد بها "سلاملك" وهو جناح خاص بجلسات الرجال، و"حراملك" وهو قسم خاص للسيدات، بجانب وجود بئر، والكثير من الزخارف المميزة بالحوائط، ما يؤكد أن المكان كان خاصا بالمعيشة وليس الدفن فقط. وأشار مدير عام التسجيل الأُثري بالمنيا إلى أن المكان له قيمة تاريخية كبيرة، لدفن حاكم الصعيد به "محمد باشا سلطان" والمناضلة الوطنية "هدى شعراوي"، و"عمر باشا سلطان"، بجانب قيمته المعمارية الفريدة ووجود عدد من القباب الضريحية، والحجرات الخاصة، والنقوش الفريدة على الأبواب، وزخارف الأرابيسك. جدير بالذكر أن المناضلة الوطنية هدى شعراوي وُلدت عام 1879، وهي ابنة محمد سلطان باشا، الذي كان رئيس مجلس النواب الأول في عهد الخديوي توفيق، وتزوجت في سن الثالثة عشر من ابن عمها علي الشعراوي، الذي كان له دورًا سياسيًا ملحوظًا في ثورة 1919 وعلاقته بسعد زغلول، الذي انعكس هذا الدور عليها، فشاركت بقيادة مظاهرات للنساء عام 1919، وأسست "لجنة الوفد المركزية للسيدات" وأشرفت عليها، وخرجت على رأس مظاهرة نسائية مكونة من 300 امرأة للمطالبة بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه, كما ساهمت في تشكيل اتحاد المرأة المصرية المتعلمة عام 1914، وتأسيس جمعية الاتحاد النسائي عام 1927 بهدف رفع مستوى المرأة الأدبى والاجتماعى, وظلت تدافع عن العديد من القضايا الوطنية والنسائية إلى أن تُوفيت عام 1947.