حالة من الحزن سادت الصعيد الذي قدم 9 شهداء من أربع محافظات، هي أسوان وسوهاج وأسيوط وبني سويف من أصل 12 شهيدًا و10 مصابين من القوات المسلحة، في حادث استهداف كمين الغاز بالعريش بقرية السبيل من قِبَل مسلحين، صباح أمس الأول الجمعة. وقدمت محافظة أسيوط وحدها أربعة شهداء، هم مايكل كرمي نخنوخ، 22 عامًا، فادي فايق، 21 عامًا، عرفات السيد محمود، 22 عامًا، محمود السيد علي عباس، 22 عامًا، ليشيع أهالي ديروط والوليدية والفتح وساحل سليم أبناءهم وسط حالة من البكاء والعويل. واتشحت منطقة الوليدية بالسواد بعد فقدان ابنها مايكل كرمي نخنوخ، الذي ذهب لاستلام شهادة تأدية الخدمة العسكرية، بعد أن ودع أهله في آخر إجازة له، ولم يكن يعلم أن نهايته ستأتي وهو محمول على الأعناق، بعد أن نال الشهادة في حادث تفجير كمين الغاز. ولم يختلف الأمر كثيرًا لدى الشهيد محمود السيد علي، خريج كلية الحقوق، الذي يتبقى في سجل خدمته العسكرية بعض الأيام القليلة، وقد أطلق عليه زملاؤه «أبوجبل»؛ لقوته الجسمانية وحُبه للقتال دفاعًا عن الوطن، وكان حلمه الوحيد الالتحاق بالقوات المسلحة لتقديم الخدمة لبلده، بحسب أحمد يوسف، أحد أقاربه، الذي قال: كان يتمنى الخدمة في الجيش المصري وتوجيه قوته الجسمانية لصالح البلد. واتشح شارع الشهيد أبو جبل، الكائن بقرية الرياض، بالسواد والحزن وسط عويل وبكاء جيرانه، مؤكدين أنه كافح بعد وفاة والده منذ عام ونصف، وأنه كان في الإجازات يعمل معلمًا لأبناء الأقارب والجيران، في محاولة منه لمساعدة أسرته، وكان يتسم بالكرم وحسن الخلق بين أهله وجيرانه. وكان الشاب الأسيوطي قد عاد منذ عدة أشهر إلى بلدته حاملًا شهادة تقدير من القوات المسلحة، تكريمًا على شجاعته في محاربة الإرهاب بشمال سيناء، عُلقت الشهادة في غرفة الاستقبال؛ لتُصبح محل فخرًا له بين جيرانه وعائلته، وشاهدًا على بطولاته. وفي قرية نزلة باخوم، التابعة لمركز ساحل سليم، كان المشهد صعبًا للغاية، بعدما خرج مسلمو ومسيحيو القرية لتوديع جثمان الشهيد فادي فايق حنا، الذي راح ضحية الغدر، حيث امتزجت دموع أهالي القرية، الذين اصطفوا على جانبي الطريق لتوديع جثمان الشهيد. وقال روماني كميل، أحد أصدقاء الشهيد: فادي التحق بجامعة أسيوط، وحصل على بكالوريوس التربية، والتحق بالخدمة الوطنية مباشرة منذ عام تقريبًا، حيث كان يستعد لإنهاء خدمته العسكرية في الأول من ديسمبر المقبل، لكن القدر لم يمهله، وكان يعد الأيام ليخفف الضغط عن كاهل الأسرة التي يرعاها والده الذي يعمل موظفًا بالوحدة الصحية بالقرية، وكان فادي أكبر أشقائه وله أخ يدعى فريد، مجند حاليًّا، وكان فادي يستغل فترة الإجازة في خدمة جيرانه وأقاربه، وكان بارًّا بأسرته. واتشحت قرية بني زيد الأكراد، التابعة لمركز الفتح، بالسواد التام؛ حزنًا على استشهاد عرفات السيد محمود، حيث يقول عبد الرحيم محمود، عم الشهيد: عرفات أصغر أشقائه الثلاثة، حصل على ليسانس حقوق من جامعة أسيوط، وكان من خيرة شباب العائلة، بل القرية بأكملها، ويوم الحادث أخبر والده هاتفيًّا بأنه يستعد لإنهاء أوراق الخدمة، وسيأتي إلى أسيوط يوم الأحد المقبل، واطمأن على جميع أفراد أسرته فردًا فردًا، وكأنه يودعهم، مضيفًا أن عرفات كان يحرص على صلة الرحم، حيث كان يزور أفراد العائلة والأقارب كافة عقب حصوله على الإجازة، وكان يعشق المرح، فالمكان الذي يذهب إليه كان يملؤه بالبهجة والسرور. وكان في استقبال جثامين الشهداء، إلى جانب ذويهم، كل من المهندس ياسر الدسوقي، محافظ أسيوط والعميد أسامة البدري، المستشار العسكري للمحافظة، والمهندس محمد عبد الجليل، السكرتير العام للمحافظة، وأعضاء مجلس النواب، والأنبا يوأنس مطران، الأقباط الأرثوذكس بأسيوط، والشيخ محمد العجمي، وكيل وزارة الأوقاف، ومحمد فؤاد، وكيل وزارة التضامن الاجتماعي. وفي بني سويف خرج الآلاف من أهالي مدينة سمسطا لتشييع جثمان الشهيد حسام حسن، 21 عامًا، في جنازة عسكرية مهيبة، خرجت من مسجد الفالوجا بحضور القيادات التنفيذية والشعبية بالمحافظة. وقال والد الشهيد: إجازته انتهت منذ أربعة أيام، ولم تكن من عادته قبل سفره أن يوصي على إخوته ووالدته، وتعالت الضحكات بيننا: «إنت مش راجع تاني ولا إيه؟! سيبها على الله»، وكان خبر استشهاده فاجعة لنا، لم يستطع أشقاؤه ووالدته أن يتحملوا الخبر، وكان حسام يمتاز بالخلق والكفاح وحبه للخدمة العسكريه والبلد. وردد المشاركون في الجنازة هتافات مناهضة للإرهاب منها: «الإرهاب عدو الله، والشهيد حبيب الله»، مطالبين بالقصاص العادل للشهداء وضرورة استمرار الحرب على الإرهاب. وفي مشهد مفجع تعالت الصرخات والعويل أثناء تشييع جثمان المجند غانم العريان صموئيل، بقرية الشيخ مرزوق، بمركز البلينا بسوهاج، حيث جرت مراسم إقامة القداس الجنائزي للشهيد بكنيسة القرية، وبعدها تم حمل الجثمان ودفنه بمقابر الأسرة. وكان من المقرر أن يصل الشهيد من وحدته العسكرية في نفس يوم الحادث، بعد اتصاله بأهله قبل الحادث بيوم وإخبارهم بقرب وصوله إلى المنزل، لكن فوجئ أهالي المنطقة باستشهاد ابنهم من خلال شاشات التليفزيون، وقال أبوه عريان صموئيل: الصرخات تعالت في المنزل وسط ذهول وعدم تصديق الخبر بأن من استشهد هو ابننا الذي كنا في انتظار وصوله إلى المنزل اليوم، لكن القدر حمل إلينا جثمانه. وفي مشهد آخر شيعت محافظة أسوان ثلاثة شهداء من أبنائها، وهم أحمد عبد الحكيم أبو بكر، 21 سنة، مقيم بالجزيرة، وعمر وطني أحمد، 21 سنة، مقيم بصحاري، وإسلام محمد السيد، 21 سنة، ومقيم بالحكروب. وشيع الأهالي الجثامين وسط هتافات منددة بالإرهاب، منها «يا شهيد نام وارتاح واحنا نكمل الكفاح.. لا إله إلَّا الله الإرهاب منه لله، لا إله إلَّا الله الشهيد حبيب الله». يذكر أنه استشهد 12 مجندًا، وأصيب 10 آخرون صباح أمس الأول الجمعة، حسب بيان المتحدث العسكري، عقب مهاجمة عناصر إرهابية لإحدى نقاط التأمين بشمال سيناء، مستخدمة عربات الدفع الرباعي المفخخة والمحملة بالمواد شديدة الانفجار.