تشهد العلاقات التركية الأوروبية توترا حادا على خلفية اعتقال أنقرة 9 من نواب حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي)، بينما ترفض تركيا التدخل الأوروبي في شؤونها، وتؤكد عدم ارتباط ذلك بطلب انضمامها للاتحاد الأوروبي، تعلو وتيرة التصريحات الأوروبية النارية، والبيانات الشاجبة إلى حد يشعر بأن الطلاق البائن بين الطرفين بات قاب قوسين أو أدنى. وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، بحثوا، أمس الاثنين، العلاقات مع تركيا، بعد أن أدان التكتل بشدة، يوم الأربعاء الماضي، الإجراءات القاسية التى اتخذتها حكومة أنقرة ضد الإعلام والمعارضة، دون أن يصل الأمر إلى تجميد محادثات العضوية التي بدأت قبل أعوام. محادثات الوزراء الأوروبيين، كانت بشأن النظر في طلبات الدول المتقدمة للانضمام للاتحاد الأوربي ومن بينها تركيا، وجاءت بعد شهور من تصاعد التوتر بين أنقرة وبروكسل بسبب رد فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على محاولة انقلاب فاشلة شهدتها بلاده في 8 يوليو الماضي، واعتقل على إثرها الآلاف وفصل غيرهم من وظائفهم العسكرية والمدنية في ظل حالة الطوارئ. وأصدر الاتحاد الأوروبي تحذيرا قويا مؤداه أن تركيا تتراجع في ملفين مهمين من ملفات الانضمام للاتحاد، هما سيادة القانون والحقوق الأساسية، وتساءل كبار مسؤولي التكتل المعنيين بمفاوضات العضوية حول مدى رغبة أنقرة في الانضمام للاتحاد الأوروبي. يذكر أن تركيا مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، ولكن مفاوضات الانضمام تحرز تقدمًا بطيئًا، ورغم الزخم الذي أحدثه اتفاق الهجرة المبرم العام الجاري وتساعد تركيا بموجبه في منع تكرار تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، فإن ما حدث بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ورغبة أردوغان في تطبيق حكم الإعدام مرة أخرى، وسع هوة الخلاف بين الجانبين، وقلل حظوط تركيا في قبول طلب الانضمام. وأطلق رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، الأسبوع الماضي، تصريحات شكك خلالها في رغبة تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، معربًا عن الأسف لابتعادها يومًا بعد يوم عن أوروبا، ملمحًا بذلك إلى عمليات التطهير الكبيرة التي نفذها النظام منذ محاولة الانقلاب، بينما رد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو على انتقادات المفوضية الأوروبية، بقوله: "إثر المحاولة الانقلابية صدرت تصريحات تطالب بوقف مفاوضات العضوية، ونحن أيضًا طالبناهم باتخاد قرار في هذا الصدد. إن كنتم تريدون إيقافها فلتوقفوها، فعلاقتنا لن تتقدم طالما أنكم تروننا من الدرجة الثانية". ورغم الانتقادات المتبادلة بين الطرفين التركي والأوروبي، والتي تنبئ بوصول المفاوضات إلى طريق مسدود، فإن وسائل إعلام أوروبية تابعت المباحثات الأوروبية الأخيرة، استبعدت أن يعلق الاتحاد الأوروبي محادثات انضمام تركيا للاتحاد، مشيرة إلى أن معظم الحكومات الأوروبية تؤيد الآن الحفاظ على الحوار مع أنقرة، دون الموافقة على طلب الانضمام. واتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة صحفية، المفوضية الأوروبية بأنها تريد دفع أنقرة إلى التخلي عن حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، متحدثا عن خيار إجراء استفتاء شعبي لحسم هذه القضية، وقال: "لصبرنا حدود. إذا تطلب الأمر فقد نذهب نحن أيضا لمشاورة شعبنا"، مشيرا إلى الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. الخبير في الشؤون التركية وأستاذ جامعة لوفان الكاثوليكية في بلجيكا، فانسان إيفلينغ، يرى أن أوروبا تتعامل مع تركيا بسياسة "منتصف العصا" فلا هي تريد غلق الباب أمامها، ولا هي توافق على طلبها، وقال: "أوروبا حائرة بين مصالحها في أنقرة وضرورة الحفاظ على مصداقيتها، وبين الدفاع عن الحرية"، وأكد: "إذا أرادت أوروبا المحافظة على مبادئها فعليها أن توقف مفاوضات الانضمام مع تركيا، ولكن هذا يعني أن الاتحاد لم ينجح في اجتذاب طرف خارجي، وهو الفشل بعينه". وبحسب فانسان، فعملية وقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد تنطوي على عدة مخاطر، فالاتحاد الأوروبي سيفقد قناة التواصل والضغط الرئيسية على أنقرة، وقال: "إن عملية وقف التفاوض تسهم في تدعيم خطاب الرئيس أردوغان الداخلي، ومفاده أن أوروبا تعمل ضد مصالح بلاده وتتدخل في شؤونها، بينما الآن أوروبا في موقف جيد، فهي لم تخسر المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ولا مبادئها، وتستمر في دور المراقب لما يجري في تركيا".