أكد ملتقى الفكر الإسلامى أن الرفق من الأخلاق الجميلة التى وصف الله بها نبيه (صلى الله عليه وسلم ) ومن رُزق الرفق فقد رزق خيرًا عظيمًا ولا يكون الرفق فى شيء إلا زانه، والرفق لا يتعارضُ مع مواطن الجدِّ والحزم، ومن الخطأ وضع اللين فى موضع الشدة ووضع الشدة فى موضع اللين. جاء ذلك فى الحلقة الثالثة والعشرين لملتقى الفكر الاسلامى الذى ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - تحت رعاية وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، فى إطار التعاون والتنسيق بين الوزارة والهيئة الوطنية للإعلام، لنشر الفكر الإسلامى الصحيح، ومواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، تحت عنوان: "الرفق"، وحاضر فيها كل من: الشيخ عبد الخالق صلاح عبد الحفيظ إمام وخطيب فى مديرية أوقاف القاهرة، والشيخ إسلام النواوى عضو الإدارة العامة للفتوى وبحوث الدعوة. وأكد الشيخ عبد الخالق صلاح أن الرفق من الأخلاق الجميلة والصفات الحميدة التى وصف الله بها نبيه محمدًا (صلى الله عليه وسلم)، قال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ"، وقَالَ تَعَالَى: "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم"، وقال (صلى اللهُ عليه وسلم): "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الْأَمْرِ كُلِّهِ"، وقال (صلى اللهُ عليه وسلم):"إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ". وأشار صلاح إلى أن الرفق هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل وهو ضد العنف، وقد يجيء الرفق أيضًا بمعنى التمهل فى الأمور والتأنى فيها، وهو تعالى يحب من عباده أهل الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف، والرفق من العبد لا ينافى الحزم، فيكون رفيقًا فى أموره متأنيًا ومع ذلك لا يفوت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت. وأوضح أن الرفق من أفضل الأخلاق، وأجلها، وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا، فلا يكون فى شيء إلا زيَّنه وجمَّله، وحسَّنه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، وعابه وقبحه، روى الإمام مسلم فى صحيحه مِن حَدِيثِ أم المؤمنين عَائِشَة رضى اللهُ عنها: أَنَّ النَّبِى (صلى اللهُ عليه وسلم) قَالَ: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِى شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ". وأكد صلاح، أن من آتاه اللهُ الرِّفقَ فقد أعطاه خيرًا عظيمًا من الثناء الحسن، والتوفيق، وصلاح البال، وطمأنينة النفس، ونيل المطالب، وتحقيق المآرب، وفى الآخرة أجر عظيم، وثواب جزيل، مختتمًا حديثه بأن النبى (صلى اللهُ عليه وسلم) جعل الرفق علامة خير وصلاح فى البيوت والمجتمعات، وروى الإمام أحمد فى مسنده مِن حَدِيثِ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضى اللهُ عنها): أَنَّ النَّبِى (صلى اللهُ عليه وسلم) قَالَ: "يَا عَائِشَةُ ارْفُقِى، فَإِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا، دَلَّهُمْ عَلَى بَابِ الرِّفْقِ"، وَكَانَ النَّبِى صلى اللهُ عليه وسلم من أكثر الناس رفقًا بأصحابه، روى الإمامان البخارى ومسلم مِن حَدِيثِ مَالِكِ بنِ الحُوَيرِثِ (رضى اللهُ عنه) قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِى (صلى اللهُ عليه وسلم) فِى نَفَرٍ مِنْ قَوْمِى فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ: ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ". ومن جانبه، أشار الشيخ إسلام النواوى إلى أنه ينبغى على المؤمن أن يكون رفيقًا فى جميع شؤونه، رفيقًا فى معاملة أهله، وأولاده، وإخوانه، وأصدقائه، وفى معاملة عامة للناس، يرفق بهم، ومن كان هذا حاله فالنفوس ترتاح له، والقلوب تأنس به، والصدور تنشرح له، ويحصل على محبة الناس، وينبغى أن يكون الرفق ملازمًا للمؤمن فى بيته، وسوقه، ومسجده، وفى كل مكان يخالط فيه الناس، فإذا فعل ذلك فقد أُعطى خيرًا كثيرًا، روى الإمام مسلم فى صحيحه مِن حَدِيثِ جَرِيرِ بنِ عَبدِ اللهِ (رضى اللهُ عنه): أَنَّ النَّبِى (صلى اللهُ عليه وسلم) قَالَ: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ كُلَّهُ"، وكان (صلى اللهُ عليه وسلم) يحث أصحابه على الرفق بالناس، فعن أبى هُرَيرَةَ (رضى اللهُ عنه) قَالَ: "قَامَ أَعْرَابِى فَبَالَ فِى الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِى (صلى اللهُ عليه وسلم): دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ". وأوضح النواوى: أن النَّبِى (صلى اللهُ عليه وسلم) حَثَّ أُمَّتَهُ عَلَى الرِّفقِ بِالحَيَوَانِ، فعن شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ (رضى اللهُ عنه) قَالَ: قَالَ النَّبِى (صلى اللهُ عليه وسلم): "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"، مؤكدًا أن الرفق مطلوبٌ فى الأمور كلها، الدينية منها والدنيوية، كما أنه مطلوب مع كل الناس، فهذه عائشة أم المؤمنين (رضى الله عنها) يدخل رهطٌ من اليهود على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فيَلحَنون فى سلامهم عليه، ويقولون: السام عليك، ففهِمَتْها، فقالت: عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "مهلًا يا عائشة، فإن الله يحبُّ الرفق فى الأمر كله"، فقلت: يا رسول الله، أَوَلَم تسمع ما قالوا؟! قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "فقد قلتُ: وعليكم". وأوضح أن الرفق زينةُ الأفعال والأقوال، سواء كان ذلك مع إنسان أو جماد أو حيوان، وتركه شَين وقُبح ونقصان، وهو لا يأتى لصاحبه إلا بخير، وقد قالوا قديمًا: الرفق فى الأمور كالمِسْك فى العطور، فمَن تركه فى أقواله وأفعاله حُرِم الخير المتحقِّق منه، فعن جَرير بن عبد الله (رضى الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "مَن يُحرَمِ الرفق يُحرَمِ الخير"، مختتمًا حديثه بأنه لا ينبغى أن يتعارض الرفق مع مواطن الجدِّ والحزم، بل لكل منهما مكانه وموضعه، ومِن الخطأ أن نضع اللين فى موطن الشدة، والشدة فى موضع اللين، فقد قال سفيان الثورى لأصحابه: أتدرون ما الرفق؟ قالوا: قل، قال: أن تضع الأمور مواضعها، الشدة فى موضعها، واللين فى موضعه، والسيف فى موضعه، والسوط فى موضعه.