منذ 25 يناير وأنا أكتب مؤكدًا أن معركتنا الأساسية هي ضد »التبعية« والهيمنة الأمريكية علي مقدراتنا. وأن بناء الدولة الوطنية بعد الثورة لابد أن يعتمد علي استقلال وطني حقيقي يقوم علي التنمية المستقلة، واستقلال القرار الوطني من أي قيود خارجية.. وقلت أيضًا إن ديمقراطية الصندوق لن تحقق الديمقراطية السليمة إن لم تتزامن مع عدالة اجتماعية ناجزة لصالح العمال والفلاحين والطبقة الوسطي وأن هذه العدالة المجتمعية لن تتحقق إلا باستقلال وطني حقيقي وتنمية مستقلة تعيد تأسيس مجتمع العاملين الذي هو القاعدة الأساسية، لبناء الدولة الوطنية الحديثة. لكن ارتباطات المشهد السياسي وركاكة أداء القوي السياسية التي فوجئت بالثورة بالإضافة إلي تشابك مصالح الرأسمالية المحلية التابعة للرأسمالية العالمية، وقيود التبعية التي ورثتها الثورة من نظام السادات ومبارك أدت إلي أن تلعب أمريكا بمساعدة النخبة المتآمركة والرأسمالية المحلية الدور الرئيسي في تسليم »الإخوان والتيار المتأسلم« كرسي الحكم في إطار خطتها لإعادة تقسيم الوطن العربي إلي أنظمة سنية وأخري شيعية لإجهاض أي ثورة وطنية اجتماعية تحررية في المنطقة تؤدي إلي توحيد الأمة العربية بقيادة مصر.. ضد المصالح الأمريكيةالغربية.. وبدلاً من أن تكون ثورة 25 يناير مرشحة للقيام بهذه الصحوة الثورية في المنطقة حاولت أمريكا أن توظفها لصالح المخطط الذي كان قد دخل إلي حيز التنفيذ في سوريا وليبيا وتونس.. فدعمت بقوة وصول الإخوان إلي الحكم، وأعطتهم ما لم يحلموا به من دعم فأعطوا الأمريكان ما لم يخطر ببالهم.. فقد ضمنوا لها أمن إسرائيل ووافقوا علي توطين الفلسطينيين في سيناء وأسكتوا صواريخ حماس المتوجهة إلي إسرائيل .. بل أكدوا إيمانهم باقتصاد السوق ودعم الرأسمالية التابعة للعولمة.. فتركت أمريكا للإخوان الحبل علي الغارب كي يتمكنوا من مفاصل الدولة الوطنية لتحويلها إلي »دولة الجماعة« لتصبح أكثر استبدادًا من نظام مبارك. هنا وجد أهل المحروسة أنفسهم يتحولون من سيئ إلي أسوأ فانهارت الخدمات لسوء الإدارة وتزايد الفلتان والفوضي لعدم الخبرة في الإدارة، وأطلقت يد الرأسمالية الشرسة ترفع الأسعار كما تشاء وتستغل كما تشاء.. وزاد الاستبداد.. ومن وسط الظلام ظهرت حركة »تمرد« العبقرية التي أضاءت الطريق أمام أهل مصر وجمعتهم حول هدف محدد هو »سحب الثقة من الرئيس الفاشل« ومع تصاعد إيقاع الغضب الشعبي انحاز الجيش للجماهير التي خرجت يوم 30 يونية وتبني مطالبها وطرح خارطة الطريق الوطنية الديمقراطية التي وافق عليها الشعب بمختلف طبقاته وطوائفه واتجاهاته .. هنا .. شعرت الإدارة الأمريكية أن مخططها ينهار وأن التحام الجيش بشعبه لخلع النظام التابع دون حتي استئذات الإدارة الأمريكية هو إعلان مصري بالعصيان ضد الهيمنة الأمريكية .. فبدأت التهديدات والمؤامرات، والعمليات الإرهابية في سيناء وإلغاء صفقة الطائرات والتلويح بإلغاء المعونة والمطالبة بالافراج عن الرئيس المخلوع.. وإزاء الضغوط الغربية والتركية والأمريكية كان لابد أن تلجأ قيادة الجيش الوطني إلي شعبها.. وما أن طلب الفريق أول عبدالفتاح السيسي دعم الجماهير للقرار الوطني المستقل حتي زحفت الملايين إلي الميادين ترفع شعارًا واضحًا »لا لإرهاب الإخوان ولا لضغوط الأمريكان« ليتحول يوم 26 يوليو 2013 إلي بداية ملحمة الاستقلال الوطني.. تمامًا كما تحول يوم 26 يوليو 1956 إلي بداية عصر الاستقلال عندما أعلن عبدالناصر تأميم قناة السويس وسط جماهير المنشية بالإسكندرية .. نعم سيظل يوم 26 يوليو 2013 علامة فارقة في تاريخنا يرمز لاسترداد الإرادة الوطنية التي هي حجر الأساس في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي ستحقق الحرية والعدل والكرامة التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير.