كنت ممن أبطلوا صوتهم فى جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية، لم يطاوعنى عقلى.. ولم أستجب لما قالته النخب السياسية وقتها من أن مرسى أفضل من شفيق.. فأبطلت صوتى وكتبت على البطاقة الانتخابية جمال عبد الناصر. حتى أننى ودون أن أدرى قلت للقاضى فى اللجنة: أنا اخترت جمال عبد الناصر، فإذا به يبتسم ويقول: وأنا مالى.. بس هو فين عبدالناصر؟!!.. شعرت وقتها ومن الطريقة التى تحدث بها القاضى أن ما أشعر به لم يكن ينتابنى وحدى. كنت أقول لنفسى هل وصل بنا الحال لهذه الدرجة التى لا نجد فيها من يصلح للجلوس على كرسى الحكم فى مصر؟!!.. وعندما أعلنوا فوز محمد مرسى برئاسة مصر شعرت بغصة شديدة.. وسألت نفسى مجددًا: هل عقمت مصر أن تلد مثل عبد الناصر؟!.. كنت أحدث نفسى: لم أكن أقتنع بمبارك، وأرى أن كرسى الحكم واسعا عليه، وكنا نحن الناصريين نرى فى دورانه فى الفلك الأمريكى وانسياقه وراء البيت الأبيض إهانة كبيرة لمصر وتاريخها، فإذا بنا نجد محمد مرسى حاكمًا للبلاد!!!. لم أقتنع يومًا بمحمد مرسى رئيسًا.. حاولت أن أقنع نفسى به بوصفه أمرًا واقعًا لكن كان انتمائى الناصرى ورصيدى المعرفى عن طبيعة وتكوين وولاءات الإخوان يقفان حاجزًا بينى وبين هذا النظام الجديد.. أو بالأحرى هذا التنظيم. فنحن الناصريين نعرف قبل غيرنا أن هذا التنظيم غير وطنى، تاريخهم وحاضرهم وتجربتهم فى الحكم تؤكد ذلك.. بداية من علاقتهم بالقصر والاحتلال البريطانى وموقفهم من العدوان الثلاثى ثم تنظيم سيد قطب، الذى سعى لتفجير مصر وإغراقها، وحتى تجربتهم فى الحكم التى أكدت أنهم ليسوا أكثر من تابع ذليل للولايات المتحدة، كلها كانت تقف حائلا بينى وبينهم. فى كل مرة كان يخرج علينا محمد مرسى ليتحدث أشعر بنفس الغصة التى شعرت بها بعد إعلان اسمه رئيسًا لمصر.. وأقول لن يستمر. كان هذا فى الأشهر الأولى التى تلت انتخابه.. وكان عدم استمراره بالنسبة لى مجرد طموحات أو أمنيات لا تستند لواقع أو حقائق أو مبررات منطقية. لكن فى مارس الماضى وصلت إلى قناعة أو بالأحرى يقين أن مرسى ونظام حكم الإخوان إلى زوال وأن المسألة مسألة وقت، وأن عام 2013 لن يمر والجماعة على كرسى الحكم.. حتى أن الكثيرين من زملاء المهنة والأصدقاء كانوا يندهشون من ثقتى الزائدة بزوال حكم الإخوان إلى غير رجعة، ومما كنت أردده وأقوله وأكتبه. ما كنت أشعر به كان قد تسرب للكثيرين من أبناء الشعب المصرى، الذين وجدوا أو اكتشفوا أن محمد مرسى والإخوان غير جديرين بحكم مصر، وأن ولاءاتهم وثوابتهم تصطدم بولاءات الوطن وثوابته.. وكان هؤلاء يرون أن الجيش هو المخلص من هذا التنظيم السرطانى الذى بدأ ينتشر فى كل أرجاء الوطن. فى ذلك الوقت كان الإخوان يتعمدون إطلاق الشائعات حول الجيش ويؤكدون أن ولاءه للنظام الحاكم، وكنت أؤكد دومًا أن الجيش هو جيش الشعب، فقد تشرفت بأداء الخدمة العسكرية.. وعلى مدى سنة كاملة كنت قريبًا جدًا ممن يسمونهم العسكر، بل كنت واحدًا منهم.. وأعرف جيدًا وبالتجربة العملية أن جيش مصر العظيم لا يمكن أن يتخلى عن الشعب المصرى الذى هو جزء منه. كانت الجماعة ودراويشها وأذنابها يصطادون فى الماء العكر وينتظرون تصريحًا هنا أو هناك للفريق أول عبد الفتاح السيسى عن الشرعية وينسجون الحكايات ويلفقون الأكاذيب ليشيعوا بين الناس أن ولاءه للرئيس المعزول أو المقلوب لا فرق.. وكنت فى مواجهة ذلك أتذكر ما يلقنه لنا الصف ضباط والضباط أثناء الخدمة العسكرية: «الجيش أفراد منتخبون من الشعب».. «تعامل مع أفراد الشعب باحترام واقتضاب».. «عدوك خارج حدود مصر».. «عدوك الحقيقى إسرائيل». نعود إلى شهر مارس، فقد شهد بداية النهاية بالنسبة للإخوان خصوصًا مع تصاعد أزمة النظام الحاكم فى «بورسعيد الباسلة».. وكما قلت وصلت وقتها ليقين، بل ترسخت قناعاتى بأن الجماعة تعيش أيامها الأخيرة، وكتبت فى 4 مارس مقالا بعنوان: «القناة تمارس هوايتها فى كسر أنوف الطغاة».. وبعدها بأسبوع كتبت مقالا آخر تحت عنوان: «الربيع وخريف الإخوان».. وقلت فى سياق ما كتبت إن الشعب المصرى يوجه الرسائل تلو الرسائل للإخوان لكنهم فقدوا القدرة على فهم الواقع، واستيعاب التاريخ، فاستحقوا السقوط، وأن المسألة مسألة وقت. وأكدت وقتها أن مدن القناة التى وقفت فى وجه العدوان الثلاثى، وكسرت هيبة إنجلترا وفرنسا إيذانًا بعصر جديد تحررت فيه دول العالم الواقعة تحت الاحتلال، قادرة على كتابة النهاية غير السعيدة لتنظيم الإخوان، وقلت إن مدن القناة ستدق المسمار الأخير فى نعش تنظيم الإخوان كما دقت المسمار الأخير فى نعش قطبى العالم فى 1956. وبالفعل كانت مدن القناة بالنسبة للإخوان بداية النهاية.. فعلى أرضها انكسرت هيبة النظام الحاكم، وأى نظام يفقد هيبته يكون سقوطه حتميًا.. وعلى أرضها بدأ المتشككون فى ولاء الجيش للشعب يستعيدون الثقة فى جيشهم عندما لم يتورط رجال القوات المسلحة فى قمع مشاعر الغضب، وفى الوقت الذى راح مرسى يحرض فيه الجيش على رفقاء السلاح فى بورسعيد، شاهدنا رجال القوات المسلحة يلعبون الكرة مع أهلهم فى بورسعيد والسويس والإسماعيلية. كان كل يوم يمر يؤكد أننا أمام تنظيم غبى بلا عقل، أو قلب.. تنظيم لا يفهم ولا يستوعب دروس الحاضر أو عظات التاريخ.. تنظيم ظل على مدى 85 عامًا يصارع الأنظمة الحاكمة على كرسى الحكم، وعندما وصل إليه فى غفلة من الزمان فإذ به يذبح نفسه، فى مشهد عصى على الفهم والتحليل. لقد راح الإخوان عبر عام كامل من جلوسهم على كرسى الحكم، يقدمون حيثيات سقوطهم أو بالأحرى فناءهم.. فناصبوا كل أركان الدولة العداء وأقول الدولة وليس النظام السابق خصوصًا أنهم كانوا أحد أركان نظام مبارك فاعتدوا على مؤسسات الجيش والقضاء والشرطة والأزهر والكنيسة والثقافة والإعلام والصحافة، بل اصطدموا بكل ثوابت الأمن القومى المصرى بغباء منقطع النظير. ظل الإخوان يسبحون عكس حركة التاريخ، ويتصرفون ضد طبائع الأمور، حتى كانت نهايتهم التى تليق بهم كتنظيم إرهابى دولى غير وطنى عندما تصوروا أن بمقدورهم أو بمساعدة سيدهم فى البيت الأبيض أن يقفوا فى وجه الشعب المصرى الذى تحطمت على أعتابه الإمبراطوريات الراسخة. وفى 17 يونية وقبل خروج المصريين للشوارع بالملايين ليعلنوا رفضهم لنظام حكم الإخوان.. كتبت هنا مقالا بعنوان: «هل يفهم كهنة الإخوان درس الجزمة»؟!!. كان الإخوان كلما خرجوا للشوارع فى مظاهرات تصدى لهم المصريون.. وعندما راحوا يحاولون فض اعتصام المثقفين بالقوة، لقنهم الناس درسًا قاسيًا وكان مشهد ضرب أحمد المغير رجل خيرت الشاطر ب«الجزمة».. وهو المشهد الذى تكرر فى أكثر من مناسبة عندما كان المصريون يتصدون لمسيراتهم أو مظاهراتهم. كانت كل المؤشرات تؤكد أن الشعب المصرى لم يعد يقبل بالإخوان بعد أن كشفهم وكشف زيفهم وكذبهم وتضليلهم، وعرف أنهم صورة مكررة، بل مشوهة من نظام مبارك، فى الداخل والخارج.. ويقدموا للولايات المتحدة والغرب والكيان الصهيونى ما لم يقدمه مبارك. فقد الناس الثقة بهم وبكلماتهم المعسولة عن الدين الإسلامى والشريعة والشرعية ولم تعد ابتساماتهم المصنوعة وعباراتهم الجوفاء التى راحوا يغازلون بها مشاعر البسطاء تنطلى على أحد، بل كان المصريون عبر تعليقاتهم وأثناء مناقشاتهم فى البيوت وأماكن العمل والمقاهى يعلنون بكلماتهم البسيطة وفاة نظام حكم الإخوان. منذ أزمة مدن القناة مع نظام الحكم، وحتى خروج الملايين يومى 30 يونية و3 يولية ليسجلوا باسمهم أكبر مظاهرات شهدها التاريخ، ظل الشعب المصرى يلقن الإخوان درسًا تلو الآخر، لكنهم كانوا يصمون آذانهم ويرفضون دروس هذا الشعب العظيم. وكما لم يفهم الإخوان درس مبارك.. ودرس مدن القناة وما تلاهما من دروس، لم يفهموا درس 30 يونية ودرس 26 يولية.. لم يفهم البسطاء منهم أنهم مجرد ورقة فى يد قادتهم يضغطون بها على الجيش للخروج الآمن.. ولم يفهم هؤلاء القادة أنهم مجرد ورقة فى يد الولاياتالمتحدة يضغطون بها على النظام الجديد لتطويعه.. بعد أن أعلن بما اتخذه من إجراءات استقلاله الوطنى.. وهز أركان حكم أوباما ومخططاته لتقسيم الوطن العربى إلى معسكرين أحدهما سنى والآخر شيعى. لم يفهموا أن عجلة التاريخ لن تعود للوراء.. ولم يفهموا أن العنف والإرهاب والقتل يخرجهم من التاريخ بغير رجعة.. لم يفهموا أن أرواح الشهداء الذين لقوا ربهم منذ أن جاءوا إلى الحكم فى سيناء وفى أرجاء مصر تلاحقهم وستظل تلاحقهم.. لم يفهموا أن لعنات مئات المصابين والمعاقين والذين تعرضوا للتعذيب فى الاتحادية ورابعة والجامعة من جراء إرهابهم تلاحقهم ستظل تلاحقهم.. لم يفهموا أن حركة الشعوب تدهس كل من يقف فى طريقها.. لم يفهموا ولن يفهموا.. ليَصْدق عليهم قوله تعالى فى الآية (15) من سورة البقرة: «لله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ».. والآية (18) من نفس السورة: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ». بقى القول إن الإخوان وأذنابهم أمثال: القرضاوى وعاصم عبد الماجد وعصام سلطان وأبو العلا ماضى و يسرى حماد وغيرهم، وكل من يقف إلى جوار هذا التنظيم الإرهابى أو يرقص على السلم أمثال: عبد المنعم أبوالفتوح وسليم العوا وأيمن نور وبعض السلفيين.. سيلقون نفس مصير الجماعة وأذنابها وسيذهبون غير مأسوف عليهم إلى مكانهم الذى يليق بهم فى صفحات التاريخ.. وإن غدًا لناظره قريب.. «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَموا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ». أخيرًا.. وفى إجابة على السؤال الذى ذكزته فى البداية وكنت أطرحه على نفسى مع تولى محمد مرسى رئاسة البلاد: هل عقمت مصر أن تلد مثل عبد الناصر؟!!.. كلمات الفريق أول عبد الفتاح السيسى تؤكد أن مصر ما عقمت ولن تعقم أبدًا.