بعد ذهول العالم.. من ذاك الطوفان الشعبى المصرى العارم الذى تفجر فى صبيحة يوم 30 يونية 2013.. بقدر اختلاف بعض الدول الغربية تقودها أمريكا.. لتتفاوت مواقفها فيما بعد دون معظم الدول العربية التى آمنت بالبركان ورحبت بثورة المصريين الباهرة.. ولعل ذلك الأمر يفتح أعيننا على اتساعها على حجم تحدينا لمصالح أمريكا وإسرائيل فى المنطقة العربية.. وعلى مخططاتهم مع حلفائهم من مرسى وجماعته والتى ضرب بها الشعب والجيش المصرى، عرض الحائط.. فأطاح بصوابهم جميعًا. تلك المخططات التى من الممكن تلخيصها فى عجالة.. فى زعمهم لإقامة ما سمى بغزة الكبرى بعد اقتطاع جزء من سيناء المصرية، لتوسيع قطاع غزة لصالح المشروع الإسرائيلى الاستيطاني!! الأمر الثانى إحياء حلف «سنى إخواني» يبدأ من تركيا بزعامة أردوغان عبورًا بسوريا بعد أن يستولى الإخوان السوريون على الحكم وبمساعدة من القاهرة لعلكم تذكرون خطبة «مرسى» وإعلانه قطع العلاقات مع سوريا دون أن يخبر أحدًا بما فيهم المؤسسة العسكرية.. لمواجهة حلف شيعى بقيادة «إيران» والدخول فى حروب طاحنة، لتفتيت المنطقة بكاملها إلى دويلات طائفية صغيرة تتحول فيها إسرائيل إلى إسرائيل الكبرى عددًا وعدة على قاعدة دينية!! ولعل الأمر فى النهاية يتحول إلى ما يطلق عليه الاستراتيجيون «حرب بالوكالة» حيث تجنى من ورائه كل من أمريكا وإسرائيل فوائد لا تحصى دون أن تريق أى منهما نقطة دم واحدة ولا دولارًا.. بعد أن تعلمت أمريكا الدرس القاسى من جراء غزوها للعراق. على أى حال.. ما يهمنا ما أذهل العالم، والذى سيظل باقيًا ما بقى الدهر فقد صورته عدسات القوات المسلحة بالطيران عن قرب.. بعد أن كذبه «د.مرسى» فإذا به يصبح وثيقة دامغة، غير قابلة للتكذيب أو النكران أو الذوبان كما أراد د.مرسى والإخوان أن يذوبوا مصر، ويمزقوها شعبًا ونيلا ودولة! ويبيعوها فى المزاد العلنى لصالح وهم الخلافة الإسلامية.. لقد أثبتوا للمصريين خلال فترة العام من حكمهم الذى مر كأنه الدهر.. أثبتوا أنهم تجار دين.. كما أنهم تجار أوطان بامتياز!! إن البركان قد اندلع وهو يتماهى مع نهر النيل العظيم واهب الحياة للمصريين.. فى قوته وعنفوانه.. وفى سلميته وعذوبته.. وهو يربط مصر، ويتخلل مدنها وقراها، وعاصمتها وموانيها.. ليشكل منهم وبهم.. حزمة واحدة قوية ومتماسكة غير قابلة للانفصال أو التفتيت والتجزئة مهما كان دهاء المخططات الصهيوأمريكية أو المؤمرات الإخوانية الإقليمية! إن البركان اندلع بملايينه الثلاثين فى شرايين مصر، وأوردتها وكأنه جمعهم على قلب رجل واحد.. ويرسم بهم جدارية فرعونية جبارة لخريطة بشرية تعلن ميلاد مصر الجديدة مصر يناير تصب فى مصر يونية.. لتصبح مصر الساخطة غاضبة تذمجر بحدة رافضة حكم مرسى والإخوان.. تقولها بتصفيق «القباقيب» مادة مصرية لنستدعى صورة شجرة الدر!! تجأر بانتزاع السلطة من بين أيدى الجماعة.. بعد أن تبين لها عبث تلك الجماعة بمقدرات الدولة.. وبالبلاد والعباد ومصير نهر النيل كشريان الحياة الوحيد للمصريين!! نعم إن قوة الاحتقان الجماهيرى شكلت قوة الدفع الرهيب.. وقدة استبداد المرشد وجماعته وبدقة متمثلاً فى المرسى مثلت قوة الاندفاع والتدافع والاصطفاف الجماهيرى وتنوع الحشود.. من القضاة والمحامين والصحفيين والمهندسين والفنانين أى الانتلجنسيا المصرية التى كانت فى خصومة مع نظام ناصبهم العداء.. أضيف إليهم العمال والفلاحون وجميع فئات الشعب.. حتى ربات البيوت وما كان يعرف بحزب الكنية.. حملوا الكنبة ووضعوها فى الميادين.. وجلسوا يهتفون بسقوط الإخوان والجماعة. كان شباب حركة «تمرد» بل شباب مصر يشكل حلقات الالتحام والاشتعال للجدارية بكاملها ليمنحها حضورًا يرنو للمستقبل ويرسم ملامحه بدقة. وبالطبع كان لا بد أن يطير صواب الإخوان والمؤلفة قلوبهم وأن يخرجوا من جراب الحاوى القديم.. التهم الجاهزة قبل أن يخرجوا ألاعيبهم القذرة والمعروفة سلفًا.. النزوع إلى العنف، والقتل، والإرهاب.. وقد كانت التهمة الجاهزة والملفقة.. أن ما حدث ما هو إلا انقلاب عسكري.. على أن الشرعية بالنسبة لهم هى الصندوق والصندوق فقط.. وضربوا بعرض الحائط ما أعلنه الثوار مرارًا وتكرارًا.. أن ما حدث هو استدعاء وطنى قام به شباب «تمرد» بناء على رغبة الملايين من الشعب المصرى بعد أن تجلت فى البركان الحى الجميع يطالب الجيش بالمساعدة والاحتضان.. الأمر الذى لخصه الأستاذ هيكل فى عبارة موجزة «إنه استدعاء وطنى للقوات المسلحة» ثم إنهم يجهلون أو يتجاهلون ما قاله فقهاء الدساتير.. بأن الشرعية الحقيقية لا بد أن تبنى على الرضا الشعبى العام.. ذلك الرضا الذى انتفى من 90٪ من الشعب المصري.. بل تكاد نجزم بأنه تحول إلى نقمة من جراء أفعال المرشد والجماعة والرئيس الذى عزل والذى حكم مصر بنصف قلب وربما نصف عقل وضمير!! وفى القرآن الكريم:- ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه «الاحزاب» وقد تعددت قلوب «مرسى» حتى انتفى منها الوطنية والوطن.. ولا عجب فى ذلك بعد أن لعن المرشد الأسبق مصر قائلاً طظ فى مصر!! وبناء على مشهد اليوم وأمس وغداً.. فإن الإخوان لا يزال يحلمون بالملك العضود» وباسترجاعه فى الأمد القريب.. ولهذا يتدافعون زرافات وفرادى فى المعركة الأخيرة.. التى تشكل لهم إما البقاء فى السلطة والقبض على على الصولجان.. وإما الغروب الكبير الذى يأبى فيه الشعب أن يمنحهم ذاك الصولجان لعقود عديدة مقبلة.. من جراء ما قاموا به من استعداء معظم فئات الشعب المصرى فوق تفريطهم فى الأرض حلايب وشلاتين وإقليم القناة المزعوم والإرادة بعد أن ارتهونها لدى الحلف الصهيوأمريكى ولعلنا نذكر جميعًا دعوة عصام العريان لعودة اليهود إلى مصر واسترجاع أملاكهم بل تعويضهم عنها!! نعم إن مصر كادت أن تقبع فى قاع العالم والأمم.. بعد الفضائح التى منى بها الشعب المصرى على يد المنزوع وجماعته.. فى قطعه للعلاقات مع سوريا كى يرضى الراعى الأمريكي.. فى ذاك المؤتمر الذى عقده فى الصالة المغطاة ثم المؤتمر الفضائحى الذى أذيع على الهواء وهو ينشر «الغسيل القذر». الأهل والعشيرة والمؤلفة قلوبهم.. يتبادلون فيه المؤامرات والخطط والأحابيل للإيقاع بالنظام الإثيوبى والإطاحة بسد النهضة ذاك السد الذى تحول اسمه بقدرة قادر من سد الألفية كما أطلقا عليه الإثيوبيون فى بادئ الأمر وإذا به يتحول إلى سد النهضة بعد الزيارة الأخيرة المهينة للمعزول.. فهل ترجع تلك التسمية إلى الاستهزاء بمرسى شخصيًا وبمشروع الإخوان الذى سموه النهضة فإذا بالشعب المصرى وربما الإثيوبى معه يكتشفان بأنه مشروع فشنك أى مشروع وهمى جملة وتفصيلا حيث إن المصريين أطلقوا عليه «الفنكوش» أسوة بكلمة زائعة الصيت للفنان عادل إمام! إن تجار الدين وتجار الأوطان.. لن يكفوا عن إيذاء مصر والمصريين وقد تأكد لنا أنهم يحاربون معركتهم الأخيرة، فهل يا ترى سينصاعون إلى حديث العقل والعقلاء.. الذين ينطلقون من وحدة الشعب المصري.. وأن المصريين لم يفرقهم الحاكم الأجنبى المستعمر لقد فشل اللورد كرومر فى تفرقة المصريين بل لعل مقولة مكرم عبيد الشهيرة آنذاك إنه «مسيحى دينا ومسلم وطنًا» أخرست كل الألسنة وقد جاء شعار ثورة 19 مكممًا للطائفية وموئدًا لها فى مهدها عندما تعانق الهلال والصليب وآمن الشعب بأن الدين لله والوطن للجميع. ولهذا ما أحوجنا إلى رمز وطنى كبير، قوي، مؤثر، يدعو الجميع إلى إعادة اللحمة الوطنية بعد أن شقها «المرسى» إعادة النسيج المصرى الواحد إلى متانته وتجانسه وتفرده.. ولتكن هناك اختلافات سياسية.. لكن لا للطائفية والمذهبية.. لابد من رأب الصدع الذى جلبه الإخوان وسياسة المرشد.. فمصر لا يمكن أن تقبل القسمة على اثنين.. منذ آن وحدها الملك مينا موحد القطرين منذ آلاف السنين.. وقد تعرضت لغزاه وطغاة ولم يستطع أحد منهم أن يمزق نسيجها أو حتى يشطرها!! إن خطاب شيخ الأزهر «أحمد الطيب» فى مساء 7.5 لإطفاء النيران ووأد الفتنة جاء ليعبر عن نبل مقاصد وجهد علماء.. لكنه لا يكفى وحده.. لأنه جاء بمثابة حلقة إشارية دالة وهادية.. وينبغى أن يتبعها ويؤيدها عمل متصل أمين وشاق ودؤوب.. لضم الصف.. إن النسيج المصرى يأبى إقصاء جماعة بعينها.. إذن لا بد من تحقيق مصالحة وطنية قائمة على العدل، والقانون ومن ثم التسامح.. ولعل التجربة الرائدة التى حققها الزعيم العظيم «نيسلون مانديلا» الذى نطلب له الرحمة وهو يمر الآن بساعات فارقة فى حياته.. مانديلا أشهر سجين فى العالم.. فقد قضى فيه 27 عامًا.. وعندما خرج آل على نفسه ألا يطالب بإقصاء البيض الذين سجنوه مارسوا عليه سياسة التفرقة العنصرية، والتمييز العنصرى فى بلده جنوب إفريقيا.. ولقد حطم هذا النظام «الآبار تيد» دون أن يطلق طلقة رصاص واحدة عليه! فما أحوجنا لمصرى فى قدرة مانديلا فى سعة صدره ورجاحة عقله ووزنه للأمور وتسامحه الفذ كى يقود السفينة فى الاتجاه الصحيح.. وحدة الصف ووحدة المصير ووحدة التراب الوطنى كى يبنى مصر الجديدة على أسس صحيحة.. وصحية. ملحوظة مهمة رغم أن عقلى يموج بأفكار عديدة انبثقت وتجلت فى بركات 30 يونية.. فإن أعلاها مجدًا وخصوبة لمصر والمصريين أن عادت الشرطة المصرية لتلعب دورها الحقيقى فى أمن المصريين.. وعاد الشعار الأصيل إلى البزوغ.. الشرطة فى خدمة الشعب.