تخيل حضرتك أن مواطنًا شريفًا.. استيقظ في يوم من الأيام علي اختطاف ابنته من البيت.. وتخيل أن هذا المواطن له هيبة كبيرة وسط أهله وناسه وعشيرته.. تخيل أيضًا أن ابنته اختطفها بعض المجرمين، وسلبوها أعز ما تملك.. ليس هذا فقط، بل سجلوا وقائع الاغتصاب وبثوا الفيديو علي شبكات التواصل الاجتماعي.. تخيل أخيرًا.. أن هذا الأب استيقظ في يوم آخر، ووجد ابنته تطرق الباب، وترتمي بين أحضانه، بعد أن أطلق سراحها الخاطفون. يا تري ما هي مشاعر الأب وهو يحتضن ابنته؟!!.. هل يشعر بالفخر والزهو لأنها عادت 'سالمة!' إليه؟!.. وهل يستطيع أن يرفع عينيه في عينيها وهو يعرف، أنه لا يستطيع أن يحميها أو يدافع عنها؟.. وهل من المنطقي أن ينصب الأب سرادقًا ويقيم الأفراح والليالي الملاح؟!!.. ولو فعل ذلك هل سيظل محتفظًا بهيبته وسط أهله وناسه؟!!. منذ أيام مرت الذكري الثلاثون لرحيل الشاعر الكبير أمل دنقل صاحب القصيدة الخالدة 'لا تُصالح' والتي يقول فيها: 'لا تصالح/ ولو منحوك الذهب/ أتري حين أفقأ عينيك/ ثم أثبت جوهرتين مكانهما/ هل تري؟!/ هي أشياء لا تشتري'. قالها أمل دنقل احتجاجًا علي 'كامب ديفيد'.. وعلي كل من يفرط في شرفه وكرامته. وقتها كان 'دراويش' النظام الحاكم يتحدثون عن السلام والوئام وآخر الحروب، وحقن الدماء.. وأرواح الآمنين. وقتها أيضا عرَّي أمل دنقل هؤلاء في نفس القصيدة وقال: 'لا تصالح/ ولو قيل ما قيل من كلمات السلام/ كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟/ كيف تنظر في عيني امرأة/ أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟/ كيف تصبح فارسها في الغرام؟/ كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام/ كيف تحلم أو تتغني بمستقبلٍ لغلام/ وهو يكبر بين يديك بقلب مُنكَّس؟'. مرت السنين.. وأثبتت الأيام أن أمل دنقل كان علي حق، وأن 'ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة' كما قال الرئيس الخالد جمال عبد الناصر.. وأن دراويش النظام أي نظام دومًا علي باطل. مرت السنين.. ونحن ندفع كل يوم ثمن التفريط في حقوقنا وكرامتنا، نمشي بوجوه منكسة.. مهزومة.. ورغم ذلك لم نفهم حتي الآن أن الذي يفرط في شرفه مرة يظل يفرط، ويَسهل عليه التفريط.. ومن تهون عليه كرامته يعيش ويموت مهانا. أقام النظام الحاكم الإخوان ومحاسيبهم الأفراح بعد عودة الجنود السبعة المختطفين.. لكن الناس لم تشعر بطعم الفرحة، وأزعم أن أهالي الجنود، لم يفرحوا بعد عودة أبنائهم بهذه الطريقة.. بل أزعم أن الجنود أنفسهم لم يشعروا بالفرحة.. واسترجعوا ملامح وجوههم الحزينة أثناء لقائهم بمرسي لتعرفوا حقيقة مشاعرهم. نعم.. اطمئن المصريون علي جنودهم.. لكنهم لم يطمئنوا علي كرامة وطنهم.. لذلك ستظل فرحتنا مؤجلة حتي يتم القبض علي الخاطفين، ومحاكمتهم محاكمة عادلة وكشف كل التفاصيل.. لن تفرح قلوبنا قبل أن نشعر أن أيادي الدولة ممدودة علي كامل تراب مصر.. لن نفرح وكل يوم ننتظر أن نسمع عن مخطوفين جدد. لن نفرح ومشاهد الجنود المصريين في الشريط الذي بثته 'اليوم السابع' والمواقع وتداوله الناشطون علي صفحات 'الفيسبوك' يندي لها الجبين.. لن نفرح ومشاهد جنودنا وهم معصوبو الأعين يجلسون علي ركبهم ويضعون أيديهم فوق رؤوسهم ويتوسلون للإفراج عنهم، مازالت تطاردنا وستظل تطاردنا طالما بقي الخاطفون أحرارًا يمارسون حياتهم وإرهابهم دون رادع أو عقاب. قد نقبل عودة الجنود بهذه الطريقة.. لكن إلي حين. لن نفرح قبل أن نأخذ ثأر شهدائنا الذين راحوا وهم يفطرون في رمضان والطعام في حلوقهم.. لن نفرح قبل عودة الضباط الثلاثة وأمين الشرطة المختطفين. لن نفرح قبل أن نعرف الحقيقة كاملة.. لن نفرح قبل أن نفهم لماذا لقن الخاطفون العريف المتطوع إبراهيم صبحي في الشريط المسجل هذه الكلمات التي ناشد من خلالها الرئيس مرسي القائد الأعلي للقوات المسلحة بوصفه الأب الحنون، وقرَّع عبد الفتاح السيسي القائد العام قائلا: 'جنودك يا سيادة الفريق بيموتوا وحضرتك قاعد في المكتب'؟!!. لن نفرح قبل أن نفهم لماذا صبَّت ميليشيات الإخوان الإلكترونية جام غضبها علي الجيش، وتعاملت مع وزير الداخلية الذي تعرض 6 من رجاله للخطف، وكأنه وزير الري!!. لن نفرح قبل أن نعرف حقيقة المكالمة التي بثتها القناة العاشرة الإسرائيلية بين قيادي إخواني وأحد الخاطفين قبل العملية!!!.. وهل كنا بصدد فيلم هابط جديد الهدف منه الإطاحة بقادة الجيش علي غرار ما حدث مع طنطاوي وعنان؟!. لن نفرح قبل أن يقولوا لنا كيف تعاملت رئاسة الجمهورية مع المعلومات التي قدمتها المخابرات الحربية عن عملية الخطف قبلها بيومين؟، ولماذا لم تحرك الرئاسة ساكنًا كما حدث من قبل مع الجنود ال16 في رفح؟!!. لن نفرح قبل أن نعرف حقيقة نقل الجنود عبر الأنفاق إلي غزة وتوزيعهم علي أربعة أماكن مختلفة تحت سمع وبصر ورعاية 'حماس'.. وحقيقة لقائهم بالضباط الثلاثة وأمين الشرطة المختطفين منذ عامين. لن نفرح قبل أن نفهم لماذا توقفت العملية 'نسر'؟!!. لن نفرح ولن نتقبل العزاء في كرامتنا. انفع نفسك يا هنية إسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة حماس المقالة في غزة، دعا مصر خلال خطبة الجمعة إلي إعادة النظر في اتفاقية 'كامب ديفيد' للسلام بين مصر وإسرائيل أو إلغائها. وهنا أود أن أقول للأخ هنية: موقف الحركة الوطنية المصرية من 'كامب ديفيد' منذ إبرامها واضح وضوح الشمس، كما هو الموقف من قضية الصراع العربي الصهيوني.. وربما قصيدة 'لا تصالح' في بداية المقال أكبر دليل علي ذلك. كان من الممكن أن نقبل هذه الدعوة، قبل أن تهرول 'حماس' باتجاه الكيان الصهيوني وتجري اتفاقًا اعتبرت فيه المقاومة المشروعة عنفًا ووقعت علي ما أسموه بوقف العنف المتبادل.. أما وقد حدث ذلك فأعتقد أنه يجب علي هنية أن يحتفظ بالنصائح لجماعته وينفع نفسه أولا.